[ad_1]
دير الزور… مدينة على خط «تقاطع النيران» الأميركية والإيرانية
«الشرق الأوسط» ترصد الواقع المعيشي والاقتصادي قرب الحدود العراقية
السبت – 11 صفر 1443 هـ – 18 سبتمبر 2021 مـ رقم العدد [
15635]
فتيان وسط الدمار في أحد شوارع دير الزور (الشرق الأوسط)
دير الزور: «الشرق الأوسط»
الصمت الذي يجول الشوارع المدمرة في دير الزور، لا يكسره إلا هدير طائرات استطلاع أميركية في ريفها الشمالي، وضجيج حياة لأبنائها في «الجميلة السمراء» التي تقيم على كتف البادية السورية.
أربع سنوات مرت على استعادة القوات الحكومية أكثر النقاط تعقيداً في المنطقة الشرقية من البلاد، ولا تزال تتقاسم أطرافها القوى المتصارعة، وترتسم عند خطوط التماس فيها لعبه دولية كبرى: دمشق في دير الزور، وواشنطن وحلفاؤها في ريفها الشمالي، وما يجاورها تسيير دوريات روسية تفصل بين المتخاصمين الأكراد وحلفائهم وبين قوات الحكومة.
– في البوكمال والميادين
بحكم الجغرافيا، تبقى النقاط الحدودية هي الأنشط ويبقى سكانها هم الأكثر استفادة من حركة النقل بين العراق وسوريا. عند معبر القائم – البوكمال، هناك حركة نشطة للشاحنات التي تخرج معبأة بالبضائع وتدخل إليها. أسواق مليئة بالبضائع وحركة شراء بحال أفضل من سنوات مرت في الجغرافيا الحدودية. أبناء البوكمال والميادين اليوم وخاصة من عاد إليها، هم الأكثر تمسكاً بالبقاء، وخاصة كبارها في العمر. يقول أحدهم «نموت ونحيا هنا ولن أعيد الهجرة؛ فما من أرض في البلاد تحتفظ بماض جميل كما هنا».
هنا سكينة تقطعها بين الحين والآخر استهدافات أميركية لمواقع تقول واشنطن إنها تتبع لـ«الحشد العراقي» و«الحرس الثوري الإيراني»، إضافة إلى سقوط مدنين نتيجة الاشتباكات المتعددة بين فصائل إيران والولايات المتحدة الأميركية المتمركزة في حقول النفط والغاز، خاصة في حقل العمر وكونيكو للغاز شمال المدينة.
في الجنوب منهما تتمركز نقاط عسكرية تراقب تحركات «داعش»، والخلايا المتبقية المنتشرة في عمق البادية جنوباً والتي حتى اللحظة تشكل الخطر الأكبر لسقوط آخر للمدينة في حال حدوث أي خرق أمني أو عسكري، وهو ما يخشاه الجميع.
لا يخفى على أحد طموح إيران بإبقاء طريقها البري آمناً من طهران إلى البحر المتوسط مروراً بدير الزور وحمص وصولاً إلى لبنان. وهو ما يجعل تواجدها في شرق البلاد مرتبطاً باستراتيجية البقاء. ويقول خبير محلي «هناك مشروع إيراني، وهو خط الغاز الممتد من حقل بارس الإيراني إلى المتوسط ومنه إلى أوروبا، ولعلنا نفهم أن لعبه الطاقة وخطوطها إحدى أهم نقاط الاشتباك بين محاور الصراع، وتواجد روسيا المتواضع شكلا في المنطقة الشرقية، استراتيجياً حضوراً للحفاظ على مصالحها للعب دور الضابط لمسار الغاز».
– جفاف وتواصل
مرت عشر سنوات عن آخر إطلالة على المدينة ونهرها جسورها. اليوم، يبدو النهر جافاً. لكن انخفاض منسوبه أتاح لأبناء المدينة أن يقطعوه سيراً على الأقدام وكأن الفرات بجفافه أراد أن يكون جسراً بين ضفتيه بعد سقوط الجسور كافة الرابطة بين شماله وجنوبه.
وعلى طول ضفتي النهر، تنتشر معابر عدة تشرف عليها الحكومة، ومنها «معبر إنساني»، توقف مند أشهر عدة. وتقول القوات الحكومية إن «قوات سوريا الديمقراطية (قسد) منعت أبناء المدينة من الانتقال إلى ضفة مناطق الحكومة». وفي المقلب الآخر، معابر غير شرعية تخضع لتجارة مربحة تسمح بتسلل من أراد الهجرة لخارج البلاد عبر الأراضي التي تسيطر عليها «قوات سوريا الديمقراطية». طريق موت بصورة أخرى يرمي فيها المهاجر نفسه إلى النهر ليدخل «أراض معادية» أخرى وصولاً لحدود مراقبة تنتهي بالموت أو النجاة. الحرب أعطت لتجارها استغلالاً جديداً.
