[ad_1]
المؤرخ ستورا اقترح تشكيل لجنة «ذاكرة وحقيقة» في إطار المصالحة بين البلدين
بعد 60 سنة على استقلال الجزائر، ما زالت علاقاتها مع فرنسا؛ الدولة المستعمرة السابقة، بالغة الحساسية والتعقيد. فالإرث التاريخي المشترك وما يحمله من صور استعمارية بشعة، وحرب التحرير التي استمرت لمدة 7 سنوات ونيف وشهدت سقوط مئات آلاف الضحايا وكل أنواع القمع والتعذيب، ما زالا عالقين في الذاكرة، ويمنعان تصفية الماضي والنظر إلى المستقبل.
ورغم تعاقب 8 رؤساء جمهورية على حكم فرنسا، فإنه ما زالت «حرب الذاكرة قائمة»، وهي ما يسعى الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون إلى قلب صفحاتها الدامية. ولذا سعى إلى تخطيها من خلال تكليف المؤرخ بنجامين ستورا؛ أحد أبرز الذين عملوا على تاريخ الجزائر ومرحلة الاستعمار والاستقلال، تقديم تقرير يراد منه أن يقول الحقيقة.
وفي رسالة التكليف، كتب ماكرون ما يلي: «من المهم أن يُعرف تاريخ حرب الجزائر، وينظر إليه بعقل متبصّر. فالأمر ضروري لراحة وصفاء الذين أضرت بهم». ورأى أن الأمر يتعلق أيضاً «بمنح شبابنا إمكانية الخروج من النزاعات المتعلقة بالذاكرة». وفي الخطاب الذي ألقاه بمدينة «ليه مورو»، في 2 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، والذي كرسه لما سماها «محاربة الانفصالية الإسلاموية»، رأى ماكرون أن هذه الانفصالية تستعيد صوراً من الماضي الاستعماري وحرب الجزائر، ونتيجتها أنها «تغذي مشاعر الاستياء والمكبوتات»، ليطرح لاحقاً في حديثه لمجلة «جون أفريك»، رؤيته لهذه الإشكالية كالتالي: «نحن سجناء ما يشبه رقاص الساعة المتأرجح بين موقفين: من جهة، الاعتذار والتوبة، والإنكار والكبرياء من جهة ثانية. أنا أريد الحقيقة والمصالحة».
وسبق لماكرون أن وصف الاستعمار، بمناسبة زيارته الجزائر عام 2017، بأنه «جريمة ضد الإنسانية». ووعد الخريف الماضي بأنه سيعمد إلى اتخاذ مجموعات من التدابير، عقب تسلمه تقرير بنجامين ستورا، الذي سلمه عصر أمس، رسمياً، إلى الرئيس الفرنسي في قصر الإليزيه.
التقرير يمتد إلى 150 صفحة، ويتميز بالكثافة والعمق والصراحة. لكن مصادر الإليزيه سارعت إلى التأكيد على أن «تقديم الاعتذار» للجانب الجزائري «ليس مطروحاً البتة، وكذلك التعبير عن التوبة».
وترى مصادر سياسية فرنسية أن ماكرون «يسير في ركاب من سبقوه في رئاسة الجمهورية، الذين رفضوا جميعاً تقديم الاعتذار لأسباب سياسية داخلية، ولأن الاعتذار هو بالدرجة الأولى اعتراف بالذنب».
يذكر أن الرؤساء كافة، الذين تعاقبوا على الحكم في الجزائر، إضافة إلى الأحزاب السياسية والبرلمان، طالبوا باريس بالاعتذار، وجعلوه شرطاً، على الأقل نظرياً، لتطبيع العلاقات معها. ولذا؛ فإن ما سيقفز بداية إلى الأذهان هو أن فرنسا ترفض قطعاً تقديم الاعتذار، أو التعبير عن التوبة، عمّا اقترفته خلال سيطرتها على الجزائر. وبدل ذلك، فإن ماكرون سيعمد إلى اتخاذ مجموعة من التدابير «الرمزية والملموسة»، التي يرى فيها سبيلاً لتخطي حاجز الاعتذار.
ومما كشفت عنه مصادر الإليزيه أن ماكرون سيشارك في 3 احتفالات تذكارية، في إطار الذكرى الستين لنهاية استعمار الجزائر في 1962، وهو اليوم الوطني للحركيين في 25 سبتمبر (أيلول)، وذكرى قمع مظاهرة الجزائريين بباريس في 17 أكتوبر (تشرين الأول) 1961، وتوقيع «اتفاقيات إيفيان» في 19 مارس (آذار) 1962.
وما يريده ماكرون هو التوصل إلى «مصالحة» الذاكرتين عبر ضفتي المتوسط، وقلب صفحة الماضي، والعمل من أجل المستقبل. ووفق القراءة الفرنسية؛ فإن هذا العمل ليس مهماً فقط للعلاقات الثنائية بين البلدين؛ ولكن أيضاً بالغ الأهمية للداخل الفرنسي، الذي يحتضن أكبر جالية جزائرية.
يذكر أن العمل على الذاكرة يترافق مع بادرتين أخريين: الأولى نجاح السلطات في دفع «المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية» لتبني «شرعة مبادئ الإسلام» في فرنسا، التي يراد منها تأطير الإسلام، ومنع تمدد الإسلام السياسي. والثانية بدء البرلمان مناقشة مشروع قانون «تعزيز مبادئ الجمهورية».
ويتضمن تقرير ستورا اقتراح إنشاء لجنة مشتركة تحت اسم «الذاكرة والحقيقة»، ويقترح مجموعة من الأسماء لدخولها. كما يقترح أن تقدم أفكاراً حول 22 مسألة؛ أولاها إقامة مجموعة من «الأنشطة التذكارية» التي تتعلق بالجزائر والتاريخ المشترك؛ منها الأنشطة الثلاثة التي تحدثت عنها مصادر الإليزيه. كما يرى ستورا أن اللجنة يمكن أن تعمد إلى تجميع «شهادات» أشخاص معنيين من أجل إظهار الحقيقة وتصالح الذاكرتين.
ومن البادرات المقترحة؛ إنشاء نصب للمقاوم الجزائري الأمير عبد القادر في مدينة أمبواز؛ حيث أمضى 4 سنوات في المنفى، واعتراف فرنسا باغتيال المقاوم علي بومنجل عام 1957، إضافة إلى إعداد «دليل» بالأشخاص المختفين من الجزائريين والأوروبيين. كما لم ينسَ ستورا ملف التجارب الذرية الفرنسية في الصحراء الجزائرية، ولا ملف الأرشيف الجزائري إبان الاستعمار.
[ad_2]
Source link