أدونيس لـ «عكاظ»: المملكة جديرةٌ بأن تلعب دَوراً عالمياً رياديّاً عظيماً – أخبار السعودية

أدونيس لـ «عكاظ»: المملكة جديرةٌ بأن تلعب دَوراً عالمياً رياديّاً عظيماً – أخبار السعودية

[ad_1]

منذ ستينيات القرن الفائت واسم أدونيس حاضرٌ بقوة في المشهد الثقافي والإبداعي، وتحديداً في سياق التجربة الشعرية، فهو من المؤسسين الأساسيين للحداثة العربية إن لم يكن عرابها.

ولكن تأثير أدونيس تجاوز سياق الشعر إلى الفكر، حيث يعتبر كتابه «الثابت والمتحول» من أهم الكتب الأولى في مساجلة التراث الفكري – الثقافي العربي.

ولهذا لم يكن أدونيس متجهاً إلى المستقبل بإنتاج الحاضر، بل قدم مشروعاً تأسيسياً في مدونة الشعرية العربية حين انتخب نصوصاً دالة في كتابه «ديوان الشعر العربي» وبرر نقدياً هذا الانتخاب والانتقاء في كتابه «مقدمة في الشعر العربي»..

هنا في هذا السجال نضيء رؤية أدونيس للعالم وللعرب وللشعر، فإلى نص الحوار:

• في هذا العالم الذي يمورُ بالتحولات.. في اعتقادك: أين يقفُ العربُ راهناً؟ هل لهم دور مهم؟ وكيف يمكن للعرب أن يضيفوا للعالم الذي يتشكل حالياً؟

•• ماذا تقصد هنا بكلمة دور؟

للعرب، أيّاً كان قصدُك، دورٌ. لكنّ «الدّور» يأخذ أهمّيّتَه من الأفق الذي يتحرّك فيه: معناه، ودلالته، وسِياقه – إنسانيّاً، وحضاريّاً. والدّور الذي يتميّز به الإنسان يتمثّلُ في الإبداع: تغييرُ العالم، في مستوياته وأبعاده كلّها، في اتّجاه الأفضل والأجمل والأكثر إنسانيّةً.

وقد قام العربُ بمثل هذا الدّور، ماضِياً، قليلاً أو كثيراً، بشكلٍ أو آخر، لأنّهم كانوا يؤسِّسون، ويَبنون، ويُبدِعون. يكاد العرب، اليوم، أن يبدوا جميعاً كأنّهم مجرّد أدواتٍ وآلاتٍ وخدمات. إضافةً إلى أنّ همومَهم الأولى تتمَحْوَر حول «نَفْيِ» بعضهم بعضاً.

والعالم هو الذي «يُضيفهم» إليه؛ لكي يستخدمهم، ويَستَثمرَهم، ويفتِّتَهم.

إنّهم اليوم «مائدة» يتنافس العالم حولها، وبها، وفيها. وليس للعرب هنا إلاّ «دورُ» الزَّهْو بهذه «الاستضافة»!

• كتاباتك الأخيرة في الحياة الصحيفة التي انتهت ثم فيما بعد في الشرق الأوسط تعمد للتعبير عبر الشذرات القصيرة، كأنما أنت تكتبُ نصوصاً مختزلة.. ما المستقبل للكتابة، للثقافة، للأدب، للإبداع؟ وهل تعتقد أن السياسة قد تضرّ بكل هذا الجمال؟

•• «الشرق الأوسط»؟ لم أكتبْ فيها أبداً إلاّ مقالةً واحدة، تلبِيَةً لطلبٍ خاصّ من رئاسة تحريرها، وهي جريدة مهمّة، أرجو أن تُواصِلَ صدورَها. غياب الصّحافة الورقيّة جزءٌ أساسٌ من داء الإعلام اليوم.

أمّا «الحياة» التي يُؤسَفُ كثيراً لغيابها، فلم يكن ما كتَبْتُهُ فيها «شذراتٍ»، بقدر ما كان «مقالات». و«الشّذرة» ليست اختزالاً، كما تُشير، وإنّما هي تكثيفٌ استبصاريٌّ.