وعلى الرغم من الجهود الحكومية لإعادة الترميم والبناء خلال السنوات الأربع، فإن حجم ما نفذ يبقى أقل بكثير من حاجة المدينة التي يبلغ عدد سكانها اليوم نحو مليون نسمة قياساً بعددهم في وقت الحصار والذي كان لا يتجاوز 70 ألفاً.
وقال محافظ دير الزور، إن «ما رممته الحكومة، منذ استعادة السيطرة على المدينة 2017، شمل تأهيل 67 محطة مياه من أصل 71 محطة في هذه المناطق، حيث تبلغ الطاقة الإنتاجية الإجمالية للمحطات نحو 17 ألفاً و80 متراً مكعباً بالساعة تغطي حاجة الأهالي في أحياء المدينة». وأضاف، أنه «منذ بدء عودة التيار الكهربائي 2018 تم تشغيل 20 كيلوفولت وتركيب 660 محولة. أما على الصعيد التربوي، وصل عدد المدارس المفتتحة 344 مدرسة، وبلغ عدد الطلاب في المحافظة 146 ألف طالب وطالبة».
وأكد، أن أكثر القطاعات التي ساهمت في عودة أهالي دير الزور، القطاع الزراعي وتأهيله الذي ساهم بـ«إعادة إحياء الأراضي وتسهيل عودة الأهالي من خلال تأهيل 117 مجموعة ري زراعي؛ الأمر الذي زاد مساحة الأراضي المزروعة، حيث وصلت 30 ألف هكتار لموسم القمح و4216 للقطن و3372 للخضراوات». وفي قطاع الصحة، قال إن أربعة مراكز صحية فقط كانت تعمل سابقاً، لكنها ارتفعت اليوم إلى 42 مركزاً».
ويبقى لأهلها المغتربين دور مهم في دعم مدينتهم من خلال المساهمات الأهلية في تأهيل وترميم المدينة في كافة قطاعاتها بدءا بالكهرباء ووصولاً إلى ابسط تفاصيل الحياة الأساسية التي تحتاج إليها المدينة. لكن رغم كل هذه الجهود يبقى مسار أحياء المدينة مجدداً بطيئاً يحكمه واقع بتفاصيل كثيرة، تبدأ هناك وتنتهي بالعقوبات الغربية.
– حافلات
لا تختلف المدينة المنهكة عن مثيلاتها في باقي محافظات البلاد. ظروف معيشية صعبة تهدد جيلاً من الشباب الذي بات تفكيره منصباً في السفر خارج البلاد باحثاً عن فرص عمل باتت شبه معدومة. ويتحدث عن ذلك مشهد حافلات النقل المتجمعة عند بوابة المدينة. وقالت مصادر محلية، إن «قرارات منعت دخول من ليس لهم عمل أو ما يثبت إقامتهم من دخول المدينة بعد ورود معلومات تحدثت عن حافلات تقل مدنيين من إدلب وحماة ومحافظات أخرى تقصد مدينة دير الزور من أجل خطوط الهجرة عبر الفرات». وأضافت «تحدث عن المساعي الحكومية للحد من هذه الهجرة التي تشكل عاملاً خطراً على حياتهم من جهة، ورغبة الحكومة بالحفاظ على رأسمالها البشري ومنعهم من مغادرة البلاد».
لكن اللافت، أن بعض الحاضرين في قلب المدينة يتذكرون «أيام الحصار»، ومقارنة واقع «الترابط الاجتماعي الذي كان يجمع حالهم في فترة الحصار». ويقول أحد الباعة، إنه «في سنوات الحصار كان المال متوفراً والخير قليل، أما اليوم الخير وفير والمال نادراً وجوده». لكن في الوقت نفسه، فإن حجم الكنائس المدمرة وجوامعها يدل على ما فقدته هذه المدينة من حياة وذكريات. كانت تلك الذكريات حاضرة في الطريق من دمشق إلى دير الزور.
طريق صحراوية، تقطعها خيمة ورشفات قهوة عربية. هكذا كان. أما اليوم، فالمسار من دمشق إلى دير الزور، كان بعيداً عبر حمص ثم تدمر الأثرية. بعد ذلك، طريق تنتشر على أطرافه بقايا مدرعات محروقة وبلدات فارغة من ساكنيها حتى مدخل المدينة. وحدها شحنات النفط والأغذية وحواجز ونقاط عسكرية، تقف وراءه خلايا لـ«داعش»، في الصحراء التي افتقدت ساكنيها وتقاليدها.
سوريا
أخبار سوريا
[ad_2]
Source link