قصة ملهمة لممرضة سعودية بالقنفذة.. حادثة مؤلمة رسمت لها طريق النج

قصة ملهمة لممرضة سعودية بالقنفذة.. حادثة مؤلمة رسمت لها طريق النج

[ad_1]

روت لـ”سبق” كيف غيَّرت التجربة مجرى حياتها حتى أطلقت مبادرة 1000 منقذ

الممارسون الصحيون لهم قصص ملهمة وأحداث متنوعة في حياتهم المهنية، منها التضحية والقصص الإنسانية، والأحداث المختلفة التي مروا بها وعاشوا تفاصيلها. هنا “حليمة عوض المقعدي”، أخصائية تمريض بصحة القنفذة، تذكر قصة ملهمة لها، وتجربة قادتها إلى أن تتحدى ذاتها، وتصر على أن تكون عنصرًا مؤثرًا وفعالاً بالمجتمع بعد حضورها حادثة غرق، غيَّرت مجرى الحياة لديها.

وتفصيلاً، روت “المقعدي” قصتها لـ”سبق” قائلة: بداية كنت أدرس وأعمل بجامعة الباحة للعلوم التطبيقية، وحصلت على تقدير ممتاز مع مرتبة الشرف. عدت إلى محافظتي الغالية القنفذة، وعملت فترة شهرين بالطوارئ، ثم إدارة التمريض بالجودة التمريضية، وانتقلت إلى قسم الإحصاء، ثم تم نقلي إلى مركز السكر. سلسلة من الأقسام خلال أقل من سنة. عملت بصمت وبأمانة، ولكن كانت رؤيتي المستقبلية تفوق عنان السماء. تم نقلي إلى إدارة الشؤون الأكاديمية والتدريب في عام ١٤٣٩ هـ، ومن هنا بدأت مسيرتي مع فريق عمل مميز وزملاء مميزين بالإدارة، همهم التميز وخدمة الممارسين الصحيين، وتقديم أفضل الإمكانات لهم في أماكن وجودهم.

وتابعت المقعدي حديثها: بحمد الله نشأت في عائلة متعلمة مشجعة، زرعت فينا الصدق والأمانة وعمل الخير، وحياتهم اليومية مبنية على أهداف مرتبة، وتسير وفق خطط وتنظيم. وتذكر المقعدي أنه كان لديها أهداف عند انتقالها للتدريب أن تصبح إدارة التدريب ومركز المهارات الفنية أحد منافسي مراكز السعودية (ابتداء من الصفر).. قائلة: أصررنا أنا وزملائي، بدعم مديري صحة القنفذة، على أن يكون هذا المركز منافسًا لمراكز المملكة العربية السعودية، ويضم اعتمادات عدة، والبرامج التي تخدم منسوبي صحة القنفذة؛ لتسهل عليهم معاناة البحث والسفر والتنقل.

وهنا تعود المقعدي لتوضح قصتها التي كانت نقطة تحول في مهنتها، وهي أنه عام ٢٠١٨، في شهر يونيو تحديدًا، وقعت حادثة غيَّرت مجرى حياتها العملية، وكانت نقطة تحول، وبداية تحدي جديد لها، وذلك بوفاة حالة حرجة بحادثة غرق أمام عينَيْها، مشيرة إلى أنها أقسمت حين وقوعها، وقطعت وعدًا على نفسها وأمام أهلها ووالدة الشهداء، وقبل ذلك أمام الله سبحانه وتعالى، أن تكون مدرَّبة، وتسعى إلى أن تكون سفيرة الإسعافات الأولية والإنعاش القلبي الرئوي.

وقالت: نعم، قصتي حقيقية، عشت جميع تفاصيلها المؤلمة الحزينة، ولكن رسمت لي طريقًا نحو النجاح بالأمل وبالتفاؤل وبالطموح والشغف. هذه القصة اكتشفت بها الجانب الآخر من شخصيتي ورؤيتي ورسالتي.. الحادثة صنعت مني شخصية أكثر إصرارًا نحو الهدف السامي النبيل في أهمية نشر الإسعافات والإنعاش القلبي الرئوي التي هي غاية ومطلب أساسي لجميع أبناء وبنات الوطن الغالي، ولا يحتكر ولا يقتصر ذلك على المتعلم والجامعي والبروفيسور، بل كل أفراد المجتمع لهم حق بالمعرفة والوعي وإنقاذ الحياة. ومنذ ذلك وأنا أفكر في إطلاق (مبادرة ١٠٠٠ منقذ) تشجيعًا؛ ليستمر العطاء. وبفضل الله – عز وجل – وصلت اليوم لأكثر من 10.000 مُدرك ومُلمّ بالإسعافات الأولية. كل ذلك جاء بفضل الله، ثم بفضل مجهودات زملائي بإدارة الشؤون الأكاديمية والتدريب.

وأبانت المقعدي أنها كُرِّمت بجائزة مسرح الإبداع للقصص الملهمة والنجاحات بصحة القنفذة عام ٢٠١٩م من مدير الشؤون الصحية الدكتور أحمد العمري نظير مبادرتها والتجربة التي عاشتها.

