المطرفي يوظّف بطل همنغواي حلاقاً في هافانا – أخبار السعودية

المطرفي يوظّف بطل همنغواي حلاقاً في هافانا – أخبار السعودية

[ad_1]

تعارف الفضاء السردي على مركزية بطل روايات المغامرة. والبطولة المتخيلة لا تقل أهمية عن البطولة الواقعية عند القارئ، وربما سكنت إحدى شخصيات السرد بعضنا بدءا من زوربا، مروراً بـ«سي السيد أحمد عبدالجواد» وليس انتهاء بالطروسي بطل الشراع والعاصفة، أو متعب الهذال بطل مدن الملح، وبحكم كاريزما البطولة تتحول بقية شخصيات العمل إلى كومبارس لخدمة البطل المركزي.

تُجيد ذائقة الكاتب الفذ الإصغاء والتأمل العميق لما انكتب وما تُلي، ليلتقط لاحقاً أثمن ما تجود به حكايات سلفت ويختزله رصيداً يواجه به واقعاً أجدّ وذاتاً مختلفة وقارئاً خطراً ربما كان القارئ العدو أو الصديق، والكتابة حصن يلوذ به مُتخم بوجع الشخصيات التي اختزلها بحكم القراءات المتقمصة، وعندما يستشعر فداحة ما لحق ببطله الأثير من غبن فربما تتحرك موهبته الكتابية للانتصار سردياً للشخصية المغبونة.

وعكس السائد والمألوف يتعقب الكاتب محمد المطرفي بجُرأة مقتدر (سانتياغو) بطل رواية الشيخ والبحر، ويعيده للعمل حلاقاً في هافانا. وكأن المطرفي لا يريد لرواية الكاتب الأمريكي إرنست ميلر همنغواي: (العجوز والبحر)، أن تنتهي. أو تتوقف عند تقاعد العجوز وهجر الصيد. أو كأنما يريد أن ينتقم من ذلك البحر الذي أشقاه بأهواله بإعادة البطل للواجهة.

ربما انقدح في ذهن المطرفي أن (همنغواي) أراد أن يجعل من البحر أو القارب أو الأسماك أبطالاً على حساب الإنسان فجابه إقالة (سانتياغو) ورفض تحويل المغامر الفذ إلى عاطل ورسام للحكايات ليقوم بتعليقها في شرفات الذاكرة، وأبى أن تتوقف حياة الأبطال وتتجمد عند حد لا يمكن تجاوزه، فجاء عمله المدهش (كلب أزرق ينبح بجوار السرير) الصادر عن دار أثر للنشر والتوزيع، في 120 صفحة من القطع المتوسط. وأضاف للعنوان (منامات حلاق عجوز في ضواحي هافانا) وجاء الإهداء (إلى صديقي همنغواي)، ولفرادة الكتابة هنا وحضور الكاتب لا يغيب عن الذهن ونحن نتصفح، تحريات كلب لكافكا. كما يحضر الروائي حنا مينا باعتباره بدأ في صباه العمل حلاقاً، وكتب سيرة البحر حتى عده البعض همنغواي الشرق.

لربما تخاطر المطرفي مع استدراكات المؤلفين على بعضهم، فاستعاد البطل وامتحن قواه، أو لربما لم يفتنه السياق السابق فتبنى إعادة الحبكة، وربما كان ناقماً على بطل عجوز كان (بإمكانه أن يغادر الحكاية مبكرا، بعد أول فوز وقبل آخر هزيمة).

لستُ ملماً بالنوايا إلا أن احتمالات وتأويلات القراءة تبعث على التساؤل: أي المهام والمهن أحب إلى سانتياغو، مهنة الصيد في بحر لُجي، أم مهنة الحلاقة مع كائنات لجوجة. وكاتبنا هنا ليس بانتظار أسئلة من هذا النوع، بحكم أنه استرضى همنغواي بالإهداء، وسيرضي بطله الحلاق بإقناع مرتادي صالونه بالإصغاء إليه عندما يبدأ يجز رؤوسهم ويجز الحكايات ثم يعيد غزلها مجدداً.

عرف عالم الصناعات الحديثة فن (التجميع) ويقابله فنياً الفن المفاهيمي، والمطرفي بلباقة ولياقة كاتب شاب ومغامر يستخرج من مستودع السرد شخصية تاريخية ويعيد صياغتها، رافضاً فكرة استغناء الأبطال بدور من يرسم الحكايات ويقوم بتعليقها في شرفات الذاكرة.

كنت أقرأ وتخامرني استفهامات من نوع لماذا هافانا وليس جدة. ليأتي التبرير الرمزي. فالسارد العليم يريد مسرحا يلائم إمكاناته ويتيح لمواهبه أن تظهر. فتناسخ البطل أو استنساخه ليس مصادفة بل قصدياً لأن البطل يريد أن يستعيد كل شيء، طفولته الضائعة، شبابه المجهول، سعادته الهاربة، سيدة كان من المفترض أن تشاركه ذلك كله!

يكتب المطرفي «لم يبق من تلك الحكاية سوى حلاق عجوز، وصبي، آثر أن يكمل الطريق كان اسمه قد تجول في كل قارات العالم، من البوليتزر إلى نوبل. اسمه القديم سنتياغو، أما هذا الحلاق الكوبي القابع في حانوته الصغير في ضواحي هافانا، فلم يعبأ به أحد. كان جسرا عبرت عليه الأقدام للضفة الأخرى، كان يزوره كل مساء ويلقي عليه سؤاله المعتاد: كم رأسا اصطدت هذا اليوم؟ فيجيبه مازحا: كان البحر شحيحا كعادته!».

يؤكد المطرفي لنا ‏أن الرواية هي عبارة عن حوار بين شخصية في إحدى روايات همنغواي مع المؤلف وسيرة يمتزج فيها الواقع بالمتخيل. الرواية باختصار تتحدث عن بطل رواية العجوز والبحر لهمنغواي بعد نهاية الرواية لم يعد له أي مهمة يقوم بها فتحول لحلاق يحكي القصص للزبائن ويلتقي في ذلك الوقت مع المؤلف فيحكي كل منهما همومه للآخر. همنغواي يحكي قصة حياته وسنتياغو بطل الرواية يتمنى لو يكتبه مرة أخرى ولكن بشخصية شاب لا عجوز.

ولا ينسى ونحن نختم الصفحة الأخيرة أن يلّوح لنا بوصية «إن حصلت على كنزك فاستمتع به، تمسك به كأنه كنزك الأخير. أغلق الحلاق العجوز الحانوت، وذهب كل منهم في اتجاه. وعاد لسريره، وأحلامه».



[ad_2]

Source link

Leave a Reply