وأحبُّ هنا أن أُذَكِّر بأنّ الشّذرةَ مُكَوِّنٌ أساسٌ في الكتابة الكلاسيكيّة العربيّة. وهي نوعٌ كتابيٌّ قائمٌ بذاتِه. وكنتُ أحلم أن أُضيفَ إلى موسوعة «ديوان الشّعر العربيّ»، ديوان «الشّذرة العربيّة»، بعد أن انتهَيت من «ديوان النّثر العربيّ».

الكتابةُ الخلاّقة هي الكتابة المفتوحة على جميع الأشكال. ولا نهايةَ للشَّكْل. لأنّ الشّكلَ الفنّيَّ – الأدبيّ ليس إناءً مصنوعاً مُسَبَّقاً. الشاعر يُبدِعُ أشكالَه فيما يُبدِعُ كتابتَه. الشّكل هو دائماً إبداع.

حتى الأشكال الجاهزة المُسَبَّقة، ماضِياً، كان يخترقها الشعراء الكبار.

مثلاً لو درستَ «البحرَ الطّويل» كما استخدَمَه امرؤُ القيس، وكما استخدمَه المُتَنَبّي ــ لو درستَه بنيةً، وموسيقى، وعلاقاتٍ فيما بين الكلمات وما قبلها وما بعدها، وبين الكلمات والأشياء، لرأيتَ أنّ هذا البحرَ الواحد ليس نفسَه، ليس هُوَ هُوَ، عند الشّاعِرَين.

أمّا السّياسة، يا عزيزي، فللبحثِ فيها شأنٌ آخر. وقُلْ لي: ما سياسةُ العرب؟ وما السّياسةُ عندهم ــ أفراداً، وجماعات؟ وما مكان الثّقافة في هذه السّياسة؟

تَهَيَّأْ: هل أقول لك تهَيَّأْ لحديثٍ آخر حول السّياسة والثّقافة عند العرب؟

سياسة العرب، أفراداً وجماعات، «تَعذيبٌ» مُتَواصِل حتّى للٌّغة نفسِها.

• أنت ضدّ جماهيرية كل مبدع.. يا ترى لماذا؟ هل لأنك تفقد الجمهور تقول كل هذا؟

•• سؤالكَ هذا تَقويلٌ. أو هو تأويلٌ خاطئ. هل سمعتَني مرّةً أُنكِر جماهيرية شكسبير؟

الذين لا يعرفون أن يقرأوا شكسبير هم الذين يمثّلون جماهيريّة الشاعر العربيّ. علماً أنّني أفضّل أن أقول قرّاء للشاعر، وجمهور لرجل السياسة، أو رجل الدّين.

كيف يمكن أن نعدّ بين جمهور الشعر شخصاً لا يعرف أن يقرأ قصيدةً بلغته الأمّ قراءةً صحيحة؟ جمهور الشعراء العرب يتكوَّن من أمثال هذا الشّخص. والجمهور سياسة أوّلاً، وهو إذاً لا يقرأ فنَّ الشاعر. وإنّما يقرأ سياسته -وهو إذاً، سلَفاً لا يعرف أن يقرأ الشعر. أجملُ ما كتبَه الرّاحل، الصّديقُ الكبير- نزار قبّاني، لا يعرفه جمهورُه. كنت أقول له ذلك. وكان يقول: نعم، ضاحِكاً.

• كيف ترى واقع الشعر اليوم، وما موقع الشعر العربي من خارطة الشعر العالمي؟

•• ليس للشعر مكانه اللائق الحقيقيّ عند العرب اليوم، علماً أنّه يمثِّل، مع الفنّ التّشكيليّ والفنّ الرّوائيّ، ذروة الإبداع الثّقافيّ العربيّ.