وتواصل “حليمة” حديثها حول المواقف العديدة التي تعرضت لها إبان التحاقها بالصحة قائلة: أربعة مواقف لن أنساها أو تغيب عن ناظري، كالقصة التي فعلاً كما ذكرت سابقًا أنها غيرت مجرى حياتي المهنية. الموقف الأول بدايته لحظة وصولي لمقر حادثة لتجمع غفير وأصوات بكاء حول سيارة وانيت غمارتين في صندوقها الخلفي. أربع أرجل موقف لا أستطيع نسيانه. تمالكت نفسي، ولحقت بالسيارة. لحظة صعودهم سيارة الإسعاف أوقفت السيارة، وفُتح الباب فصُدمت بوجود طفلين باللون نفسه (أزرق)، ومواصفات الجسم والطول والملامح والهيئة، فأجزمت وقتها بأنهم توأم. ويأتي هنا الموقف الحقيقي الذي لن يفارق مخيلتي، وهناك تساؤلات بيني وبين نفسي، ماذا حصل؟! لأُفاجَأ بسؤال المسعف: مَن أنت؟ أختهم؟ تقربي لهم؟ جوابي كان وقتها لا! أنا ممرضة، اسمح لي بأن أدخل وأسعف! ونظرت فيه بنظرات يسودها الحزن والقوة وتقديم المساعدة: أنت واحد، وهما اثنان، أنت تعامل مع حالة، وأنا مع الأخرى. المسعف: اصعدي. وقلت للمسعف ساعتها: ربي معنا، لا تقلق.

وواصلت: حينها دعوت الله سبحانه الثبات والصبر والقوة لتحمُّل الموقف الصعب، ومن هنا بدأت سلسلة إنقاذ الحياة (جس النبض لا يوجد، علامات تنفس لا توجد، برودة الجسم أزرق اللون)، ولكن لم أفقد الأمل، فبدأت بالضغط الصدري ونفسين، وأتذكر أول نفسَين كانا بكمية من الماء؛ فأحسست بهما من فم الطفل، واستمررت بدون توقف، وفي كل مرة أدعو الله وأقول “ياااااارب، يااااااارب” الإسعاف مسرع، ولكن استمررت بالعمل لإنقاذ روح الطفل، وناولني المسعف عدة التنفس وعدة القلب بدون توقف، إلى أن فُتح باب الإسعاف، وتم نقلهما إلى غرفة الإنعاش بالمستشفى.

وفي الموقف الثاني لهذه القصة لحظة خروج المسعف من غرفة الإنعاش بعدما يقارب ٢٠ دقيقة وأنا في الأرض، أسمع الخطوات وجهاز الصدمات وزحمة الناس. لحظات صعبة، لحظات الانتظار. اتجهت خلف المسعف، سألته بكل عفوية: “لو سمحت تكفى طمني ماذا صار؟ قول لي أي شيء حياة أو موت أي شيء”. نظر إليّ وقال: “الله يجزيك خيرًا، والله إن الولد الذي تعاملتِ مع حالته رجع له النبض وعاش، عاش”. انهرتُ عند باب المدخل الرئيسي، ما أدري، واختلجت مشاعري، ولم أفهم هل هي فرح أم حزن، ولكن على الأقل هون علي عدم فقد أسرتهم لكليهما. الحمد لله.

وتابعت: الموقف الثالث للقصة نفسها، الذي هزَّ كياني، هو لحظة تلقي خبر وفاة الطفل الذي قمت بإنقاذه بعد أن عاش ٢٤ ساعة من دخوله المستشفى. الساعة تقريبًا الثامنة صباحًا يوم الأحد. انهرت باكية في المكتب، وذهبت إلى مدير الإدارة في هذه اللحظة، وطالبته بتصدير تعميم لجميع الجهات الحكومية والقطاع الخاص لنشر ثقافة الإسعافات والإنعاش القلبي الرئوي والتدريب عليه، وفعلاً صدر التعميم، وتم توجيهه إلى إدارة العلاقات العامة والإعلام بصحة القنفذة، وبدأ المشوار؛ لأن الثواني تفرق في إنقاذ حياة مريض بعد قدرة الله، وجميعها أسباب.

وزادت: الموقف الرابع (الأخير) موقف مقرَّب إلى قلبي لحظة التعارف على والدة الشهيدين -رحمهما الله- مصادفة في إحدى الدورات التي قدمتها، حينما أوقفتني إحدى المعلمات المتدربات أثناء ذكري بعض تفاصيل القصة، والهدف من ذكر القصة للمتدربات كان إيصال رسائل عدة، أولاً: الدعاء للشهداء بالرحمة والمغفرة، وثانيًا: الدعاء لهذه الأم العظيمة في هذا الموقف بالصبر والأجر والاحتساب، وثالثًا: أن يستشعر الناس أهمية الإسعافات الأولية والإنعاش القلبي الرئوي، وأن الثواني الأولى مهمة في حياة أي شخص مصاب؛ إذ ذكرت لي المعلمة المتدربة في سؤال تم توجيهه لي: هل أنت التي كنت موجودة في الإسعاف ومكان الحادثة أثناء غرق الطفلين؟ وأن أهلي قاموا بمساعدتهما؟ أصابني الذهول والخوف من هذا السؤال؟ قلت: نعم أنا! قالت لي: تعلمين أن أم الشهيدين هي بنت خالي، وأنها تبحث عنك، وتدعو لك أنت وأهلك بالرزق والأجر والتوفيق، ولم تنسَ الدعاء لك. وعادت المقعدي قائلة: داهمني في نفسي شعور وقتها وكأني ملكتُ الكون كله حينما تركت إثرًا إيجابيًّا في نفوس تلك الأسرة المكلومة.

