[ad_1]
الموعد يوم الاثنين 29 مارس 2010م. أما التوقيت فقبل غروب شمس ذلك اليوم. كانت مع بدايات فصل الربيع هناك، وأنا أنظر من نافذة الطائرة إلى أرض سمعتُ أن بها من الطبيعة الشيء الكبير، ولكنَّ ما رأيته أرضٌ يابسة، أحرقها زمهرير الشتاء القارس. وصلتُ لتلك الأرض في أقصى الركن الشمالي الغربي من الكرة الأرضية. وعند وصولي للمطار بدأت أرتعد من شدة البرد – ونحن كما ذكرت في بداية فصل الربيع – بعد أيام من وصولي. وكما اعتدت مع كل صباح باكر، أنظر من النافذة، لكن هذه المرة إذا ببياض الثلج يكسو المكان. ولأول مرة في حياتي أرى هذا المنظر العجيب!! خرجتُ من المنزل، وقبل ذهابي للدراسة تلمستُ الثلج على الأرض في لحظة بهيجة بالنسبة لي. مرت الأيام تلو الأيام، وبدأ الجو بالاعتدال إلى أن وصل في صيفه إلى 27 مئوية تقريبًا. وبعد أشهر، ومع نهاية تساقط الأوراق، بدأت بوادر ذاك الشتاء الذي قرأتُ عن درجات برودته الشديدة كثيرًا.
جاء الشتاء الموعود، ومع بداية تساقط الثلوج اعتاد جسدي قليلاً على البرودة هناك. لم أكن أتخيل مع مرور الأيام ومع شدة البرد أني آخذ هذا الوقت الطويل في البيت؛ لأرتدي هذا الكم الكبير من الملابس لتوقي البرد. ما زلتُ أتذكر عندما كنت أضع سيارتي في المواقف، وأمشي سريعًا إلى باب الجامعة، وأفتح بصعوبة طرفًا من إحدى عينَيّ من شدة الرياح والبرودة، وأحدّث نفسي كيف للناس العيش هنا؟! وأستعجب عندما تمرُّ بجانبي امرأة أو رجل لا يلبس إلا معطفًا خفيفًا فقط، ويمشي الهوينا، وكأن شيئًا لا يحدث.
ذات يوم كنت أقلّب هاتفي النقال (الجوال) ليلاً؛ لأتفقد درجة الحرارة، وإذا هي 33 تحت الصفر، و(Feeling) ما نشعر به هو 36 تحت الصفر. لم أتخيّل يومًا أني سأعيش في مثل هذه الأماكن الباردة التي تصل برودتها إلى هذا الحد. حتى أننا بوصفنا طلابًا مبتعثين عندما نسمع أن درجة البرودة ستنخفض إلى 14 تحت الصفر ظهرًا نفرح، ونستعد للخروج لنزهة إلى البحيرة المجاورة التي تجمدت، ولا ترى لها أثرًا إلا بياض الثلج أمامك.
انتهى الشتاء المخيف، وعادت الأيام الطبيعية مرة أخرى، حتى أنني اعتدت البرد الشديد هناك. وما إن أتى الشتاء التالي في تلك البلاد إلا وبدأت ملابسي تخف عن العام الذي قبله، وبدأت أخرج أحيانًا بدون قفازات تقي يدَيّ من البرد؛ هي اعتادت الوضع لا غير.
انتهت تلك الأيام، ويقدر الله لي العيش في مدينة (جدة) شديدة الحرارة والرطوبة، التي تصل أحيانًا درجة حرارتها في صيفها إلى أكثر من 45 مئوية. وبدأت أيضًا أعتاد الحر الشديد هنا شيئًا فشيئًا؛ لأن الإنسان بطبعه يتكيف ويتأقلم.. ليس على مستوى الأمور الجسدية فقط، بل على ما هو أعمق من ذلك.
همستُ في نفسي لأردد: هو الإنسان الذي بطبعه يتكيف مع الظروف، يستطيع التأقلم والتعود على ذلك. لم نكن نتعود –مثلاً- على الحظر، سواء كان كاملاً أو جزئيًّا، ولكن اعتدنا ذلك مع مرور الأيام. وهذا مثال عشناه جميعًا أثناء هذه الجائحة -أزالها الله-. هو التأقلم يا سادة، وهي طبيعة الإنسان أن يعيش -مثلاً- في مكان درجة حرارته تصل 36 تحت الصفر، ثم يعيش في مكان آخر درجة حرارته تزيد على 45؛ فلا توهم نفسك وتغلفها بالسلبية وعدم المقدرة على التغيير؛ أنت تستطيع التغيير الإيجابي، ومن الآن، فقط انطلق.