لا تزال المؤسَّسة الثّقافيّة التّقليديّة سائدةً ومُهَيمِنة. وهي التي تَحول حتّى الآن دون أن يصبح الإبداعُ بعداً تكوينيّاً من أبعاد الحياة العربيّة.

«كلُّ خَلاّقٍ مارِقٌ»: تلك هي عقيدةُ هذه المؤسّسَة. إذا لم تتغَيَّر هذه المُؤَسَسة، سيظلّ الإبداعُ العربيّ فردِيّاً، مُبعْثَراً، ضائعاً – ولن يدخل في بنية الحياة العربيّة عُضوِيّاً، أو في بنية الثّقافة ذاتها (مدرسةً، وجامعةً…إلخ).

هكذا نرى شعراء وفنّانين وروائيين عرَباً يشكّلون جزءاً أساسيّاً في المحيط الثّقافيّ العالميّ، بينما لا يشكّلون في بلدانهم إلاّ «تَمَوّجاتٍ» محدودة، وإلاّ أضواء تحاصرها العتمة من جميع الجهات.

• للمملكة العربية السعودية مكانة خاصة في أحاديثك مع أصدقائك، كيف ترى التحولات التي تعيشها المملكة؟

•• المملكة قارّة وتكاد أن تكون «بِكراً» حتى الآن، من حيث ثرواتها، وطاقاتها، وآفاقها، المادّيّة والبشريّة.

وإذا أضَفنا إلى هذا كلِّه جغرافيتها التّاريخيّة الحضاريّة، وعلى الأخصّ الدينيّة، وعلاقاتها بالعالم القديم، فمن الممكن القول إنّها جديرةٌ بأن تلعب دَوراً رياديّاً عظيماً، لا في محيطها العربيّ، وحده، وإنّما في العالم كلّه.

وهذا هو التّحَدّي الذي يواجِهُها اليوم: ينبغي على العرب أن يكونوا في مَوقِع الرّيادة، لا في مَوقِع التّبَعيّة. والمفتاحُ الأساس الأوّل لهذا كلّه يتمثَّل في الحرّيّة.

ينبغي عليهم، بتعبيرٍ بسيطٍ آخر، أن يكونوا شُرَكاءَ في بناء العالم، وليسوا تابعين للآخرين الذين يَبْنونَه على هواهُم، ووِفقاً لمصالحهم.

• هل المواطن العربي غير حر؟ وهل المجتمع العربي ضد الحرية؟ وهل الفكر العربي حليف الاستبداد؟

•• مِعيارُ الحرّيّة في المجتمع هو القدرة على أن يقولَ الإنسان، دون أيّ عائق، كلَّ ما يشغله، خصوصاً في كلّ ما يتعلَّق بالقضايا الوجوديّة والمَصيريّة. إذا لم يكُن قادِراً على ذلك، فإنّه يعيش كأنّه شيءٌ بين الأشياء، أو كأنّه مجرّد اسم، أو مجرّد آلة.

وهذه القدرة موجودةٌ عند معظم الأفراد في معظم المجتمعات الإنسانيّة.

فهل هي موجودةٌ عند العرب؟

الجميع يعرفون الجواب، ويعيشونه. والمُشكِلةُ الكُبرى هي أنّهم لا يعملون للخلاص منها، بل إنّ معظمَهم يحارب العاملين!

مشكلةُ الحرّيّة هي أوّلاً في الإنسان ذاته.

ومشكلةُ الإنسان الأولى هي الحرّيّة.

هل هذا «الغموض» واضِح؟

• رغم مرور العقود ما زال «ديوان الشعر العربي» حاضراً في الذاكرة الثقافية، كيف تولدت فكرة هذا المشروع الفخم والضخم؟

•• كان ذلك جزءاً من مشروعي الثّقافيّ: إعادة النّظر، جذريّاً، وعلى نَحْوٍ شامِلٍ، في الثّقافة التي أنتمي إليها. ومن ثَمَّ، في ضوء ذلك، كتابة تاريخ جديد، بنظرةٍ جديدةٍ للإبداع العربيّ؛ في فراداته، وتَعَدُّدِيّته، ووحدته، وكشوفاته المَعرفيّة والإنسانيّة.

