[ad_1]
من يطالع لوحات البورتريه، رسومات الصور الشخصية للحكام المسلمين من العصور الوسطى سيلاحظ نمطاً سائداً وهو إظهار الحاكم فيها ممسكاً وردة بأطراف أصابعه الدقيقة الرقيقة التي كأصابع مرهفي الحساسية من الشعراء والفنانين مع مسحة شاعرية عاطفية بلغة الجسد وتعابير الوجه ونظرة حالمة وإن كان مشهوراً بحروبه وقسوته، لكنه يختار أن يرسم له هذا البورتريه العاطفي الشاعري بدل أن يتم رسمه متقلداً سيفه وعدته الحربية، وأيضاً اشتهر الأمراء المسلمون في العصور الوسطى بالشعر الرومانسي العاطفي حتى أنه صار نموذجاً أيقونياً أن يكون الأمير شاعراً عاطفياً ويتفاخر بإظهار مدى عاطفيته لدرجة اشتقاق لقبه من اسم زوجته كالمعتمد بن عباد وتسمية عاصمته الجديدة باسم زوجته كمدينة الزهراء الأندلسية ويبني صرحاً يخلد زوجته مثل «تاج محل» بالهند، وهذا اختلاف جذري عن نمط عرب الجاهلية للرجولة الذي ورد بأحاديث السيرة عندما علّم النبي الرجال المصافحة فتحرجوا منها وقالوا إنهم كانوا يعدونها من نواقض الرجولة قبلها لأنها كفعل العجم بالتعبير العاطفي، وعلّمهم أن العين التي تدمع هي فضيلة بينما التي لا تدمع رذيلة يستعاذ منها، وكان النبي أول رجل عربي يبكي علانية عندما يتأثر عاطفياً، وعلّمهم التعبير العاطفي العلني مع الزوجة والأطفال، ووجّههم لأن الرجل إذا أحب أحداً يجب أن يخبره أنه يحبه، فتغير نموذج الرجولة لدى العرب بسبب التأثر بشخصية النبي العاطفية، ولذا شهد القرن الأول للإسلام قصص العشق العربية الملحمية الشهيرة كمجنون ليلى وجميل بثينة وكلها كانت في قلب الجزيرة العربية، فالعاطفية صارت من الفضائل التي يفتخر الرجال بها ويعتبرونها تدل على سجية روحية راقية لأنها تضاد قسوة القلب التي تعتبر رذيلة مضادة للروحانية، لكن بعد القرن الأول ماتت هذه الثقافة حتى العصور الوسطى حينما شاعت ثقافة التحضر الجديدة وصار الرجال يريدون تمييز أنفسهم بأنهم متحضرون بإظهار الترفع عن أنماط الهمج غير المتحضرين، فباتت صفة العاطفية هي الحد الفاصل للتمييز بين التحضر والهمجية، ولذا حرص الحكام المسلمون على أن تظهرهم الرسوم الشخصية بصفة شاعرية عاطفية للتدليل على تحضرهم، ولازال هذا الفارق ممتداً لعصرنا الحالي، حيث يمكن تمييز مدى تحضر المجتمع بسلوك الرجال فيه تجاه العاطفية؛ ففي المجتمعات الأكثر تحضراً وتطوراً يتنافس الرجال بإظهار المراعاة العاطفية التي تدل على حساسيتهم العاطفية بالآخر، بينما في المجتمعات الأقل تحضراً الرجال يتفاخرون بعنتريات الهمجية المضادة للعاطفية سواء بسلوكهم الشخصي والعنف الأسري أو بالسياسات العامة كما بالسياسات المعادية للنساء والمضطهدة لهن كمنع التعليم والعمل وحرية الخروج من البيت واستعمال العنف لإجبارهن على الزي التقليدي وضربهن وتعذيبهن حتى الموت لأجله كما يحصل في بعض الدول الإسلامية، مع أنه في الإسلام لا عقوبة على عدم الحجاب بينما حرمة ضرب وتعذيب وقتل الإنسان أعظم عند الله من حرمة الكعبة كما قال النبي بالصحيح، أين العمل بالوصية النبوية باللطف مع القوارير أي النساء وقد شبههن بالزجاج؟ وحتى بالمجتمع الواحد يمكن تمييز خلفيات الرجال وإن كانوا بذات الهيئة ويلبسون ذات الماركات من موقفهم تجاه العاطفة؛ فالذين ينتمون للطبقات الأقل رفاهاً «اللو كلاس» يعتبرون أن إثبات ذاتهم وفحولتهم هو بالتكبر على العاطفة واحتقارها باعتبارها وصمة سلبية توصم بها النساء ويتم تجريدهن من الأهلية الإنسانية بسببها ولذا يقمعون العاطفة بأطفالهم، بينما الرجال من الطبقات المرفهة والمخملية «الهاي كلاس» ينظرون لهؤلاء على أنهم همج ونمطهم همجي، ويتفاخرون بإظهار وتقدير العاطفية سواء أكانت بالنساء أو الرجال وبخاصة مع الدراسات الحديثة عن أهمية «الذكاء العاطفي» بمجال التنمية الذاتية واعتباره من الملكات الأساسية للشخصية الناجحة والقيادية.
[ad_2]
Source link