36 ْ تحت الصفر
بدر الغامدي
سبق
2020-11-30
الموعد يوم الاثنين 29 مارس 2010م. أما التوقيت فقبل غروب شمس ذلك اليوم. كانت مع بدايات فصل الربيع هناك، وأنا أنظر من نافذة الطائرة إلى أرض سمعتُ أن بها من الطبيعة الشيء الكبير، ولكنَّ ما رأيته أرضٌ يابسة، أحرقها زمهرير الشتاء القارس. وصلتُ لتلك الأرض في أقصى الركن الشمالي الغربي من الكرة الأرضية. وعند وصولي للمطار بدأت أرتعد من شدة البرد – ونحن كما ذكرت في بداية فصل الربيع – بعد أيام من وصولي. وكما اعتدت مع كل صباح باكر، أنظر من النافذة، لكن هذه المرة إذا ببياض الثلج يكسو المكان. ولأول مرة في حياتي أرى هذا المنظر العجيب!! خرجتُ من المنزل، وقبل ذهابي للدراسة تلمستُ الثلج على الأرض في لحظة بهيجة بالنسبة لي. مرت الأيام تلو الأيام، وبدأ الجو بالاعتدال إلى أن وصل في صيفه إلى 27 مئوية تقريبًا. وبعد أشهر، ومع نهاية تساقط الأوراق، بدأت بوادر ذاك الشتاء الذي قرأتُ عن درجات برودته الشديدة كثيرًا.
جاء الشتاء الموعود، ومع بداية تساقط الثلوج اعتاد جسدي قليلاً على البرودة هناك. لم أكن أتخيل مع مرور الأيام ومع شدة البرد أني آخذ هذا الوقت الطويل في البيت؛ لأرتدي هذا الكم الكبير من الملابس لتوقي البرد. ما زلتُ أتذكر عندما كنت أضع سيارتي في المواقف، وأمشي سريعًا إلى باب الجامعة، وأفتح بصعوبة طرفًا من إحدى عينَيّ من شدة الرياح والبرودة، وأحدّث نفسي كيف للناس العيش هنا؟! وأستعجب عندما تمرُّ بجانبي امرأة أو رجل لا يلبس إلا معطفًا خفيفًا فقط، ويمشي الهوينا، وكأن شيئًا لا يحدث.
ذات يوم كنت أقلّب هاتفي النقال (الجوال) ليلاً؛ لأتفقد درجة الحرارة، وإذا هي 33 تحت الصفر، و(Feeling) ما نشعر به هو 36 تحت الصفر. لم أتخيّل يومًا أني سأعيش في مثل هذه الأماكن الباردة التي تصل برودتها إلى هذا الحد. حتى أننا بوصفنا طلابًا مبتعثين عندما نسمع أن درجة البرودة ستنخفض إلى 14 تحت الصفر ظهرًا نفرح، ونستعد للخروج لنزهة إلى البحيرة المجاورة التي تجمدت، ولا ترى لها أثرًا إلا بياض الثلج أمامك.
انتهى الشتاء المخيف، وعادت الأيام الطبيعية مرة أخرى، حتى أنني اعتدت البرد الشديد هناك. وما إن أتى الشتاء التالي في تلك البلاد إلا وبدأت ملابسي تخف عن العام الذي قبله، وبدأت أخرج أحيانًا بدون قفازات تقي يدَيّ من البرد؛ هي اعتادت الوضع لا غير.
انتهت تلك الأيام، ويقدر الله لي العيش في مدينة (جدة) شديدة الحرارة والرطوبة، التي تصل أحيانًا درجة حرارتها في صيفها إلى أكثر من 45 مئوية. وبدأت أيضًا أعتاد الحر الشديد هنا شيئًا فشيئًا؛ لأن الإنسان بطبعه يتكيف ويتأقلم.. ليس على مستوى الأمور الجسدية فقط، بل على ما هو أعمق من ذلك.
همستُ في نفسي لأردد: هو الإنسان الذي بطبعه يتكيف مع الظروف، يستطيع التأقلم والتعود على ذلك. لم نكن نتعود –مثلاً- على الحظر، سواء كان كاملاً أو جزئيًّا، ولكن اعتدنا ذلك مع مرور الأيام. وهذا مثال عشناه جميعًا أثناء هذه الجائحة -أزالها الله-. هو التأقلم يا سادة، وهي طبيعة الإنسان أن يعيش -مثلاً- في مكان درجة حرارته تصل 36 تحت الصفر، ثم يعيش في مكان آخر درجة حرارته تزيد على 45؛ فلا توهم نفسك وتغلفها بالسلبية وعدم المقدرة على التغيير؛ أنت تستطيع التغيير الإيجابي، ومن الآن، فقط انطلق.