• ما علاقتك بالرواية قارئاً وناقداً؟ وما الرواية الأبهى في ذائقتك؟

•• الرّوايةُ فنٌّ عظيم، بوَصْفِها رؤيةً خاصّةً وفريدةً لِنثْر العالم. وهذا ما يجعلني أكثرَ مَيلاً لقراءة الرّواية – القصيدة، (دوستويفسكي، تمثيلاً لا حَصْراً) حيث يكون الزّمَنُ نفسُه عمودِيّاً.

لا أحبُّ الرّواية السّرديّة الحِكائيّة. الزّمنُ فيها رَخْوٌ، والكتابةُ إعادةُ إنتاج.

• ديوانك «كتاب الحصار» جاء مفارقاً لتجربتك الشعرية، هل أجواء الحرب تغير كل شيء؟

•• لا أوافقك على هذا الرّأي.

«كتاب الحِصار» هو في قلب تجربتي الشّعريّة والفكريّة.

• من هو المثقف النموذجي في مفهومك للمثقف؟

•• ليس هناك مثقَّفٌ «نموذج».

كلُّ إنسانٍ نموذجُ نفسِه، فبالأحرى أن يكون كذلك إذا كان مُبدِعاً.

• علاقتك بصلاح ستيتيه بعيداً عن الترجمة إلى أي مدى تراها تمتد؟

•• كان صلاح ستيتيّة مُثَقَّفاً كبيراً، وكان يُتقِنُ الفرنسيّة كأنّه أحدُ أبنائها الخلاّقين.

كنّا صديقَين -يجمعنا الاختلاف، كما كان يجمعنا التّآلُف. وربّما على نَحْوٍ أعمق.

• من المفكر الأهم الآن والعالم يشتعل والفضاءات تتسع حد الضيق؟

•• بالنّسبة إلَيَّ، هناك شخصان يبقَيان مُعاصِرَين: نيتشه (الذي يقرؤه بإعجابٍ حتّى أولئك الذين نَقَدَ أفكارَهم وثقافتَهم، ومن ضمنها الدّين).

والمعرّي، (الذي أعُدُّهُ بين الشعراء الكَونيين العِظام، والذي لا يقرؤه حتّى أبناء جلدته).

الباقون كلُّهم، في معظمهم تنويعاتٌ على أفكار هذين العظيمَيْن، وعلى رؤاهم واستِبْصاراتِهم.

• ما قولك في مستوى وعن مستقبل الكتب والمطبوعات الورقية أمام اتساع مجال النشر الإلكتروني؟

•• سيزداد النّشرُ الإلكترونيّ اتّساعاً. ولذلك، ربّما ستزداد الثّقافة، بمعناها العميق، ضيقاً. النّشر الإلكترونيّ إعلامٌ سريع، يزيد الجاهلَ جهلاً. في كلّ حالٍ، لا غِنى عن الطِّباعة الورقيّة. لكن تجِبُ إعادةُ النّظَر فيها -وضعاً، ومستوىً، وهدَفاً.

النّشر الإلكترونيّ مُنْعَطَفٌ يؤسِّس لعلاقاتٍ جديدة بين اللغة والعالَم، وبين الإنسان واللغة، وبين الإنسان والإنسان. إنّه إعصارٌ جديدٌ في فضاء الثّقافة.

• مستقبل الثقافة العربية.. كيف تراه من خلال الراهن المشهود؟

•• ليس للثقافة العربيّة حاضِرٌ، بالمعنى العميق الخلاّق، الحرّ. فكيف يكون لها مستقبلٌ خارجَ النّقل والتّبعيّة؛ داخلاً، وخارجاً؟

وانظُرْ إليها اليوم: إنّها ظاهرةٌ اجتماعيّة -سياسيّة- بسيكولوجيّة، وليست ظاهرةَ بَحثٍ، وتساؤلٍ، واستِقصاء، ومغامرات، ومشروعات.

