[ad_1]
يقول الصحفي والكاتب اللبناني إبراهيم العريس: إن أكثر شيء يثير العجب لأي زائر لهذا المتحف، ويتجول في أجنحته المتعددة الرائعة وهي تحكي تاريخ السينما منذ بداياته حتى اليوم، أن يتفاجأ بأن الحضور العربي الوحيد في المتحف يعود إلى القرون الوسطى، إلى ابن الهيثم.
السينما تلك الغرفة المظلمة التي يجتمع فيها الناس لمشاهدة أجمل الأعمال الفنية والدرامية، أول شخص اكتشف هذه «الغرفة المظلمة»، ومن خلالها توصل إلى نظريته المثيرة في فهم علم الضوء والإبصار، وحطم النظريات اليونانية من قبله ووضع اسمه في خارطة أكبر التحولات في تاريخ العلوم التجريبية، هو أبو علي محمَّد بن الحسن بن الحسين البَصري نسبةً إلى مدينة البَصرة في جنوبِي العراق، حيث وُلِد فيها، سنة 354 هـ/965، العربي الأصيل روحاً ونسباً، أخذَ علومه الأولى في مَجالس شيوخها. وانتقلَ إلى مصر حيث أقام في القاهِرة حتَّى وفاته. واشتهر في معظم المصادر باسم الحسن بن الهيثم شيخ البصرة ومُهندِسها، كما عُرف في أوربا بلفظ Al Hazen.
يروي العريس قصة هذا الإنجاز المذهل لابن البصرة العراقية، وكتابه الأشهر «كتاب المناظر»، فيقول: عشرات التجارب السابقة التي حاولت اكتشاف الغرفة السوداء، لكن متحف السينما في مدينة فرانكفورت الألمانية يقول بصراحة، إن مبتدعها الأول كان العالم العربي ابن الهيثم.. وخلال الـ1500 عام التي سبقت في الغرب ترجمة كتاب «المناظر» لابن الهيثم إلى اللاتينية، كان هناك تياران يتصارعان حول نظريات البصر والضوء، الأول منهما يرى أن العين هي مصدر الضوء الذي «يستكشف العالم الخارجي كما تفعل عصا الأعمى» (وكان الفيثاغوريون والرياضيون من أبرع المدافعين عن هذه النظرية)، والتيار الثاني كان يرى أن الأجسام الخارجية هي مصدر الضوء، وأنها هي التي توصل المنظر إلى العين بفضل الضوء المنبعث منها (وكان المدافعون عن هذه النظرية أنصار ديمقريطس وغيرهم من الدهريين الماديين). ولقد ظل العلم الغربي يتنازعه هذان التياران، حتى قام الراهب البولندي الأصل فينيليون باكتشاف كتاب «المناظر» الذي وضعه العربي ابن الهيثم، وراح ينشر أجزاء منه. ثم عمد فردريك ريزنر إلى ترجمة نص الكتاب بأكمله إلى اللاتينية، وكان ذلك في مدينة بال في عام 1572، فكان الانقلاب الأكبر في عالم العلوم البصرية، الذي عرفته البشرية، الانقلاب الذي لا تزال آثاره العلمية قائمة حتى اليوم، إذ إن كتاب المناظر الذي ترجم تحت اسم Opticae Thesaurus، يعتبر المؤسس، وأول دراسة علمية موثقة وموثوقة شغلت البشرية منذ بدايات وعيها.
وضع ابن الهيثم في مقدمة كتابه المناظر أسس البحث التجريبي، ورسم خطواته الكبرى قائلاً: «نبتدئ في البحث باستقراء الموجودات، وتصفح أحوال المُبصرات، وتمييز خواص الجزئيات، ونلتقط باستقراء ما يخُص في حالة الإبصار، وما هو مُطَّرِد لا يتغير، ثم نترقى في البحث والمقاييس على التدريج والترتيب مع انتقاد المُقدِّمات، والتحفُّظ من الغَلَط في النتائج، ونجعل غرضنا في جميع ما نستقريه ونتصفَّحه استعمال العدل لا اتباع الهوى، ونتحرَّى في سائر ما نُميِّزُهُ وننتقده طلب الحق لا الميل مع الآراء». وما هي الغاية؟ يجيب ابن الهيثم: «بحيث نصل بالتدرُّج إلى الغاية التي عندها يقع اليقين، ونظفر مع النَّقد والتحفُّظ بالحقيقة التي يزول معها الخلاف وتنحسم بها موادُّ الشُّبهات».
يقف الفيزيائي الأمريكي نيل ديغراس تايسون في برنامج وثائقي جميل على قناة فوكس، يتحدث بخشوع وإجلال في صحراء وقورة يغمرها السكون، ويقول: اكتشف ابن الهيثم كيفية تكوين الصور بواسطة الضوء، ذلك الاكتشاف الذي قاد لتأسيس أقدم تليسكوب استخدمه عالم الفلك الإيطالي جاليلو جاليلي، وانكشفت أمامه أستار الكون.. لكن هذا أقل القليل من أعظم إنجازات ابن الهيثم، لأنه هو أول شخص على الإطلاق حدد قواعد المنهج العلمي، ابتكر ميكانيكية لتصويب الأخطاء، ووضع طريقة منهجية وصارمة لغربلة المفاهيم الخاطئة، رفع شعاره بوضوح، وقال إن الحقيقة صعبة وعرة، يجب ألا نضع ثقتنا في آراء الأقدمين بمنتهى البساطة، يجب أن نبحث وننتقد الكتابات من كل جانب، أن نقتنع فقط بالحجة والتجربة، لا بقول أي شخص، لأن كل إنسان معرض لكل أنواع الخلل.
يعلق نيل تايسون قائلاً: هذا هو منهج العلم، إنه قوي جداً لدرجة أنه حمل آلاتنا الفضائية لحافة المجموعات الشمسية وما ورائها، لقد ضاعف من أعمارنا، واسترجع لنا العوالم السحيقة، وساعدنا على توقع المستقبل البعيد جداً.. تلك الطريقة منحتنا قوى عجيبة، حتى ابن الهيثم سيعتبرها بأنها سحرية.. لكن الفضل يعود له في وضعنا على هذا الطريق الصعب اللانهائي، وسيأخذنا هذا الطريق لمكان حيث الضوء ذاته مستتر بالظلام.
ALRrsheed@
[ad_2]
Source link