[ad_1]
حتى لا يصبح حُسن النية “سذاجة”
أخذت ظاهرة التسوُّل الإلكتروني في تنامٍ خلال الفترة الأخيرة مُخلِّفة الكثير من النتائج السلبية، التي ربما تُلقي بظلالها على الحالة الأمنية، وتُحدث بعض التشوهات المجتمعية.
هذا النوع من التحايل والخداع بات ملاحَظًا انتشاره بصورة جلية، ليس في السعودية فحسب، بل في كثير من دول العالم، من خلال استغلال وسائل التقنية الحديثة والتواصل الاجتماعي، التي يلجأ المحتالون إليها للتسول.
والشاهد أن المتسولين اختاروا هذه الوسيلة منخفضة التكاليف لتريحهم من طَرْق أبواب المكاتب والمنازل، أو الوقوف في محطات الوقود وعند إشارات المرور، إضافة إلى إمكانية تعديل صورهم وأشكالهم بواسطة “الفوتوشوب” وغيره من البرامج لإضافة العاهات أو آثار المرض؛ ليبدو أكثر قابلية لاستدرار العطف والشفقة.
بدءًا، ينبغي القول إننا شعب عاطفي؛ يتأثر غالبية أفراده بسرعة بما يسمعونه من الآخرين، وترتفع فيهم نسبة الخيرية، وتزداد لديهم الرغبة في مساعدة الآخرين كنوع من شكر النعمة والرغبة في استمرارها عبر مساعدة الغير، ومد يد العون لهم. وحتى على مستوى الدولة فالسعودية من أكثر دول العالم مساعدة للآخرين حسبما تؤكد إحصائيات الأمم المتحدة في كل عام.
وأعتقد -وغيري كذلك- أن هذا ليس عيبًا أو منقصة، بل ميزة نسأل الله أن تدوم؛ لأنها مستمدة من صلب ديننا الحنيف الذي يحث على البذل والمعروف.. لكن من الواجب أن نقوم بتقنينها وتوجيهها وفق القنوات التي تؤدي إلى تحقيق الغاية منها. فما نعيشه ونشاهده في زمننا الحالي يستوجب ذلك.
وتؤكد تحقيقات الأجهزة الأمنية المختصة أن نسبة كبيرة من العمليات الإرهابية التي وقعت في العديد من الدول، ومن بينها السعودية، تم تمويلها بأموال تسربت من جمعيات تأسست للقيام بأعمال خيرية كغطاء لأعمالها غير المشروعة والإجرامية. وأموال حصلت عليها شخصيات مشبوهة بزعم تبني الأيتام ومساعدة الأرامل لكنها تسربت للخارج، ووصلت إلى مجاميع إرهابية، استخدمتها في عمليات تدمير وتفجير وقتل للأبرياء.
لذلك أولت الدولة اهتمامًا كبيرًا لتنظيم العمل الخيري، وقامت مؤخرًا بإنشاء منصة “إحسان”، وقدمت لها دعمًا كبيرًا للتصدي لمهمة العمل الإنساني بعد أن تم تزويدها بقواعد معلومات متكاملة، تشمل أماكن صرف المساعدات لمستحقيها داخل وخارج السعودية، والقنوات التي ينبغي أن تسلكها تلك الأموال، ومصارف الدعم التي تتفاوت بين الأشكال التقليدية كإرسال المواد الغذائية والأدوية، والاحتياجات المستجدة مثل دعم الطلاب ذوي الحاجة، وإنشاء المرافق التي تخدمهم.
ولا يخفى على فطنة المتابع أن القيام بأعمال خيرية لم يعد كما كان عليه في السابق، بل تحول إلى مهمة يتولاها مختصون، وأصبحت (الكوارث والأزمات) علمًا قائمًا بذاته، تمنح فيه الجامعات شهادات للخريجين الذين يتم تعليمهم كيفية التدخل في المناطق التي تشهد تلك الأحداث، إضافة إلى طُرق التعامل مع المعوزين والمحتاجين في المناطق المستقرة عبر إجراء الدراسات والمسح اللازم الذي يهدف في كثير من الأحيان إلى تأهيلهم؛ ليتولوا بأنفسهم إعالة أنفسهم بعد تزويدهم بوسائل الإنتاج التي تناسب قدراتهم.
أما الذين بدؤوا الدخول إلى وسائل التواصل ومواقع الإنترنت لاستدرار العطف والتكسب فإن غالبيتهم العظمى من الدجالين والمحتالين الذين ثبت كذبهم، وأنهم أعضاء في عصابات منظمة، تمنحهم مقابلاً ماليًّا نظير القيام بذلك الدور الذي لا يرتضيه لنفسه إلا فاقد مروءة.
ويقيني أن نظام مكافحة التسول الجديد الذي سنَّته سلطات السعودية، الذي يحتوي على عشر مواد، سوف يسهم بالتأكيد في تحجيم تلك الممارسات المرفوضة؛ لأنه اهتم منذ البداية بتعريف المتسول رقميًّا، كما وضع عقوبة مغلظة بحق المتجاوزين، تصل إلى السجن 6 أشهر، أو الغرامة 50 ألف ريال للأفراد، فيما تُضاعف بالنسبة للجماعات المنظمة.
وبعد إقرار النظام لن يكون هناك مبرر في مساعدة أشخاص تقتصر معرفتنا بهم على الفضاء الرقمي والعالم الافتراضي الذي يسهل فيه على الكثيرين انتحال شخصيات غيرهم، وادعاء ما شاؤوا من الأكاذيب. ولن يعود التذرع بحُسن النية كافيًا لتبرير الخطأ والإعفاء من العقوبة؛ فكم من الكوارث وقعت باسمه، وكم من طعنات غادرة أصابتنا ممن كنا نتوسم فيهم الخير؛ لذلك علينا أن نفرِّق في تعاملاتنا مع الآخرين بين حُسن النية والتفريط و”السذاجة”.
[ad_2]
Source link