[ad_1]
يتحرجون من مصافحة الجميع، لا سيما أبنائهم وأسرهم أو حتى معانقتهم حين عودتهم من العمل، لكي لا تلتصق بهم الزيوت والشحوم التي تلطخ أجسادهم، ينامون على أسرّة جانبية يعلقون في جوانبها ملابس عمل باهتة تفوح منها روائح الديزل والبنزين، وقبل أن يلوح النهار يعودون إلى لبسها من جديد حاثين الخطى نحو أعمالهم قبل بزوغ النور، ويسيرون متبادلين الابتسامات مع بعضهم، يملأون الشوارع والأزقة بدعوات تطرق أبواب السماء بـ«يا فتاح يا رزاق يا كريم».. إنهم عمال ورش الميكانيكا والسمكرة و(البناشر)، تجدهم منهمكين طيلة ساعات النهار تحت المركبات وبين حفر الزيوت ومكائن الخراطة والتوضيب، ملامحهم شاحبة، ضحكاتهم خفيفة، لكن لياقتهم عالية وأوزانهم متناسقة.
لا غسيل.. لا قفازات
أيوب أحمد، يقول: «أمضيت 20 عاماً في الصناعية؛ منها 10 سنوات في هذه الورشة التي لا يستطيع الزبون أن يجلس بها، وهذه حال معظم الورش، فالزيوت في كل اتجاه وليس أمام كل صاحب سيارة متعطلة إلا الوقوف على قدميه أو الجلوس داخلها لحين إصلاحها، يحلم أن يتناول وجبة إفطار هانئة بأيادٍ نظيفة وملابس أنيقة، لكنه حسب وصفه، «مستحيل، طالما أن ذلك سيكلّفه فقدان أكثر من زبون خلال وقت استبدال الملابس وغسل الأيدي». أما هارون محمد، الذي طلب منا مشاركته الغداء، فيقول: «إنه يشعر بنكهات الزيت في كل وجبة يتناولها، وهذا أمر معتاد، خصوصاً أن بعض الزبائن لا يحتمل الانتظار لدقائق، فالجميع على أجنحة الحركة السريعة».
وعن استخدام القفازات والملابس النظيفة قال سلطان: «هذا صعب فهو يفقد اليد حساسية لمس الأجزاء في المعدات وفتح المسامير وشدها وإصلاحها، ويكون العمل بها بطيئاً، ما يجعلهم يفضلون القيام بمهمات الفك والتركيب دونها».
لا سلام !
أبو صلاح قال: إن أسرته تسكن في شقة قريبة من الورشة، ويتحاشى دائماً مصافحة صغاره أو احتضانهم حتى لا تلتصق بهم الزيوت، وعادة ما يخلع ملابس العمل في ركن من صالة الدخول التي وضع فيها كرسياً للنوم، ومسامير حفرت في الجدار علّقت عليها ملابس العمل الممزقة أحياناً.
ويصف إسحاق الهندي، ساعات راحتهم بالشحيحة، إذ إن أعمالهم تبدأ السادسة صباحاً إلى الليل، يفطرون في ورشهم ويضطرون للغداء بها، بينما الوجبة الوحيدة في السكن العشاء. ويفضل العمال عدم مصافحة الزبائن أو الاقتراب منهم، مراعاة لمشاعرهم في سبيل إقناعهم بإصلاح المركبات للفوز بالأجرة، فالعرق يغسل وجوههم والزيوت تتقاطر من أيديهم.
«توضيب» المكائن
كشف عابد عبدالله (ميكانيكي)، أن عملهم يتطلب الجهد البدني والذهني لضمان الإنجاز، مبيناً أن العمل في الورش تراجع بشكل ملاحظ لأسباب عدة؛ منها ارتفاع قطع الغيار. وعن طبيعة عمله قال: إن مهمته في توضيب المكائن والجربكسات، وأعطال المركبات المختلفة، لافتاً إلى أن السوق السعودية من أقوى الأسواق، وهذا مرتبط بقوة الاقتصاد السعودي بفضل المشاريع الكبرى والريادة في شتى المجالات. فيما لفت موسى، إلى أن عملهم يمتد من الصباح حتى صلاة العشاء وفترات الراحة للإفطار والغداء فقط. وكشفت وزارة الصحة عبر موقعها الرسمي، عن أهمية غسل اليدين، وأن الأيدي هي المسارات الرئيسية لانتقال الجراثيم، وتعد نظافة اليدين من أهم الطرق لتجنب انتقال الجراثيم الضارة.
