[ad_1]
عرفت الكثير عن صفات وأخلاق الصحابة، رضوان الله عليهم، وتصورت أنهم أناس تربوا في مدرسة سيد البشر، ولا غرو أن يمتازوا عن غيرهم من الخلق، وإذا بي أجد شبيها لهم في الأخلاق والسيرة والمعاملة الحسنة، والخصال الحميدة يعيش بين ظهرانينا، حتى كنت أمازحه رحمه الله بقولي «عبدالرحمن رضي الله عنه»، وهو فعلاً يستحق الترضي والدعاء، وأحسبه كذلك والله حسيبه.
أدواء وصبر
ما أصبرك يا أبا عبدالله!! كان يشكو من ارتفاع السكر كغيره من أترابه، إلا أن حالته تدهورت إلى أن فقد بصره بالكلية، فذهبنا لزيارته ونحن نفكر ماذا نقول وكيف نواسي؟!، وكانت المفاجأة أننا كنا في حزن شديد واكتئاب أشد، وهو المتماسك المتجلد الذي يواسينا ويهدئ من روعنا، وكأننا نحن فاقدي البصر، نعم لقد فقد البصر لكنه لم يفقد البصيرة، كان يزاول حياته وأعماله كأن لم يفقد البصر، فعن أنس رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله تعالى قال: (إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر عوَّضته منهما الجنة، يريد عينيه)، اللهم وعدك الذي وعدت يارب، (وبشر الصابرين).
ولم تمض مدة الا وأصيب بفشل كلوي، وظل يجاهد ألا يلجأ إلى أولاده بالتبرع، ولكن لا بد مما ليس منه بد، فتبرع له ابنه «عبدالله» بإحدى كليتيه، فلتهنأ يا عبدالله أن كليتك سبقتك إلى الجنة إن شاء الله.
الرجال مخابر ومواقف، وفي زماننا هذا المال هو أقوى اختبار، وكم من رجال رسبوا في هذا الاختبار، إلا أبا عبدالله كلما امتحن واختبر صدقاً وهزلاً واحتيالاً واستغلالاً، فتراه يتجاوز الاختبار بامتياز، ومواقف الرجل كثيرة لا تحتاج إلى برهان.
مواقفه معي
استشهد بموقفين فقط وإلا مواقفه معي كثيرة:
أولاً: دخلت في مساهمة عقارية مع شخص في المنطقة الشرقية من أهل الأحساء، وقدَّر الله لها الفشل، وبعد مدة من الزمن اشتريت أرضاً في جدة لبنائها سكناً لأولادي، وعند البناء توقف المقاول لعدم السيولة، فبادر صديق لي يشرف على البناء ببيع أرض له وأعطى قيمتها المقاول دون علم مني، ونفد المبلغ فتوقف المقاول مرة ثانية، وبدأت أبحث في أوراقي القديمة وتذكرت ذلك الرجل الحساوي، فاتصلت بالكريم ابن الكريم عبدالرحمن الحسيني، إذا كان يعرف الرجل ففاجأني بأنه يعرفه جيداً ورجوته أن يتواصل معه لعله يرد عليّ المبلغ أو جزءا منه، وبحكم العلاقة بيننا أودع في حسابي المبلغ كاملاً، وكم كانت فرحتي بإمكانية إكمال المبنى، فاتصلت به رحمه الله على الفور ظناً مني أنه أقنع الرجل وحصل على المبلغ وأودعه في حسابي، وإذ بي أفاجأ أن المبلغ من حسابه الشخصي هو رحمه الله.
بعد مدة طلبت رقم حسابه لأعيد المبلغ فرفض رفضاً قاطعاً واضطررت أن أسحب المبلغ وأذهب به لأسلمه له نقداً، وعندما فتح الشنطة التي فيها المبلغ بعد ذهابي اتصل بي يبكى، وقال كيف تعاملني هكذا يا أبا رافد؟!!