وأكملت “المقعدي” بأن تلك المعلمة المتدربة أكدت لها أن الأم تريد التواصل معها؛ لأقوم بتزويدها برقم هاتفي. وجاء يوم من الأيام، وتواصلت فعلاً معي الأم، وأول كلمة سمعتها منها: أنا ما نسيتك، ما نسيتك (كررتها)، ولا نسيت الذي صار. استودعتك الله ربي يحفظك ويوفقك ويرزقك. هنا فعلاً عرفت أنها أم عظيمة ومحتسبة. التجمع والجمهور كان ما يقارب الـ١٠٠ شخص وقت حصول الحادثة، ولكن للأسف ليس منهم مَن يعلم كيفية طلب المساعدة، وكيفية الإنقاذ! موقف مؤلم ومؤسف بسبب قلة الوعي بمهارات بسيطة كفيلة بأن تنقذ حياة الناس.

واختتمت حليمة المقعدي كلامها بأن لديها جانبين، جانبًا عمليًّا مهنيًّا بحتًا، يسعى لتطوير الكادر الصحي والإداري بالمنطقة وخارجها، والجانب الآخر الإنساني التطوعي لخدمة مجتمعها، وأن طموحها يتمثل برسالة ولي العهد -حفظه الله- لنا نحن السعوديين، الرسالة التشجيعية والتحفيزية بأن طموحنا عنان السماء، وأنها تسعى جاهدة إلى أن يكون الأثر ملهمًا، وأن تصبح ذات يوم قدوة وأسوة حسنة لمن حولها (الحياة تجارب ومحطات، هناك المحفزون والداعمون، وهناك المنتقدون والمحبطون المثبطون، جميعهم يدفعك للأمام، لا تنتظر أن يمسك يدك أحد، أثبت وجودك ومكانتك بالشغف والطموح والاجتهاد، ومن ثم ستجد من يهديك الثقة، ويدفعك نحو القمة).

وفي كلمة أخيرة قالت “المقعدي”: “الحمد لله على جميع النعم، ما صدر منها وما بطن. وصولي اليوم كان توفيقًا من الله سبحانه وتعالى، ثم دعاء أعظم من رأت عيني والأقرب إلى قلبي (أمي، أبي، عائلتي)، عزوتي ومصدر الأمان، ثم الصبر والرضا والقناعة بما قسمه الله لي من الرزق. اليوم لستُ كما كنت.. وحتى تصل إلى النجاح لا بد من العثرات والمطبات والدموع والألم والسهر، وأعظمها التضحيات. اتخذت الأمانة والصدق والكفاح وخدمة الناس والاستمتاع بمساعدتهم وقودًا حتى أكمل المسيرة. نعم، لست كاملة، ولكن أسعى لطموحي بأن أكون سفيرة للنوايا الحسنة والإنسانية، وأن أكون ذات يوم مصدر إلهام ودعم لجميع الشباب والشابات الطموحين والشغوفين حتى ينهضوا بهذا الوطن، محظوظة بدعم مدير صحة القنفذة الدكتور أحمد مديني العمري، والمساعد للموارد البشرية الأخصائي محمد السريحي، ومدير إدارة التدريب والشؤون الأكاديمية الأخصائي حامد باسودان، محظوظة بفريق العمل الجنود من إخواني وأخواتي منسوبي إدارة الشؤون الأكاديمية والتدريب بصحة القنفذة، الذين نهضوا بهذه الإدارة، وحوَّلوا مفهومها للإرادة. أفتخر بما قدمت وسأقدم.

واختتمت: في عام ٢٠١٩ بعد الحادثة بعام أفتخر بحصولي على رخص مدرب في إنعاش قلبي رئوي وإسعافات أولية، ومنقذ قلب معتمدة من جمعية القلب الأمريكية، ومدربة في وقف النزيف وكيفية التحكم فيه Bleeding control معتمدة من كلية الجراحين الأمريكية ومركز الإصابات بالحرس الوطني بالرياض، ومدربة مدربين TOT معتمدة من المؤسسة العامة للتدريب المهني والتقني.




قصة ملهمة لممرضة سعودية بالقنفذة.. حادثة مؤلمة رسمت لها طريق النجاح والطموح


سبق

الممارسون الصحيون لهم قصص ملهمة وأحداث متنوعة في حياتهم المهنية، منها التضحية والقصص الإنسانية، والأحداث المختلفة التي مروا بها وعاشوا تفاصيلها. هنا “حليمة عوض المقعدي”، أخصائية تمريض بصحة القنفذة، تذكر قصة ملهمة لها، وتجربة قادتها إلى أن تتحدى ذاتها، وتصر على أن تكون عنصرًا مؤثرًا وفعالاً بالمجتمع بعد حضورها حادثة غرق، غيَّرت مجرى الحياة لديها.

وتفصيلاً، روت “المقعدي” قصتها لـ”سبق” قائلة: بداية كنت أدرس وأعمل بجامعة الباحة للعلوم التطبيقية، وحصلت على تقدير ممتاز مع مرتبة الشرف. عدت إلى محافظتي الغالية القنفذة، وعملت فترة شهرين بالطوارئ، ثم إدارة التمريض بالجودة التمريضية، وانتقلت إلى قسم الإحصاء، ثم تم نقلي إلى مركز السكر. سلسلة من الأقسام خلال أقل من سنة. عملت بصمت وبأمانة، ولكن كانت رؤيتي المستقبلية تفوق عنان السماء. تم نقلي إلى إدارة الشؤون الأكاديمية والتدريب في عام ١٤٣٩ هـ، ومن هنا بدأت مسيرتي مع فريق عمل مميز وزملاء مميزين بالإدارة، همهم التميز وخدمة الممارسين الصحيين، وتقديم أفضل الإمكانات لهم في أماكن وجودهم.

