[ad_1]
عرفت القرية شقاوة (سمحان) في طفولته، يخرّق قرب النساء بالشوك فتخر على ثيابهن دون علمهن، ويشبشب قبسان عند السفول، ويرجم القطط بالنبّالة. ما بقي سيدة إلا ودعت عليه «الله يعثرك» عشيّة الجمعة، تسلّق عالية بيت جيرانهم لينخش عش الهدهد. فطاح فوق المكان المخصص لتذكية البهائم فارتج رأسه، وبقي ملجّماً ومبجّما أربعين يوماً ما يعي ولا يحيط، وبحسب قول الفقيه (انصفق دماغه)؛ لذا فإن الأب يحنّ عليه أكثر من بقية الأبناء والبنات.
كشف طرف البطانية عن وجهه، واستقعد وتلفّت يمين وشمال. شاهد كوب حليب المهيّل بالزنجبيل فوق الحِرانة، فقال لأبيه: صُب لي، قال: قم خذ لك فنجال واصطب، أضاف: «وإلا مستكرب من القومة». نهض وقبّل أنفه وجبهته، وتناول البكرج وسكب في الفنجال حتى طفح، علّق: هذي نفعتك. مد له بكسرة من خبزة ذرة. غمّسها في الحليب ورشف بصوت شفط، وبلع ومسح بكفه براطمه، وقال: الله يا حلم شفته البارحة.
سمع الأب دبيك على سقف البيت فانشغل عنه. أزعجه تساقط بعض الوار الأسود على المواعين، فسحب حبل الكترة على البكرة المخصصة، ونادى من اللي فوق؟ فجاء رد خافت: آنا. لم يعلّق، لأنه يعرف أن جارتهم الأرملة تعبر السقف لتصل إلى منزل زوج ابنتها الملاصق لمنزل بو سمحان من جهة الوادي.
قال لأبيه، ما ودك تسمع حلمي، فقال: هات حلمك يا الادهس. اقترب منه، وقال: حلمت أن أياديّه مُقطّعة، ولا أقدر أحيل ولا أزيل، وأنت تلقمني، وشوية لا ونّ جيوبي تخر حليب والوادي حقنا يسيل والنسوان يتسابقن بالقِرب يعبين ويمخضن ويزبدن في طرف الوادي، فقال الأب: خير اللهم اجعله خير. هذي تهاويل يا حبابي أسردها على نفسك إذا جيت تقضي حاجتك تحت اللوزة وما يجي الضحى حتى تنساها.
في صبيحة اليوم التالي فز من النوم بخرعة، وفرك عيونه ونظر لزاوية أبيه فلم يره. خرج من باب المنزل فلمحه يتشمس فوق الجناح، طبع قبلته على صلعته، وانسدح مسنداً رأسه على ركبة الشايب وبدأ يسرد: البارح حلمت إلا وأنا معي قرون، وجارنا بخيت يطاردني بالشفرة، وبغيت أدخل بيتنا فنشبت قروني في الجُباهة.، ويوم قرب مني دنّيت برأسي وبدأت القرون تطقطق فانتبهت وعرقي يتصبصب. قال الأب: لو ما كسّرت الجباهة قرونك يكسرها جور الأيام يا سمحان.
لم تتوقف أحلامه، بعد أسبوع قال: البارحة حلمت أن أصابعي كلها رضاعات، وعشرة حسلان تمقها مق، شوية إلا ما بقي قطرة حليب، وكل حسيل بصم على أصبع من أصابعي ومصوها حتى بغت تتكسر وبديت أصيح وأزهمك يا به يا به وأنت تسمعني ولا ترد، فافتكيت إيدي ودخلت مزرعة كبيرة، كلها برسيم واسمع واحد يقول سمّد سمّد يا سمحان، وسرى الليل في التسميد حتى شممت رائحة السماد في الفراش. علّق: والله من كثر ما عبيت في بطنك من الدُّجر يا فرخي، ريحة سمادك وصلت عندي وضحكا.
ملّ الأب فأوصاه قبل ما ينام يحط مداسه تحت رأسه، وقال: إذا جيت ترقد توسّد نعالك وبقدرة قادر ما عاد تتحلم. أخذ النعال ووضعها تحت رأسه وغط في نومة، وقام الصبح يروي للشايب، شفت أني هابط السوق الأسبوعي وشافني ثور العريفة، وانفلت عليّه، والطارد والشارد من ركيب في ركيب، واسمع نسوان يرددن: وقفي له، وقفي له، إنْ لقحتِ وإلا ما ضرّك. قال: وأروغ منه، وأدخل ذاك الغدير الصافي الماء واندس بين الحلفاء، وشوية إلا وأنا أجمط منها جمط. مد الأب يده في الرماد المتكوم في الملة، وحاق منه بأصابعه ونثره على وجه سمحان وملابسه مردداً: هاك مِلا وجهك إن كان ما قد سمعت منك حلم يشرح الخاطر، والله يا أحلامك هذي ما خلّت ولا بقّت عن أحلام البقرة.
كاتب سعودي
Al_ARobai@
[ad_2]
Source link