ثانياً: طلب منه شخص مبلغاً كبيراً من المال ولم يكن ذلك المبلغ لديه وقتها، ولشهامته ومواقفه الإنسانية التي لا ترد سائلاً، اتصل بي وطلب تحويل المبلغ لذلك الشخص، وبعد حوالى نصف ساعة اتصل بي أحد أبنائه البررة يرجوني عدم دفع أي مبلغ لذلك الرجل وعدم إخبار والده أنه اتصل، ووجدت نفسي في موقف محرج جداً، تعاطفت مع طلب الابن ولا أستطيع أن أرد طلب أخي وصديقي د. عبدالرحمن غفر الله، فاتصلت بصديقناً المشترك الدكتور محمد العيسى وأخبرته بالموضوع فقال: إذا كنت تحب عبدالرحمن لا تفعل.. عبدالرحمن رجل كريم معطاء ولا يرد أحدا واستغله البعض ويجب علينا حمايته قدر الإمكان، فزاد حيرتي حيرة، متفق معه تماماً، ولكن كيف لي ألا أتمم طلب من له فضل سابق علي وجاء وقت رد الجميل، فاستخرت الله عز وجل، وقررت أن أتصل بالشخص نفسه وشرحت له الأمر وإذا به يقول: إنه طلب الفزعة من «جابر عثرات الكرام»، وقد لا يعلم أو يعلم أنه أحرج جابر عثرات الكرام!، واتفقت معه أن أحول له المبلغ ويكون التعامل بيني وبينه حماية لأبي عبدالله، والقصة طويلة لا أحب إزعاجكم بها، وأكتفي بموقفه النبيل رحمه الله حتى وهو في أشد الظروف لم يتردد ولم يعتذر عن الفزعة، حتى كأني أتمثل قول الشاعر:
ما قال (لا) قط إلا في تشهده
لولا التشهد كانت لاؤه نعم
رجل المواقف
ساقته الأقدار أن يزاول الاستثمار في جمهورية مصر، وسنحت له فرصاً للاطلاع على بعض أحوالهم، فتكفل بعلاج عدد ليس بقليل على حسابه الشخصي، ومنهم من تعالج خارج مصر.
أخبرني مرة أنه تواصل مع السفارة السعودية لتقديم خدمات للسعوديين مساهمة منه لأبناء وطنه.
لا أعرف رجلاً حاز محبة الناس وإجماعهم على كرمه ونبل أخلاقه، مثل إجماعهم على هذا الرجل، لقد أجمع كل من تعامل معه أنه من الموطئين أكنافاً الذين يألفون ويؤلفون، متمثلا قوله صلى الله عليه وسلم: (أقربكم مني منزلا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا)، (وخير الناس أنفعهم للناس). الكل يشهد لأبي عبدالله بالصلاح وحسن الخلق، ومن شهد له أربعة أنه من أهل الصلاح، يقول الله عز وجل قبلت شفاعتكم فيه وغفرت له ما بيني وبينه، أسأل الله أن يتقبله بقبول حسن، وأن يجبر أهله ومحبيه وأن يجعل الله قبره روضة من رياض الجنة.
اتصل بي يخبرني عن عزمه على إنشاء جامعة تقنية بالتعاون مع شركة أوزون، وطلب أن نتعاون في ذلك، وكرماً منه اختارني لأكون أحد اعضاء مجلس الأمناء.
وخطط لإنشاء مستشفى ومركز للأبحاث، لقد أبهرني طموحه وأذهلتني أحلامه، وعجبت من إصراره وعزمه وتوكله على ربه، لأنه على يقين أن مشاريعه ستنجح لأن هدفها خدمة الناس ونفع الناس، متمثلا قوله صلى الله عليه وسلم (خير الناس أنفعهم للناس).
ويتحدث عن هذه المشاريع وهو فاقد لبصره كلية، مع فشل كلوي لولا لطف الله وتبرع ابنه، تستمع إليه ولا تفرق بين حديثه وأسلوبه وهو في كامل عافيته وبين حديثه في ظروف مرضه، يا سبحان الله.. أصحاب الهمم لا يثنيهم ولا يقعدهم عن تحقيق طموحاتهم وأهدافهم عائق مهما صعب.
نعم لقد كانت تُقضَى على يديه حوائج المحتاجين، وله من الأعمال الخفية، والخبيئة التي لا يعلمها إلا ربه، لا حرمه الله من أجرها وجعلها رفعة له في موازين حسناته.
ما ذكرته غيض من فيض ولا يساوي قطرة في بحر سجاياه تغمده الله برحمته.
اللهم إني أشهدك أني أحب عبدك عبدالرحمن الحسيني في جلالك فاشملنا في من قلت فيهم: (المتحابون في جلالي لهم منابر من نور يغبطهم النبيون والشهداء).
أعلم أن الله كريم عظيم رحيم، ومثل هذا الرجل سيلقى من ربه ما الله عز وجل قادر عليه وجدير به، اللهم تغمد عبدك وابن عبدك عبدالرحمن بن حسن الحسيني برحمتك وعفوك وكرمك، وألحقنا به في الفردوس الأعلى من الجنة، رحم الله هذا التقي النقي، رحم الله رجل القيم والمُثُل والمكارم.. رحمك الله يا أبا عبدالله.
ماتَ الحُسَيْني وما ماتَتْ مكارمُهُ
إنَّ المكارمَ لا يَسْكنَّ أَلحادا
[ad_2]
Source link