[ad_1]
دور {أوبك} وتوقعاتها يرسمان ملامح العام الجديد
دخل عام 2022 وأسعار الطاقة والسلع قد عادت للارتفاع بعد زيادة الطلب مع عودة الحياة لشبه طبيعتها جراء إلغاء الإجراءات الاحترازية الخاصة بكورونا، غير أنه ما لبث واستجد مؤثر جديد غير معتاد في السوق، تمثل في الحرب الروسية في أوكرانيا، صعد بالأسعار لمستويات قياسية تخطت فترة ما قبل كورونا في معظم السلع الرئيسية، ذلك لأن موسكو من كبار منتجي الطاقة في العالم، وفرضيات توسع الحرب وقتها، كانت غير مستبعدة.
هذه المستويات القياسية من الأسعار دعمت مؤيدي نظرية «الدورة الفائقة للسلع»، التي تفيد بأن الأسعار ستواصل الصعود لعقد كامل، (بدأت الارتفاع بفعل تداعيات كورونا في 2021)، جراء اضطراب سلسلة الإمدادات الناتجة عن توقف المصانع والشركات وقت الإجراءات الاحترازية لكوفيد19.
غير أن نظرة موضوعية على أسواق الطاقة والسلع بنهاية 2022 (المستثمرون حققوا صافي سحب بقيمة 130 دولار من أسواق السلع) عطفا على ما شهدته هذه الأسواق طوال العالم، يأخذك في مسار واحد وهو: أي ظرف استثنائي (كورونا أو الحرب) لا بد أن تكون تداعياته استثنائية، ولا يجب بناء التوقعات الاقتصادية عليه لمدة قد تتخطى وقت الظرف نفسه، لأن تداعيات هذا الظرف أو الحادث ستزول بمرور الوقت (في حال التعايش معه مثل كورونا) أو بمجرد زوال الظرف الاستثنائي.
والعرض والطلب، هنا يوضحان ماهية الأسعار للفترة الماضية والمقبلة، يضاف لهما التداعيات المؤثرة عليهما أو المتأثرة بهما. لأنه مع تراجع الطلب يزيد المعروض بالتبعية، فتتراجع الأسعار، والعكس صحيح، وهو ما حدث في بداية عام 2022، لنجد تضخما عالميا اجتاح العالم، نتيجة مستويات قياسية للأسعار، مع تهافت الدول لتأمين احتياجاتها الطاقوية والسلعية، تحوطا من تداعيات الحرب.
النفط والغاز
في الشهور الأولى من العام ومع بداية الحرب الأوكرانية، شهدت الأسواق ارتفاعات قياسية في «أسعار الغاز في أوروبا» و«النفط لامس 140 دولاراً للبرميل» مع «حظر أميركي لواردات النفط الروسي»، وسعي الرئيس الأميركي لجمع أكثر من ثلاثين بلداً، للإفراج عن احتياطها النفطي الاستراتيجي.
وإذا كانت هناك أزمة نتجت عن أزمة أخرى، وترتب عليها أزمات عدة، فلا بد من قائد للسوق يوقف الخسائر بل ويحولها في الكثير من الأوقات إلى مكاسب للاقتصاد العالمي، وهنا جاء دور منظمة البلدان المصدرة للنفط {أوبك}، التي خفضت الإنتاج على الفور مع تراجع الطلب واضطراب السوق.
وقال وقتها وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان: «نفاد الطاقة الفائضة واقع قائم وعلى العالم العمل بشكل مشترك»، محذرا من مغبة مستقبل أسواق الطاقة وسط تراجعات في الإنتاج والاستثمارات.
ذلك أن الأسواق كانت تشهد تلك الاضطرابات المتتالية مع الحديث عن سرعة التحول الطاقي، من خلال التخلي عن الوقود الأحفوري والتوجه إلى الطاقة النظيفة، وهو ما فاقم من أزمة الطاقة حول العالم، خاصةً في أوروبا.
وكانت شركات النفط الكبرى أمام امتحان التصويت على استراتيجياتها المناخية، بينما كانت مصافي النفط في الولايات المتحدة عاجزة عن مواكبة الطلب، في الوقت الذي حققوا فيه مكاسب فصلية كبرى، فيما بدأ إيقاف ضخ الغاز الروسي لأوروبا «لأجل مفتوح»… وبدأ السحب من المخزونات قبل الشتاء، مما زاد من تكاليف فواتير الغاز الأوروبية تريليون يورو إضافية.
