[ad_1]
وهناك، ولا شك، «تداخل» وثيق بين العاملين الداخلي والخارجي. ولولا الوضع الداخلي والذاتي العربي الرديء، لما تمكن العامل الخارجي من تحقيق أغلب مآربه السلبية في الأرض العربية. فالعامل الخارجي نجح تماماً في «تسخير» الوضع الداخلي (بأغلب معطياته) لخدمة أغراض القوى الخارجية، وتحقيق أهدافها -الواحد تلو الاخر- بسهولة قياسية. بل إن كثيراً من الأهداف الخارجية فادحة الخطورة تحققت «بيد المعنيين، لا بيد عمرو»..!
يسهم هذا التصارع العالمي على معظم المنطقة في زيادة طينها بلة؛ فالمنطقة ذات موقع استراتيجي فريد؛ لأنها تربط بين قارات العالم القديم الثلاث؛ آسيا، أفريقيا، أوروبا. كما أن بها موارد طبيعية هائلة، إضافة إلى كونها تحتوي على أكبر مصادر الطاقة في العالم. حتى أصبح من الصعب على أي قوة دولية كبرى، أو عظمى، أن تكون كذلك ما لم يكن لها نفوذ يذكر بهذا الجزء من العالم. وهذا ما تأكد بوضوح منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
بالإمكان القول إن بالمنطقة العربية الآن تكتلين عالميين كبيرين متنافسين؛ الأول هو التكتل الغربي بزعامة الولايات المتحدة. أما التكتل الثاني المضاد والمنافس للتكتل الغربي، فهو يتكون من القوى المناوئة حالياً للغرب، وفي مقدمتها روسيا والصين، ومن يسير في فلكيهما. ولكل من هذين التكتلين حلفاء من المنطقة نفسها، وكل من هذين التكتلين يعمل لما يحقق ما يعتقد أنه مصالحه. وكثيراً ما تكون هذه الـ«مصالح» لفئات قليلة في كل تكتل، وغالباً ما يكون حراك هذين التكتلين بالمنطقة في اتجاه سلبي ومضاد بالنسبة للمصالح العليا العربية والإسلامية الحقيقية. فعندما يدعي أحدهم أنه يعمل على استتباب الأمن والاستقرار بالمنطقة، فإنه غالباً ما يعمل ذلك بما يتوافق ومصالحه ومراميه وأهدافه متغيرة التفاصيل، ثابتة الأهداف تقريباً.
أما أن يعمل على إقامة استقرار قائم على أسس صحيحة وصلبة، عمادها الحرية والعدالة والمساواة والشورى والتكافل الاجتماعي؛ كي تعيش الأمة كريمة مستقلة، في أرضها، وتتمتع بحقوقها المشروعة، وبإمكاناتها الطبيعية والبشرية، بما يحقق لها الأمن والاستقرار والتقدم والازدهار، ويجعل لها مكانة مقبولة بين أمم الأرض المعاصرة، فهذا غير وارد إطلاقاً، من قبل الأغيار، أطراف هذين التكتلين.
إن أحسنا الظن، نقول: ليس في نوايا هؤلاء الأطراف، خير لهذه الأمة، بل إن بعضهم يعمل على استغلال إمكاناتها لصالحه، عبر إضعافها، وإذلالها. وأفضل وسائل إضعافها (في حساباتهم) هي: تخبطها الفكري والعقائدي، وتقسيمها وشرذمتها، وخلق كيانات ودويلات متنافسة ومهترئة ومتهالكة منها، وعلى أسس طائفية ومذهبية ومصلحية خاصة.
****
إن مسؤولية الإصلاح وتصحيح هذا الوضع تقع على الشعوب والنخب العربية المفكرة المستنيرة، إضافة إلى القيادات المخلصة. لا يفكر الأغيار في التكتلين إلا فيما يحقق مصالحهم الأنانية والانتهازية، التي تستلزم الأضرار، بشكل أو آخر، بقصد ودون قصد، بهذه الأمة. ومعظمهم يتبع أسلوب «أنا أكسب، وليخسر غيري»، مستبعدين أسلوب «لأستفيد، وأفيد». صحيح، أن زعماء هذين التكتلين قوى يصعب، إن لم يستحيل، مقارعتها، والتصدي لمخططاتها. ولكن، وبشيء من التنظيم السياسي السليم، وقليل من الحكمة السياسية، يمكن التغلب على كثير من هذه التحديات، ويمكن إرغام هذه القوى على احترام حقوق هذه الأمة، أو دفعها لاستخدام أسلوب يحقق المصالح المشتركة، ولا يخدم مصالح طرف على حساب طرف آخر.
كان الله في عون ساسة وقادة المنطقة المخلصين لشعوبهم، والأوفياء لأمتهم، العاملين دائماً لخيرها ورفعتها؛ لأن مهمتهم ثقيلة، وعبئهم تنوء بحمله الجبال؛ بسبب هذه البيئة الصراعية الشرسة التي يفكرون ويعملون فيها. إنهم كمن يبحر في بحر هائج، بقارب مهترئ، تتقاذفه رياح عاتية، تكاد تغرقه في يم متلاطم الأمواج.
[ad_2]
Source link