وتابعت المقعدي حديثها: بحمد الله نشأت في عائلة متعلمة مشجعة، زرعت فينا الصدق والأمانة وعمل الخير، وحياتهم اليومية مبنية على أهداف مرتبة، وتسير وفق خطط وتنظيم. وتذكر المقعدي أنه كان لديها أهداف عند انتقالها للتدريب أن تصبح إدارة التدريب ومركز المهارات الفنية أحد منافسي مراكز السعودية (ابتداء من الصفر).. قائلة: أصررنا أنا وزملائي، بدعم مديري صحة القنفذة، على أن يكون هذا المركز منافسًا لمراكز المملكة العربية السعودية، ويضم اعتمادات عدة، والبرامج التي تخدم منسوبي صحة القنفذة؛ لتسهل عليهم معاناة البحث والسفر والتنقل.

وهنا تعود المقعدي لتوضح قصتها التي كانت نقطة تحول في مهنتها، وهي أنه عام ٢٠١٨، في شهر يونيو تحديدًا، وقعت حادثة غيَّرت مجرى حياتها العملية، وكانت نقطة تحول، وبداية تحدي جديد لها، وذلك بوفاة حالة حرجة بحادثة غرق أمام عينَيْها، مشيرة إلى أنها أقسمت حين وقوعها، وقطعت وعدًا على نفسها وأمام أهلها ووالدة الشهداء، وقبل ذلك أمام الله سبحانه وتعالى، أن تكون مدرَّبة، وتسعى إلى أن تكون سفيرة الإسعافات الأولية والإنعاش القلبي الرئوي.

وقالت: نعم، قصتي حقيقية، عشت جميع تفاصيلها المؤلمة الحزينة، ولكن رسمت لي طريقًا نحو النجاح بالأمل وبالتفاؤل وبالطموح والشغف. هذه القصة اكتشفت بها الجانب الآخر من شخصيتي ورؤيتي ورسالتي.. الحادثة صنعت مني شخصية أكثر إصرارًا نحو الهدف السامي النبيل في أهمية نشر الإسعافات والإنعاش القلبي الرئوي التي هي غاية ومطلب أساسي لجميع أبناء وبنات الوطن الغالي، ولا يحتكر ولا يقتصر ذلك على المتعلم والجامعي والبروفيسور، بل كل أفراد المجتمع لهم حق بالمعرفة والوعي وإنقاذ الحياة. ومنذ ذلك وأنا أفكر في إطلاق (مبادرة ١٠٠٠ منقذ) تشجيعًا؛ ليستمر العطاء. وبفضل الله – عز وجل – وصلت اليوم لأكثر من 10.000 مُدرك ومُلمّ بالإسعافات الأولية. كل ذلك جاء بفضل الله، ثم بفضل مجهودات زملائي بإدارة الشؤون الأكاديمية والتدريب.

وأبانت المقعدي أنها كُرِّمت بجائزة مسرح الإبداع للقصص الملهمة والنجاحات بصحة القنفذة عام ٢٠١٩م من مدير الشؤون الصحية الدكتور أحمد العمري نظير مبادرتها والتجربة التي عاشتها.

وتواصل “حليمة” حديثها حول المواقف العديدة التي تعرضت لها إبان التحاقها بالصحة قائلة: أربعة مواقف لن أنساها أو تغيب عن ناظري، كالقصة التي فعلاً كما ذكرت سابقًا أنها غيرت مجرى حياتي المهنية. الموقف الأول بدايته لحظة وصولي لمقر حادثة لتجمع غفير وأصوات بكاء حول سيارة وانيت غمارتين في صندوقها الخلفي. أربع أرجل موقف لا أستطيع نسيانه. تمالكت نفسي، ولحقت بالسيارة. لحظة صعودهم سيارة الإسعاف أوقفت السيارة، وفُتح الباب فصُدمت بوجود طفلين باللون نفسه (أزرق)، ومواصفات الجسم والطول والملامح والهيئة، فأجزمت وقتها بأنهم توأم. ويأتي هنا الموقف الحقيقي الذي لن يفارق مخيلتي، وهناك تساؤلات بيني وبين نفسي، ماذا حصل؟! لأُفاجَأ بسؤال المسعف: مَن أنت؟ أختهم؟ تقربي لهم؟ جوابي كان وقتها لا! أنا ممرضة، اسمح لي بأن أدخل وأسعف! ونظرت فيه بنظرات يسودها الحزن والقوة وتقديم المساعدة: أنت واحد، وهما اثنان، أنت تعامل مع حالة، وأنا مع الأخرى. المسعف: اصعدي. وقلت للمسعف ساعتها: ربي معنا، لا تقلق.

وواصلت: حينها دعوت الله سبحانه الثبات والصبر والقوة لتحمُّل الموقف الصعب، ومن هنا بدأت سلسلة إنقاذ الحياة (جس النبض لا يوجد، علامات تنفس لا توجد، برودة الجسم أزرق اللون)، ولكن لم أفقد الأمل، فبدأت بالضغط الصدري ونفسين، وأتذكر أول نفسَين كانا بكمية من الماء؛ فأحسست بهما من فم الطفل، واستمررت بدون توقف، وفي كل مرة أدعو الله وأقول “ياااااارب، يااااااارب” الإسعاف مسرع، ولكن استمررت بالعمل لإنقاذ روح الطفل، وناولني المسعف عدة التنفس وعدة القلب بدون توقف، إلى أن فُتح باب الإسعاف، وتم نقلهما إلى غرفة الإنعاش بالمستشفى.