ولمحت أرامكو السعودية، وقتها إلى أهمية توحد العالم خلف خطة جديدة لتحول الطاقة، موضحةً أن خطة جديدة قد تخفف من حدة أزمة الطاقة العالمية والتي تسارعت وتيرتها خلال 2022.
ومع تراجع أسعار النفط على مدار الشهور العشرة الأولي من 2022، خفضت {أوبك} بلس، الإنتاج وسط غضب أميركي، ذلك لأن الأخير يخشى ارتفاع أسعار البنزين في الولايات المتحدة.
وبدأت دول أوروبية تتحول عن خطتها للمناخ، رغم عدم الإعلان بشكل صريح، مثل ألمانيا والنمسا، من خلال اللجوء إلى الفحم، التي ارتفعت أسعاره لمستويات قياسية على مدار العام.
بل إن بريطانيا فتحت باب استكشافات النفط والغاز، خلال شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ذلك مع توجه القارة العجوز إلى الدول العربية لتعويض الغاز والنفط الروسيين، في الوقت الذي أفرج فيه بايدن عن 15 مليون برميل نفط إضافي من الاحتياطي النفطي الاستراتيجي، وسمح لفنزويلا بتصدير النفط، رغم العقوبات المفروضة عليها.
هنا عاد من جديد وزير الطاقة السعودي، يحذر من استنزاف الاحتياطيات الاستراتيجية عالمياً، جنبا إلى جنب مع وزراء الطاقة في الدول الخليجية وأمين عام {أوبك} الذي دعا إلى تحرك سريع للاستثمار في النفط لمنع أزمات مستقبلية.
وصحيح أن الارتفاعات القياسية للنفط ساهمت في ارتفاع معدلات التضخم حول العالم، إلا أنه لا يمكن أن يؤخذ هذا الأمر بمعزل عن الأحداث الأخرى الخاصة بآليات العرض والطلب والتداعيات المؤثرة عليهما والمتأثرة بهما.
وبعد كل هذه الأحداث، اتفق الاتحاد الأوروبي على سقف لسعر النفط الروسي، رغم تناقض الإجراء مع «مبادئ التجارة العالمية»، وفق رد الكرملين على الاتفاق. فبدأت تتكدس ناقلات النفط في البوسفور، فزادت حدة الأزمة واضطربت الأسعار. وسط تهديدات من روسيا بمنع النفط عن الدول التي تمتثل لسقف الأسعار.
اتجهت الأنظار من جديد لقائد السوق، وهي {أوبك} وحلفاؤها، وعلى رأسهم السعودية، التي أوضحت على لسان وزير الطاقة الأمير عبد العزيز بن سلمان في النصف الثاني من شهر ديسمبر (كانون الأول) 2022، أن «{أوبك} بلس منعت فوضى في سوق النفط»، رغم كل هذه الأحداث المتتالية والمزعجة لأي سوق.
ورغم أن هناك دراسة بحثية متخصصة قللت من أثر قرار مجموعة السبع والاتحاد الأوروبي، بوضع سقف سعري للنفط الروسي عند 60 دولاراً للبرميل، وأشارت إلى أن «آلية التنافس الحر بين قوى العرض والطلب قد غابت عن هذه السوق». وضع الاتحاد الأوروبي حداً أقصى لأسعار الغاز الطبيعي يوم 19 ديسمبر (كانون الأول) 2022.
انتهى عام 2022 بوضع سقف للأسعار على النفط والغاز، في دلالة على استهداف الخامين الأهم، واللذين يستحوذان على النسبة الأكبر في توليد الكهرباء حول العالم نسبة إلى باقي مصادر الطاقة الأخرى، ما قد يشير إلى أنها مجرد بداية لخطط توسعية في هذا القطاع، مع الأخذ في الاعتبار الضرائب التي تفرض على شركات إنتاج النفط، وهو ما يحد من حجم الاستثمارات في القطاع بشكل تعمدي.
السلع والدورة الفائقة
خرج مستثمرون من أسواق السلع بما قيمته 130 مليار دولار منذ يناير (كانون الثاني) وحتى منتصف ديسمبر (كانون الأول) 2022، وهو نزوح قياسي مقارنة بالفترات السابقة، وفقاً لبنك «جي بي مورغان».