والمؤسَّساتُ الثّقافيّةُ الرّاهِنة -مدارسَ وجامعات…إلخ، ليس لها من الثّقافة إلا اسمها.

ليس لدى العرب، من المحيط إلى الخليج، على سبيل المثال، جامعة واحدة ذات مستوى كونيّ.

ويقرأ العرب كلُّهم أقلَّ ممّا يقرأ الشعب اليونانيّ الذي لا يبلغ عدده نصف عدد سكّان القاهرة، وحدها.

وماذا تكون ثقافةُ شعبٍ لا يقرأ؟ وماذا يكون مستقبله؟

نأمل أن يعكفَ العربُ على قراءة كتابهم المُقَدَس على الأقلّ، والتّأمُّل فيه، لا أن يكتفوا بالسّماع لبعض آياته مرتَّلَةً! أو لبعضها، كما يفسِّرها شيوخُهم الفطاحِلُ في علوم السّماء، وفي علوم الطّبيعة وما وراءها.

• انتشار الأدب المترجم تركياً وصينياً وشرقياً وغربياً.. ما تقديرك لمستوى انتشار الأدب العربي المترجم إلى مواطن اللغات الوافدة على عقل المثقف والقارئ العربي؟

•• لا بأس، الآن، في حركة التّرجمة من العربيّة، شعراً وروايةً، إلى اللغات الأخرى. ولا بأسَ في استقبالها في البلدان التي تترجِمُها.

ويا ليت وزارات الثّقافة في البلدان العربية تتابِع هذه الحركة، وتشجِّع دورَ النّشر الأجنبيّة التي تُعنى بترجمة الآداب العربيّة، فتدعمها ماليّاً، وتساعدها بالطُّرُق اللازمة في دَعم الكتب التي تنشرها، وتعمل على ترجمتها.

• من زمن الرواية إلى زمن القص.. هل يعني هذا أن النثر هو صوت القرن الجديد؟

•• ليس هناك زمن للرّواية وزمن للشّعر أو لغيره.

الزّمن كلُّه للإبداع؛ شعراً وفَنّاً وروايةً وكتابةً في مختلف الميادين.

آه من الموضة، والتّجارة، ومن الدّعاية البائسة!

• بعد رواج عدد من النظريات في العقود الماضية بدأ صوت النظرية يتراجع.. هل هذه حالة عالمية أم ظاهرة عربية؟

•• تَقَدُّمُ التّقنية، في مختلف وجوهها وأبعادها أدّى، موضوعيّاً، إلى انحسار الثّقافة السّابقة السّائدة، إشكالاتٍ، ومفهوماتٍ، وآفاقاً. وهذا ما أدّى إلى قطيعةٍ موضوعيّة مع معظم أطروحاتها النّظريّة، وإلى البحث عن أطروحاتٍ فكريّة وفلسفيّة أخرى تحلُّ محَلَّ القديم الذي استنفَدَ أغراضَه، وتَخَطّاه التّقدُّمُ التّقنيّ.

نحن إذاً (أعني العالم) أمام ولادة جديدة لثقافةٍ جديدة، تُواجِهُ المُشكلاتِ الجديدة التي أدّت إليها التّقنية.

نحن العرب خارج هذا كلّه، طبعاً. مُهِمَّتُنا هي «النّقل».

• هل نستطيع القول إن مشروع التنوير العربي عجز عن تكوين رأي عام مؤثر اجتماعياً؟

•• مشروع التّنوير العربيّ؟ أين هو؟ متى نَشأ؟ كيف، وما هو؟

هذا الذي تتحدّث عنه كان مشروعاً لإحياء «الميت»!

• ما رأيك في الجوائز العربية؟ وهل أنصفت المبدع العربي؟

•• الجوائز، رمزيّاً، على الأقلّ، مهمّة جدّاً. بعضُها، وهو قليل جدّاً، كان جيِّداً. وما تبقّى كان اسْتِنْساباً تقودُه السّياسة وأغراضٌ لا علاقةَ لها بالإبداع.