وفي الموقف الثاني لهذه القصة لحظة خروج المسعف من غرفة الإنعاش بعدما يقارب ٢٠ دقيقة وأنا في الأرض، أسمع الخطوات وجهاز الصدمات وزحمة الناس. لحظات صعبة، لحظات الانتظار. اتجهت خلف المسعف، سألته بكل عفوية: “لو سمحت تكفى طمني ماذا صار؟ قول لي أي شيء حياة أو موت أي شيء”. نظر إليّ وقال: “الله يجزيك خيرًا، والله إن الولد الذي تعاملتِ مع حالته رجع له النبض وعاش، عاش”. انهرتُ عند باب المدخل الرئيسي، ما أدري، واختلجت مشاعري، ولم أفهم هل هي فرح أم حزن، ولكن على الأقل هون علي عدم فقد أسرتهم لكليهما. الحمد لله.

وتابعت: الموقف الثالث للقصة نفسها، الذي هزَّ كياني، هو لحظة تلقي خبر وفاة الطفل الذي قمت بإنقاذه بعد أن عاش ٢٤ ساعة من دخوله المستشفى. الساعة تقريبًا الثامنة صباحًا يوم الأحد. انهرت باكية في المكتب، وذهبت إلى مدير الإدارة في هذه اللحظة، وطالبته بتصدير تعميم لجميع الجهات الحكومية والقطاع الخاص لنشر ثقافة الإسعافات والإنعاش القلبي الرئوي والتدريب عليه، وفعلاً صدر التعميم، وتم توجيهه إلى إدارة العلاقات العامة والإعلام بصحة القنفذة، وبدأ المشوار؛ لأن الثواني تفرق في إنقاذ حياة مريض بعد قدرة الله، وجميعها أسباب.

وزادت: الموقف الرابع (الأخير) موقف مقرَّب إلى قلبي لحظة التعارف على والدة الشهيدين -رحمهما الله- مصادفة في إحدى الدورات التي قدمتها، حينما أوقفتني إحدى المعلمات المتدربات أثناء ذكري بعض تفاصيل القصة، والهدف من ذكر القصة للمتدربات كان إيصال رسائل عدة، أولاً: الدعاء للشهداء بالرحمة والمغفرة، وثانيًا: الدعاء لهذه الأم العظيمة في هذا الموقف بالصبر والأجر والاحتساب، وثالثًا: أن يستشعر الناس أهمية الإسعافات الأولية والإنعاش القلبي الرئوي، وأن الثواني الأولى مهمة في حياة أي شخص مصاب؛ إذ ذكرت لي المعلمة المتدربة في سؤال تم توجيهه لي: هل أنت التي كنت موجودة في الإسعاف ومكان الحادثة أثناء غرق الطفلين؟ وأن أهلي قاموا بمساعدتهما؟ أصابني الذهول والخوف من هذا السؤال؟ قلت: نعم أنا! قالت لي: تعلمين أن أم الشهيدين هي بنت خالي، وأنها تبحث عنك، وتدعو لك أنت وأهلك بالرزق والأجر والتوفيق، ولم تنسَ الدعاء لك. وعادت المقعدي قائلة: داهمني في نفسي شعور وقتها وكأني ملكتُ الكون كله حينما تركت إثرًا إيجابيًّا في نفوس تلك الأسرة المكلومة.

وأكملت “المقعدي” بأن تلك المعلمة المتدربة أكدت لها أن الأم تريد التواصل معها؛ لأقوم بتزويدها برقم هاتفي. وجاء يوم من الأيام، وتواصلت فعلاً معي الأم، وأول كلمة سمعتها منها: أنا ما نسيتك، ما نسيتك (كررتها)، ولا نسيت الذي صار. استودعتك الله ربي يحفظك ويوفقك ويرزقك. هنا فعلاً عرفت أنها أم عظيمة ومحتسبة. التجمع والجمهور كان ما يقارب الـ١٠٠ شخص وقت حصول الحادثة، ولكن للأسف ليس منهم مَن يعلم كيفية طلب المساعدة، وكيفية الإنقاذ! موقف مؤلم ومؤسف بسبب قلة الوعي بمهارات بسيطة كفيلة بأن تنقذ حياة الناس.

واختتمت حليمة المقعدي كلامها بأن لديها جانبين، جانبًا عمليًّا مهنيًّا بحتًا، يسعى لتطوير الكادر الصحي والإداري بالمنطقة وخارجها، والجانب الآخر الإنساني التطوعي لخدمة مجتمعها، وأن طموحها يتمثل برسالة ولي العهد -حفظه الله- لنا نحن السعوديين، الرسالة التشجيعية والتحفيزية بأن طموحنا عنان السماء، وأنها تسعى جاهدة إلى أن يكون الأثر ملهمًا، وأن تصبح ذات يوم قدوة وأسوة حسنة لمن حولها (الحياة تجارب ومحطات، هناك المحفزون والداعمون، وهناك المنتقدون والمحبطون المثبطون، جميعهم يدفعك للأمام، لا تنتظر أن يمسك يدك أحد، أثبت وجودك ومكانتك بالشغف والطموح والاجتهاد، ومن ثم ستجد من يهديك الثقة، ويدفعك نحو القمة).

