[ad_1]
خمسة عقود أو تزيد قضاها علي خالد الغامدي في فضاء صاحبة الجلالة، ولا أقول بلاطها، محرراً ميدانياً تبتل صفحات الأخبار بعرق جبينه متنقلاً بين حارات جدة القديمة وإداراتها الرسمية والأهلية.. فقد نشأ وترعرع محملاً بجمال الكلمة وشغب الأسئلة وبهاء الاختلاف في زمن كانت فيه مدينة جدة ميداناً لتنافس المبدعين والأعلام ورواد الفكر والمعرفة. ورغم ضيق المساحات المكانية فقد اتسع الأفق لكل الأطياف، وتشكلت أجيال قدّمت نماذج فكرية وإبداعية وإعلامية بقيت مع مر الأيام.
عرف كاتبنا الجميل مرحلتين مهمتين في الإعلام المحلي: صحافة الأفراد والمؤسسات. وتعامل وتعلّم من رموزها مثل عبدالفتاح أبومدين، عبدالله مناع، محمد صلاح الدين وأحمد محمد محمود، وقرأ قبل ذلك لرموز الثقافة العربية، مثل العقاد، طه حسين، لطفي السيد والمنفلوطي. وقبل هذا وذاك كان الطالب النجيب المبدع الذي حاز إعجاب معلّم مادة التعبير في المدرسة السعودية بجدة في سن مبكرة جداً! ومن يعش هذه العوالم بكل ثرائها تتشكل بين جنبيه روح مختلفة، ويمتلك عقلاً واعياً، تدعمهما تربية راقية تعاف الطرق الملتوية والتنازلات التي قد تنخفض معها بعض العتبات، وتذوب الأقفال؛ فعرفه رفاق دربه أميناً مع نفسه ومعهم.
هو من الجيل الثاني في الصحافة المحلية، وعلى رأس قائمة جيل كتابة المقال الأدبي باحتراف عبر الصحافة، وعنده تمتزج القضايا اليومية بروح السخرية والحكمة.. فإلى جوار تحقيقاته الشهيرة كان مقاله وجهاً آخر للاحتراف و«الاحتراق» والبراعة وإشعال الشموع وليس لعن الظلام، وكثير منها كان مادة لإصداراته المستقلة؛ إذ قدم طيلة السنوات الفائتة أكثر من تسعة عشر إصداراً، لم تتحقق لها الحفاوة التي هي أهل لها، ولا الدارس الذي يتناولها ويستقرئ مكامن الجمال والاختلاف ويتداخل معها. ومن أشهر كتبه: السفر إلى عينيك، البكاء على وجه امرأة جميلة، القراءة من آخر السطر، قالت الغيمة.. قال القمر، رجل خارج النص، انقلاب رجل عادي، السياسة وتفاصيل الجسد الذي صدر قبل أيام وغيرها من الكتب.
وأمام ندرة الكتّاب الساخرين في صحافتنا المحلية يكتب علي خالد الغامدي فنه متقاطعاً مع التراث حيناً، ومستنداً إلى أوجاع المعاش مرة أخرى لمعالجة علل الراهن وجراحاته بابتسامات يغمرها الحزن، لا تتخذ الإضحاك سبيلاً للإلهاء وإضاعة الوقت، بل تمنح الذات قدرة على الصمود، وارتياد سبيل الأمل النادر الآن. وهو إلى جوار ذلك كتب كثيراً من حكايات الصحافة ويومياتها دون أن تقع مروياته في حدود الذات، والانتصارات الفردية، أو تصفية الحسابات مع من عمل إلى جوارهم، أو من «نغصوا» عليه رحلة العمر.. وقد نجح في ذلك كثيراً كما فعل في كتابة نصوص تصدق عليها أوصاف القصة القصيرة، وإن لم يسمها بذلك. وستبقى كتبه التسعة عشر علامة مختلفة في تاريخ كتابة المقال في المملكة، وإن تناساها أو نسيها كثيرون فالزمن هو المنصف أولاً وأخيراً!
[ad_2]
Source link