ووفقاً لبيانات من بلومبرغ، فإن أسواق السلع شهدت صافي خروج من المستثمرين أيضاً خلال عامي 2020، و2021، والأخير الذي توقع فيه الكثيرون «الدورة الفائقة للسلع»، وقد شهد بالفعل ارتفاعات قياسية.
في بداية الشهور الأولى من العام الماضي (2022)، حذر البنك الدولي من ارتفاع حاد لأسعار الغذاء والطاقة بسبب حرب أوكرانيا، حتى أنه توقع أن تشهد أسعار السلع الأساسية ارتفاعا حتى نهاية 2024. ورغم ذلك تراجعت أسعار بعض السلع الأساسية إلى فترة ما قبل كورونا.
وارتفاع سلع مثل القمح وبعض السلع الغذائية الأخرى، يأتي بسبب استخدامه كسلاح دبلوماسي في قلب أزمة الغذاء العالمية، أما ارتفاع الفحم، فجاء نتيجة تسريع بعض الحكومات وتيرة التحول الطاقي، مما ترتب عليه توقف الاستثمارات في مشاريع الوقود الأحفوري أو مصادر الطاقة التقليدية، ومع تفاقم الأزمة لجأ الكثيرون إلى المصادر التقليدية بأسعار قياسية.
غير أن المستويات القياسية تلك لا تعني، بالضرورة، استمرار هذه الارتفاعات بنفس النسب خلال العام 2023.
ونظرة على فتح وإغلاق أهم السلع خلال بداية العام ونهايته يمكن أن تتضح الصورة:
بدأ النفط عام 2022 عند مستويات 78 دولاراً للبرميل وأغلق السنة عند 82 دولاراً للبرميل، والبلاتينيوم بدأ عند 970 دولاراً وأغلق على 1000.073 دولار للأوقية، والذهب بدأ العام عند 1829 دولاراً للأوقية وأغلق على 1824 دولاراً، والبلاديوم بدأ عند 1874 دولارا وأغلق على 1798 دولاراً، والفضة بدأت العام عند 22.5 دولار للغرام وأغلقت على 23.97 دولار، والحديد بدأ عند 120 دولاراً للطن وأغلق على 111 دولاراً، والنحاس بدأ العام عند 9700 دولار للطن، وأغلق على 8386 دولار، فيما الفحم بدأ عند 120 دولاراً للطن وأغلق على 230 دولاراً.
أما القمح فقد شهدت العقود المفتوحة الخاصة به تراجعات ببورصة شيكاغو مؤخراً لأدنى مستوى منذ الأزمة المالية العالمية.
وبالنظر إلى سوق السلع في 2022، نجد أن آليات العرض والطلب تظهر متجلية بشكل لا لبس فيه، مع تداعيات مؤثرة على المعروض ومتأثرة بالطلب.
وهنا يجب الإشارة إلى رؤية الدكتور محمد العريان الخبير الاقتصادي العالمي، في هذا الصدد، والتي تشير إلى أن صعوبة الحصول على المواد الخام والعمالة لها آثار طويلة الآجل على الأسعار والنمو وميزانيات الدول والشركات.
أضاف العريان، في كتابه «ECONOMIC DEMAND IS BACK… SUPPLY IS THE PROBLEM»، أي «الطلب الاقتصادي عاد… لكن العرض هو المشكلة»، الذي صدر (قبيل الحرب الأوكرانية)، أن قوة الاستهلاك والاستثمار – بدعم من إعادة فتح الاقتصادات وصلابة ميزانيات الشركات والأسر – أدت إلى تعزيز الطلب الكلي، لدرجة أدهشت الكثيرين، سواء من التنفيذيين أو الخبراء الاقتصاديين أو صانعي السياسات أو محللي وول ستريت.
ساهمت الحرب الأوكرانية في أزمة أخرى في المعروض وأحيانا الطلب، مما أوجد حالة من الاضطراب الشديد في سوق السلع، وهو ما أوضحه العريان في جانب العرض، بقوله إن التحدي أكبر بكثير، حتى وصفه بـ«الوضع شديد السوء»، إذ تعمل الاختناقات والجمود على تعطيل العديد من سلاسل الإمداد، وأصبحت عمليات الشحن – بما في ذلك توفير الحاويات – أصعب كثيراً. (ما زالت تداعيات هذه الأزمة مستمرة على الأسعار وإن بدت تقل نوعا ما).