لا يزال الإبداع، بالمعنى العميق، مُهَمَّشاً عند العرب، كما كان مُهَمَّشاً في الماضي، أو مَلْعوناً.

• أخيراً ما المشروع الذي يطمح أدونيس لإنجازه؟

•• أرجو أن أتمكَّن في السّنوات الباقية من الحياة، من تحقيق أمرين:

الأوّل هو إكمالُ القراءة التي قمتُ بها للتّراث العربيّ الأدبيّ، الشعريّ، على الأخَصّ، والذي يتمثّل، بعد «ديوان الشعر العربيّ» و«ديوان النّثر العربيّ»، بديوان «الشّذرة العربيّة»، والثّاني، هو إكمال سيرتي الذّاتيّة التي ستكون نوعاً من ديوان حياتي الخاصّة، في محيط الثّقافة العربية، وأمواج الثّقافة الكونيّة.

إضاءات أدونيسية

– أ –

هوية القارئ العربي

إذا لم يكن القارئ العربيّ يمتلك حِسَّ الفروقات لكي يعرف الفرقَ في الدّرجة بين شاعرٍ وآخر، ومُفَكِّرٍ وآخر، وروائيٍّ وآخر، ويعرف كيف يُمَيِّز، ويحَدِّد، ويروز، ويستقصي، فماذا تعني ثقافتُهُ، وماذا يُجدي أن يكون رقَماً، مجرّد رقَمٍ في جمهورٍ لا هويَّةَ له، جمهورٍ كَمِّيٍّ وتِراكُميّ يقف عند حدودٍ بائسةٍ: «يهجو» هذا الشاعر، أو يمدحه، بشكلٍ أو آخر، كمثْلِ ما هو سائدٌ في الوضع الثّقافيّ العربيّ السّائد؟

– ب –

العصامية التابعة

إذا كنّا نفتقِد في القرّاء العربِ العصاميّةَ، وجهدَ الثّقافة، والمُثاقَفَة، ومعرفةَ المُبدِعين في إبداعاتِهم الكبيرة، المُتَنَوِّعة في مختلف الميادين، الفنّيّة والفكريّة والأدبيّة، ماضِياً وحاضِراً، ويتابِعون حياتَهم خاضِعين للمُسَبّقات والأحكام الجاهزة، وللمَذهبيّات والإيديولوجيّات، فما تكون جَدْوى تقويماتهم، سلباً وإيجاباً، وما تكون أهَمِّيتُهم في فهم الإبداع أو في الوَعْيِ الثّقافيّ، بعامّة؟

– ج –

فكر الغرب ونقيضهينهضُ الغربُ الأمريكيّ – الأوروبيّ على ثلاثة أُسُس:

أ – الوحدة الاقتصادية والعسكرية.

ب – التَّناغُم والتّآلُف بين أنظمته ومؤسّساته.

ج – التّعاوُن الكامل للقضاء على كلّ ما يحولُ دون هَيمَنَتِهِ على العالم.

لكنّه يفرض على العالم الإسلاميّ العربيّ أن «ينهضَ» على أُسُسٍ ثلاثة أيضاً، هي التّالية:

أ – الانفصال الاقتصاديّ والعسكريّ.

ب – الاختلاف والتّباعُد والتّنافُر على جميع الصُّعُد، وبخاصّةٍ السّياسيّة والاقتصاديّة.

ج – العمل بمختلف الأشكال على تفكيك المجتمعات في هذا العالَم، إتنيّاً ودينيّاً، سياسيّاً واجتماعيّاً، وإبقائها في حالةٍ دائمةٍ من الحروب المُتًنًوّعة التي لا تؤدّي إلاّ إلى مَزيدٍ من الفقر والجهل والمَرَض والبطالة والتّشَرُّد.

فهذا الغربُ «الصّديق» ليس في الواقع إلاّ أوركسترا تدميريّة للعالم الإسلاميّ – العربيّ.