وفي كلمة أخيرة قالت “المقعدي”: “الحمد لله على جميع النعم، ما صدر منها وما بطن. وصولي اليوم كان توفيقًا من الله سبحانه وتعالى، ثم دعاء أعظم من رأت عيني والأقرب إلى قلبي (أمي، أبي، عائلتي)، عزوتي ومصدر الأمان، ثم الصبر والرضا والقناعة بما قسمه الله لي من الرزق. اليوم لستُ كما كنت.. وحتى تصل إلى النجاح لا بد من العثرات والمطبات والدموع والألم والسهر، وأعظمها التضحيات. اتخذت الأمانة والصدق والكفاح وخدمة الناس والاستمتاع بمساعدتهم وقودًا حتى أكمل المسيرة. نعم، لست كاملة، ولكن أسعى لطموحي بأن أكون سفيرة للنوايا الحسنة والإنسانية، وأن أكون ذات يوم مصدر إلهام ودعم لجميع الشباب والشابات الطموحين والشغوفين حتى ينهضوا بهذا الوطن، محظوظة بدعم مدير صحة القنفذة الدكتور أحمد مديني العمري، والمساعد للموارد البشرية الأخصائي محمد السريحي، ومدير إدارة التدريب والشؤون الأكاديمية الأخصائي حامد باسودان، محظوظة بفريق العمل الجنود من إخواني وأخواتي منسوبي إدارة الشؤون الأكاديمية والتدريب بصحة القنفذة، الذين نهضوا بهذه الإدارة، وحوَّلوا مفهومها للإرادة. أفتخر بما قدمت وسأقدم.

واختتمت: في عام ٢٠١٩ بعد الحادثة بعام أفتخر بحصولي على رخص مدرب في إنعاش قلبي رئوي وإسعافات أولية، ومنقذ قلب معتمدة من جمعية القلب الأمريكية، ومدربة في وقف النزيف وكيفية التحكم فيه Bleeding control معتمدة من كلية الجراحين الأمريكية ومركز الإصابات بالحرس الوطني بالرياض، ومدربة مدربين TOT معتمدة من المؤسسة العامة للتدريب المهني والتقني.

25 نوفمبر 2021 – 20 ربيع الآخر 1443

12:24 AM


روت لـ”سبق” كيف غيَّرت التجربة مجرى حياتها حتى أطلقت مبادرة 1000 منقذ

الممارسون الصحيون لهم قصص ملهمة وأحداث متنوعة في حياتهم المهنية، منها التضحية والقصص الإنسانية، والأحداث المختلفة التي مروا بها وعاشوا تفاصيلها. هنا “حليمة عوض المقعدي”، أخصائية تمريض بصحة القنفذة، تذكر قصة ملهمة لها، وتجربة قادتها إلى أن تتحدى ذاتها، وتصر على أن تكون عنصرًا مؤثرًا وفعالاً بالمجتمع بعد حضورها حادثة غرق، غيَّرت مجرى الحياة لديها.

وتفصيلاً، روت “المقعدي” قصتها لـ”سبق” قائلة: بداية كنت أدرس وأعمل بجامعة الباحة للعلوم التطبيقية، وحصلت على تقدير ممتاز مع مرتبة الشرف. عدت إلى محافظتي الغالية القنفذة، وعملت فترة شهرين بالطوارئ، ثم إدارة التمريض بالجودة التمريضية، وانتقلت إلى قسم الإحصاء، ثم تم نقلي إلى مركز السكر. سلسلة من الأقسام خلال أقل من سنة. عملت بصمت وبأمانة، ولكن كانت رؤيتي المستقبلية تفوق عنان السماء. تم نقلي إلى إدارة الشؤون الأكاديمية والتدريب في عام ١٤٣٩ هـ، ومن هنا بدأت مسيرتي مع فريق عمل مميز وزملاء مميزين بالإدارة، همهم التميز وخدمة الممارسين الصحيين، وتقديم أفضل الإمكانات لهم في أماكن وجودهم.

وتابعت المقعدي حديثها: بحمد الله نشأت في عائلة متعلمة مشجعة، زرعت فينا الصدق والأمانة وعمل الخير، وحياتهم اليومية مبنية على أهداف مرتبة، وتسير وفق خطط وتنظيم. وتذكر المقعدي أنه كان لديها أهداف عند انتقالها للتدريب أن تصبح إدارة التدريب ومركز المهارات الفنية أحد منافسي مراكز السعودية (ابتداء من الصفر).. قائلة: أصررنا أنا وزملائي، بدعم مديري صحة القنفذة، على أن يكون هذا المركز منافسًا لمراكز المملكة العربية السعودية، ويضم اعتمادات عدة، والبرامج التي تخدم منسوبي صحة القنفذة؛ لتسهل عليهم معاناة البحث والسفر والتنقل.

وهنا تعود المقعدي لتوضح قصتها التي كانت نقطة تحول في مهنتها، وهي أنه عام ٢٠١٨، في شهر يونيو تحديدًا، وقعت حادثة غيَّرت مجرى حياتها العملية، وكانت نقطة تحول، وبداية تحدي جديد لها، وذلك بوفاة حالة حرجة بحادثة غرق أمام عينَيْها، مشيرة إلى أنها أقسمت حين وقوعها، وقطعت وعدًا على نفسها وأمام أهلها ووالدة الشهداء، وقبل ذلك أمام الله سبحانه وتعالى، أن تكون مدرَّبة، وتسعى إلى أن تكون سفيرة الإسعافات الأولية والإنعاش القلبي الرئوي.