كما أن تفشي الوباء في بعض الدول داخل سلاسل الإمدادات العالمية – مثل الصين – وحالات عدم اليقين الجيوسياسي، بما في ذلك التوترات الدورية بين الصين والولايات المتحدة وأوروبا، كلها أمور تضاف إلى المشكلات التي تواجه أولئك الساعين للحصول على المواد الخام من أجل مصانعهم. بالإضافة إلى الضبابية التي تغلف الاقتصاد العالمي، والحذر والحيطة من بعض الدول والشركات، وهو ما يوضح أن تلك الزيادة في الطلب نشأت بسبب احتمالية تفاقم النقص الهائل في العرض.
ونتيجة لذلك، يتوقع بنك غولدمان ساكس الأميركي، ارتفاع أسعار السلع 43 في المائة في 2023 بسبب نقص المعروض، كما يتوقع أن تقفز أسعار برنت إلى 105 دولارات للبرميل في الربع الأخير من عام 2023. ويتوقع قفزة في أسعار النحاس إلى 10050 دولاراً للطن من نحو 8400 دولار، وارتفاع أسعار الغاز الطبيعي المسال الآسيوي المعياري من 33 دولاراً للمليون وحدة حرارية بريطانية إلى 53.10 دولار.
غير أن سعر الدولار هنا سيكون مفصليا في كل السلع الرئيسية، لأن ارتفاع سعر العملة الأميركية يعلي قيمة السلع المسعرة بالعملات الأخرى، بالإضافة إلى ذلك ينظر إلى الصين على أنها لاعب رئيسي في تحرك بوصلة الاقتصاد العالمي خلال 2023، عطفا على الإجراءات التي ستتخذها جراء تخفيف القيود من كورونا.
{أوبك} في 2023
طالما أن الطاقة ومشتقاتها تدخل في كافة التعاملات اليومية الحياتية، فمن الطبيعي أن الاقتصاد الكلي والجزئي سيأخذ بعين الاعتبار أسعار الطاقة خلال 2023، ليحدد على أساسها توقعات معدلات التضخم وبالتالي أسعار الفائدة، ومن ثم حجم الاستثمارات التي سيتم ضخها في الأسواق، والتي سيترتب عليها حجم البطالة أيضاً، وذلك سيحدد معدلات النمو الاقتصادي المحلي والإقليمي والعالمي.
يتوقف ذلك على حجم العرض والطلب على النفط والغاز خلال عام 2023، وهنا يأتي دور منظمة {أوبك} التي أضحت مرجعا ونموذجا للعديد من القطاعات الاقتصادية التي تسعى للتشبه بالمنظمة التي صحت توقعاتها على مدار عام 2022، مقارنة بغيرها من التوقعات المتخصصة في نفس المجال.
ترى {أوبك} في آخر تقرير لها، صدر 13 ديسمبر (كانون الأول) 2022، أن التباطؤ الاقتصادي «واضح تماما»، فإن هناك جانبا صعوديا محتملا بدعم من أسباب، من بينها تخفيف سياسة «صفر كوفيد» التي تبنتها الصين لمكافحة فيروس كورونا.
ولذلك أبقت على توقعاتها لنمو الطلب العالمي على النفط في عامي 2022 و2023 بعد خفضها عدة مرات، وقالت {أوبك}، إن «حل الصراع الجيوسياسي في شرق أوروبا وتخفيف سياسة صفر – كوفيد في الصين من شأنه أن يوفر بعض الدعم الصعودي للنفط».
وتوقعت أن الطلب على النفط في 2023 سيرتفع 2.25 مليون برميل يوميا، أو نحو 2.3 في المائة، بعد نمو 2.55 مليون برميل يوميا في 2022.
وذكرت المنظمة في التقرير أنه «رغم أن أوجه عدم اليقين الاقتصادي حول العالم مرتفعة وأن آفاق النمو في اقتصادات رئيسية لا تزال تميل للاتجاه النزولي، فإن هناك عوامل ظهرت أيضاً تدعم الاتجاه الصعودي وربما تعادل التحديات الحالية والقادمة».
[ad_2]
Source link