30 نوفمبر 2020 – 15 ربيع الآخر 1442
11:36 PM
36 ْ تحت الصفر
الموعد يوم الاثنين 29 مارس 2010م. أما التوقيت فقبل غروب شمس ذلك اليوم. كانت مع بدايات فصل الربيع هناك، وأنا أنظر من نافذة الطائرة إلى أرض سمعتُ أن بها من الطبيعة الشيء الكبير، ولكنَّ ما رأيته أرضٌ يابسة، أحرقها زمهرير الشتاء القارس. وصلتُ لتلك الأرض في أقصى الركن الشمالي الغربي من الكرة الأرضية. وعند وصولي للمطار بدأت أرتعد من شدة البرد – ونحن كما ذكرت في بداية فصل الربيع – بعد أيام من وصولي. وكما اعتدت مع كل صباح باكر، أنظر من النافذة، لكن هذه المرة إذا ببياض الثلج يكسو المكان. ولأول مرة في حياتي أرى هذا المنظر العجيب!! خرجتُ من المنزل، وقبل ذهابي للدراسة تلمستُ الثلج على الأرض في لحظة بهيجة بالنسبة لي. مرت الأيام تلو الأيام، وبدأ الجو بالاعتدال إلى أن وصل في صيفه إلى 27 مئوية تقريبًا. وبعد أشهر، ومع نهاية تساقط الأوراق، بدأت بوادر ذاك الشتاء الذي قرأتُ عن درجات برودته الشديدة كثيرًا.
جاء الشتاء الموعود، ومع بداية تساقط الثلوج اعتاد جسدي قليلاً على البرودة هناك. لم أكن أتخيل مع مرور الأيام ومع شدة البرد أني آخذ هذا الوقت الطويل في البيت؛ لأرتدي هذا الكم الكبير من الملابس لتوقي البرد. ما زلتُ أتذكر عندما كنت أضع سيارتي في المواقف، وأمشي سريعًا إلى باب الجامعة، وأفتح بصعوبة طرفًا من إحدى عينَيّ من شدة الرياح والبرودة، وأحدّث نفسي كيف للناس العيش هنا؟! وأستعجب عندما تمرُّ بجانبي امرأة أو رجل لا يلبس إلا معطفًا خفيفًا فقط، ويمشي الهوينا، وكأن شيئًا لا يحدث.
ذات يوم كنت أقلّب هاتفي النقال (الجوال) ليلاً؛ لأتفقد درجة الحرارة، وإذا هي 33 تحت الصفر، و(Feeling) ما نشعر به هو 36 تحت الصفر. لم أتخيّل يومًا أني سأعيش في مثل هذه الأماكن الباردة التي تصل برودتها إلى هذا الحد. حتى أننا بوصفنا طلابًا مبتعثين عندما نسمع أن درجة البرودة ستنخفض إلى 14 تحت الصفر ظهرًا نفرح، ونستعد للخروج لنزهة إلى البحيرة المجاورة التي تجمدت، ولا ترى لها أثرًا إلا بياض الثلج أمامك.
انتهى الشتاء المخيف، وعادت الأيام الطبيعية مرة أخرى، حتى أنني اعتدت البرد الشديد هناك. وما إن أتى الشتاء التالي في تلك البلاد إلا وبدأت ملابسي تخف عن العام الذي قبله، وبدأت أخرج أحيانًا بدون قفازات تقي يدَيّ من البرد؛ هي اعتادت الوضع لا غير.
انتهت تلك الأيام، ويقدر الله لي العيش في مدينة (جدة) شديدة الحرارة والرطوبة، التي تصل أحيانًا درجة حرارتها في صيفها إلى أكثر من 45 مئوية. وبدأت أيضًا أعتاد الحر الشديد هنا شيئًا فشيئًا؛ لأن الإنسان بطبعه يتكيف ويتأقلم.. ليس على مستوى الأمور الجسدية فقط، بل على ما هو أعمق من ذلك.
همستُ في نفسي لأردد: هو الإنسان الذي بطبعه يتكيف مع الظروف، يستطيع التأقلم والتعود على ذلك. لم نكن نتعود –مثلاً- على الحظر، سواء كان كاملاً أو جزئيًّا، ولكن اعتدنا ذلك مع مرور الأيام. وهذا مثال عشناه جميعًا أثناء هذه الجائحة -أزالها الله-. هو التأقلم يا سادة، وهي طبيعة الإنسان أن يعيش -مثلاً- في مكان درجة حرارته تصل 36 تحت الصفر، ثم يعيش في مكان آخر درجة حرارته تزيد على 45؛ فلا توهم نفسك وتغلفها بالسلبية وعدم المقدرة على التغيير؛ أنت تستطيع التغيير الإيجابي، ومن الآن، فقط انطلق.
window.fbAsyncInit = function() { FB.init({ appId : 636292179804270, autoLogAppEvents : true, xfbml : true, version : 'v2.10' }); FB.AppEvents.logPageView(); };
(function(d, s, id){ var js, fjs = d.getElementsByTagName(s)[0]; if (d.getElementById(id)) {return;} js = d.createElement(s); js.id = id; js.src = "https://connect.facebook.net/en_US/sdk.js"; fjs.parentNode.insertBefore(js, fjs); }(document, 'script', 'facebook-jssdk'));
[ad_2]
Source link