وقالت: نعم، قصتي حقيقية، عشت جميع تفاصيلها المؤلمة الحزينة، ولكن رسمت لي طريقًا نحو النجاح بالأمل وبالتفاؤل وبالطموح والشغف. هذه القصة اكتشفت بها الجانب الآخر من شخصيتي ورؤيتي ورسالتي.. الحادثة صنعت مني شخصية أكثر إصرارًا نحو الهدف السامي النبيل في أهمية نشر الإسعافات والإنعاش القلبي الرئوي التي هي غاية ومطلب أساسي لجميع أبناء وبنات الوطن الغالي، ولا يحتكر ولا يقتصر ذلك على المتعلم والجامعي والبروفيسور، بل كل أفراد المجتمع لهم حق بالمعرفة والوعي وإنقاذ الحياة. ومنذ ذلك وأنا أفكر في إطلاق (مبادرة ١٠٠٠ منقذ) تشجيعًا؛ ليستمر العطاء. وبفضل الله – عز وجل – وصلت اليوم لأكثر من 10.000 مُدرك ومُلمّ بالإسعافات الأولية. كل ذلك جاء بفضل الله، ثم بفضل مجهودات زملائي بإدارة الشؤون الأكاديمية والتدريب.

وأبانت المقعدي أنها كُرِّمت بجائزة مسرح الإبداع للقصص الملهمة والنجاحات بصحة القنفذة عام ٢٠١٩م من مدير الشؤون الصحية الدكتور أحمد العمري نظير مبادرتها والتجربة التي عاشتها.

وتواصل “حليمة” حديثها حول المواقف العديدة التي تعرضت لها إبان التحاقها بالصحة قائلة: أربعة مواقف لن أنساها أو تغيب عن ناظري، كالقصة التي فعلاً كما ذكرت سابقًا أنها غيرت مجرى حياتي المهنية. الموقف الأول بدايته لحظة وصولي لمقر حادثة لتجمع غفير وأصوات بكاء حول سيارة وانيت غمارتين في صندوقها الخلفي. أربع أرجل موقف لا أستطيع نسيانه. تمالكت نفسي، ولحقت بالسيارة. لحظة صعودهم سيارة الإسعاف أوقفت السيارة، وفُتح الباب فصُدمت بوجود طفلين باللون نفسه (أزرق)، ومواصفات الجسم والطول والملامح والهيئة، فأجزمت وقتها بأنهم توأم. ويأتي هنا الموقف الحقيقي الذي لن يفارق مخيلتي، وهناك تساؤلات بيني وبين نفسي، ماذا حصل؟! لأُفاجَأ بسؤال المسعف: مَن أنت؟ أختهم؟ تقربي لهم؟ جوابي كان وقتها لا! أنا ممرضة، اسمح لي بأن أدخل وأسعف! ونظرت فيه بنظرات يسودها الحزن والقوة وتقديم المساعدة: أنت واحد، وهما اثنان، أنت تعامل مع حالة، وأنا مع الأخرى. المسعف: اصعدي. وقلت للمسعف ساعتها: ربي معنا، لا تقلق.

وواصلت: حينها دعوت الله سبحانه الثبات والصبر والقوة لتحمُّل الموقف الصعب، ومن هنا بدأت سلسلة إنقاذ الحياة (جس النبض لا يوجد، علامات تنفس لا توجد، برودة الجسم أزرق اللون)، ولكن لم أفقد الأمل، فبدأت بالضغط الصدري ونفسين، وأتذكر أول نفسَين كانا بكمية من الماء؛ فأحسست بهما من فم الطفل، واستمررت بدون توقف، وفي كل مرة أدعو الله وأقول “ياااااارب، يااااااارب” الإسعاف مسرع، ولكن استمررت بالعمل لإنقاذ روح الطفل، وناولني المسعف عدة التنفس وعدة القلب بدون توقف، إلى أن فُتح باب الإسعاف، وتم نقلهما إلى غرفة الإنعاش بالمستشفى.

وفي الموقف الثاني لهذه القصة لحظة خروج المسعف من غرفة الإنعاش بعدما يقارب ٢٠ دقيقة وأنا في الأرض، أسمع الخطوات وجهاز الصدمات وزحمة الناس. لحظات صعبة، لحظات الانتظار. اتجهت خلف المسعف، سألته بكل عفوية: “لو سمحت تكفى طمني ماذا صار؟ قول لي أي شيء حياة أو موت أي شيء”. نظر إليّ وقال: “الله يجزيك خيرًا، والله إن الولد الذي تعاملتِ مع حالته رجع له النبض وعاش، عاش”. انهرتُ عند باب المدخل الرئيسي، ما أدري، واختلجت مشاعري، ولم أفهم هل هي فرح أم حزن، ولكن على الأقل هون علي عدم فقد أسرتهم لكليهما. الحمد لله.

وتابعت: الموقف الثالث للقصة نفسها، الذي هزَّ كياني، هو لحظة تلقي خبر وفاة الطفل الذي قمت بإنقاذه بعد أن عاش ٢٤ ساعة من دخوله المستشفى. الساعة تقريبًا الثامنة صباحًا يوم الأحد. انهرت باكية في المكتب، وذهبت إلى مدير الإدارة في هذه اللحظة، وطالبته بتصدير تعميم لجميع الجهات الحكومية والقطاع الخاص لنشر ثقافة الإسعافات والإنعاش القلبي الرئوي والتدريب عليه، وفعلاً صدر التعميم، وتم توجيهه إلى إدارة العلاقات العامة والإعلام بصحة القنفذة، وبدأ المشوار؛ لأن الثواني تفرق في إنقاذ حياة مريض بعد قدرة الله، وجميعها أسباب.