وأين، إذاً، دورُ الكتابة والقراءة في هذا العالم؟ – د – تشظي العربتتأسّس علاقات العربيّ بالغرب (وغيره) على المَقولة الفلسفية التي أطلقَت على فيلسوف «كافِرٍ» هو أرسطو، اسمَ «المعلِّم الأوّل». وهذه هي الظّاهرة الأولى التي تُجسِّد العلاقة بين «الذّات» و «الآخر» المُختَلِف، انطلاقاً من النّظر الفلسفيّ العربيّ إلى الإنسان. وهو نَظَرٌ أسّسَت له الفلسفة العربيّة، وأفصحَت عنه بلسان ابنِ رُشْد في تأكيده على أنّ الدّينَ، وحدَه، لا يكفي لتفسير العالم، أو فَهمِ الكَون. وأنّه تِبعاً لذلك، لا بدَّ من الاستعانة بالعقل الذي يمثّلُه «الكُفْرُ» (اليونانيّ، آنذاك).

أفَلا يصحُّ، إذاً، في هذا الضّوء التّاريخيّ الخلاّق، أن نقولَ إنّ «الآخرَ» المُختَلِف، أيّاً كان، عُنصُرٌ من عناصِر تكوينِ «الذّات» الإسلاميّةِ العربيّة؟ وأنّ هذه بدورها هي التي أسَّسَت لهذا التّكوين؟

لماذا، إذاً، ينقض العربيّ هذه الذّاتيّة الأصليّة ولا يَرقى في علاقاته اليوم مع غيره – الآخر، إلى ذلك المُستَوى الإنسانيّ العظيم؟ ولماذا يقبل بأن يكونَ تابِعاً لغيره على نَحوٍ كامل، وعلى جميعِ الصُّعُد؟ – هـ –

الشعر أرحب الشّعرُ والعلمُ هما معاً جوهرُ الثّقافة في هذا القرن. فلماذا لا تزال المؤسَّسات العربيّة الحديثة تختَزِلُ الشّعرَ في «المدح» و «الهجاء»:

مَدْحُ الصّديق، وهجاءُ العَدوّ؟ ولماذا لا ترى من العلم إلاّ المُنتَجات التّقنيّة، وتكتفي باستيرادها واستهلاكها؟

كأنّ هذه المؤسّسات لا تُعلِّمُ إلاّ العبوديّة، وكأنّها نَقيضٌ للتّقدُّم، وكأنّها تَحُولُ دون أن يُشاركَ المسلمون العربُ في بناء بلدانهم، وفي بناء العالَم.

وهكذا يتصنّعُ أو يُصَنَّعُ العالمُ الإسلاميّ العربيّ، دون عِلمٍ ودون صناعةٍ، وهكذا يصبح رُكاماً من المَصنوعات، لكن دون معرفةٍ خلاّقة.

– و – غياب وتغييب الضفة الشرقية الضفّةُ الشّرقيّة من البحر المتوسِّط، من أنطاكية إلى طنجة والجزائر هي حضارياً ضفّةُ العالم الإسلاميّ العربيّ، منذ ابتكارِ الأبجديّة في أوغاريت – سوريا، وصولاً إلى غرناطة قرطبة.

لماذا يقبل هذا العالمُ اليوم أن يكون «غائباً» في بيتِهِ ذاتِهِ، وأن تتحوّل هذه الضفّة – البيت إلى أسْيِجةٍ وخنادِقَ وقلاعٍ وجيوشٍ لأطماع الغرب وتَوَحُّشِه الاستعماريّ، بحيث يبدو العالم الإسلاميُّ العربيّ كأنّه مجرّدُ فضاءٍ استراتيجيّ مفتوح لثكنةٍ بلا حدود للهَيمَنة الغربيّة، وأهْوائها، وعِدائها للإنسانِ، سيادةً، وحقوقاً وحرّيّات.



[ad_2]

Source link

Leave a Reply