وزادت: الموقف الرابع (الأخير) موقف مقرَّب إلى قلبي لحظة التعارف على والدة الشهيدين -رحمهما الله- مصادفة في إحدى الدورات التي قدمتها، حينما أوقفتني إحدى المعلمات المتدربات أثناء ذكري بعض تفاصيل القصة، والهدف من ذكر القصة للمتدربات كان إيصال رسائل عدة، أولاً: الدعاء للشهداء بالرحمة والمغفرة، وثانيًا: الدعاء لهذه الأم العظيمة في هذا الموقف بالصبر والأجر والاحتساب، وثالثًا: أن يستشعر الناس أهمية الإسعافات الأولية والإنعاش القلبي الرئوي، وأن الثواني الأولى مهمة في حياة أي شخص مصاب؛ إذ ذكرت لي المعلمة المتدربة في سؤال تم توجيهه لي: هل أنت التي كنت موجودة في الإسعاف ومكان الحادثة أثناء غرق الطفلين؟ وأن أهلي قاموا بمساعدتهما؟ أصابني الذهول والخوف من هذا السؤال؟ قلت: نعم أنا! قالت لي: تعلمين أن أم الشهيدين هي بنت خالي، وأنها تبحث عنك، وتدعو لك أنت وأهلك بالرزق والأجر والتوفيق، ولم تنسَ الدعاء لك. وعادت المقعدي قائلة: داهمني في نفسي شعور وقتها وكأني ملكتُ الكون كله حينما تركت إثرًا إيجابيًّا في نفوس تلك الأسرة المكلومة.

وأكملت “المقعدي” بأن تلك المعلمة المتدربة أكدت لها أن الأم تريد التواصل معها؛ لأقوم بتزويدها برقم هاتفي. وجاء يوم من الأيام، وتواصلت فعلاً معي الأم، وأول كلمة سمعتها منها: أنا ما نسيتك، ما نسيتك (كررتها)، ولا نسيت الذي صار. استودعتك الله ربي يحفظك ويوفقك ويرزقك. هنا فعلاً عرفت أنها أم عظيمة ومحتسبة. التجمع والجمهور كان ما يقارب الـ١٠٠ شخص وقت حصول الحادثة، ولكن للأسف ليس منهم مَن يعلم كيفية طلب المساعدة، وكيفية الإنقاذ! موقف مؤلم ومؤسف بسبب قلة الوعي بمهارات بسيطة كفيلة بأن تنقذ حياة الناس.

واختتمت حليمة المقعدي كلامها بأن لديها جانبين، جانبًا عمليًّا مهنيًّا بحتًا، يسعى لتطوير الكادر الصحي والإداري بالمنطقة وخارجها، والجانب الآخر الإنساني التطوعي لخدمة مجتمعها، وأن طموحها يتمثل برسالة ولي العهد -حفظه الله- لنا نحن السعوديين، الرسالة التشجيعية والتحفيزية بأن طموحنا عنان السماء، وأنها تسعى جاهدة إلى أن يكون الأثر ملهمًا، وأن تصبح ذات يوم قدوة وأسوة حسنة لمن حولها (الحياة تجارب ومحطات، هناك المحفزون والداعمون، وهناك المنتقدون والمحبطون المثبطون، جميعهم يدفعك للأمام، لا تنتظر أن يمسك يدك أحد، أثبت وجودك ومكانتك بالشغف والطموح والاجتهاد، ومن ثم ستجد من يهديك الثقة، ويدفعك نحو القمة).

وفي كلمة أخيرة قالت “المقعدي”: “الحمد لله على جميع النعم، ما صدر منها وما بطن. وصولي اليوم كان توفيقًا من الله سبحانه وتعالى، ثم دعاء أعظم من رأت عيني والأقرب إلى قلبي (أمي، أبي، عائلتي)، عزوتي ومصدر الأمان، ثم الصبر والرضا والقناعة بما قسمه الله لي من الرزق. اليوم لستُ كما كنت.. وحتى تصل إلى النجاح لا بد من العثرات والمطبات والدموع والألم والسهر، وأعظمها التضحيات. اتخذت الأمانة والصدق والكفاح وخدمة الناس والاستمتاع بمساعدتهم وقودًا حتى أكمل المسيرة. نعم، لست كاملة، ولكن أسعى لطموحي بأن أكون سفيرة للنوايا الحسنة والإنسانية، وأن أكون ذات يوم مصدر إلهام ودعم لجميع الشباب والشابات الطموحين والشغوفين حتى ينهضوا بهذا الوطن، محظوظة بدعم مدير صحة القنفذة الدكتور أحمد مديني العمري، والمساعد للموارد البشرية الأخصائي محمد السريحي، ومدير إدارة التدريب والشؤون الأكاديمية الأخصائي حامد باسودان، محظوظة بفريق العمل الجنود من إخواني وأخواتي منسوبي إدارة الشؤون الأكاديمية والتدريب بصحة القنفذة، الذين نهضوا بهذه الإدارة، وحوَّلوا مفهومها للإرادة. أفتخر بما قدمت وسأقدم.

واختتمت: في عام ٢٠١٩ بعد الحادثة بعام أفتخر بحصولي على رخص مدرب في إنعاش قلبي رئوي وإسعافات أولية، ومنقذ قلب معتمدة من جمعية القلب الأمريكية، ومدربة في وقف النزيف وكيفية التحكم فيه Bleeding control معتمدة من كلية الجراحين الأمريكية ومركز الإصابات بالحرس الوطني بالرياض، ومدربة مدربين TOT معتمدة من المؤسسة العامة للتدريب المهني والتقني.



[ad_2]

Source link

Leave a Reply