وتكمن أهمية غسلها في أنها وسيلة فعالة للحد من انتشار كثير من الأمراض مثل: التسمم الغذائي، أو الإنفلونزا، أو الإسهال. وعند عدم توفر المياه الجارية النظيفة، يمكن استخدام معقم الأيدي، الذي يحتوي على 60% على الأقل من الكحول لتنظيف الأيدي، مع الأخذ بعين الاعتبار أن المعقم لا يكون فعالاً عندما تكون الأيدي متسخة جداً أو دهنية.
كل عمل له صبغة خاصة
كشف الأخصائي النفسي الدكتور عبدالله الوايلي لـ«عكاظ»، أنه من أهم القيم في الحياة الإنسانية المحافظة على السلامة النفسية في بيئة العمل، ولا بد للناس من تعزيز بيئات العمل الإنساني أخلاقاً وتعاملاً لتحقيق الأمن النفسي والاجتماعي للفرد.
والسلامة النفسية في بيئة العمل تتضمن شعور العامل وثقته بأنه قادر على الاعتداد بنفسه وبأفكاره وسلوكه العملي دون قلق أو خوف أو سخرية أو تنمّر من الآخرين أو خوف من حدوث آثار نفسية سلبية في مكان عمله؛ الذي يقتات منه، معتمداً على نفسه بعيداً عن حاجة الآخرين.
ولا بد من الإيمان المشترك من الجميع؛ سواء العامل الذي يقدم خدمة مهنية اجتماعية مهمة؛ المتمثلة في إصلاح السيارات وتغيير الزيوت أو الميكانيكا بشكل عام، وبين بقية أفراد المجتمع من زبائن وغيرهم.
ويرى الوايلي أن أي عمل مهني له صبغته وطبيعته بعيداً عن الحرج والانزعاج غير المبرر من المهنة أياً كانت، وعلى العامل الإيمان أن له قيمة اجتماعية تميزه وهذا ما سيدفع الحرج والقلق والخوف عنه.
وتكمن أهمية السلامة النفسية في بيئة العمل بتعزيز القيمة الإنسانية المهنية والسلوك الإيجابي للعامل كعضو فعال ومنتج في المجتمع، مما يشعره بالأمان النفسي والاجتماعي في بيئته المهنية والمجتمعية، وهنا حتماً سيكون العامل حاضراً ذهنياً ونفسياً وسلوكياً في مكان عمله دون أن يشعر بالقلق والتوتر من نظرة الآخرين أو ردود أفعالهم. والمطلوب تعزيز ثقافة بيئة العمل الشاملة، وأنه لا يوجد فرق بينه وبين الآخرين؛ سواءً في الشكل أو المضمون أو العرق أو اللون أو المذهب؛ لأن الخدمة الاجتماعية ترحب بالتنوع وتزدهر بوجود أفراد أصحاء متفاعلين ذهنياً وسلوكياً.
لماذا النفور؟
الأخصائية الاجتماعية أمل صالح الجهني، ترى أن كثيراً من عمال الورش والبناشر يستخدمون أيديهم دون قفازات؛ ما يؤدي إلى اتساخ أيديهم، وللأسف لا يهتمون بإزالتها ما يدعو الآخرين إلى النفور من التعامل معهم بسبب قلة اهتمامهم بالنظافة، ما يسبب نفوراً لبعض أفراد المجتمع من المهنة والتقليل من شأنها، ومن ناحية أخرى فإن أبناء العاملين في هذا المجال يتعرضون للتنمَّر بسبب وظيفة آبائهم، وهذا له تأثير سلبي عليهم. فمهم في أي وظيفة تتطلب العمل باليدين الاهتمام بالنظافة، فهي مرآة الشخص والمكان، وقد تهمش وظائف بسبب الأفكار التي ترسخت من كثره الاستخفاف بالعاملين بها بسبب عشوائياتهم، وقد نجد أماكن أخرى قليلة تتسم بالنظافة والترتيب، ما يدعونا إلى إعادة النظر في هذه الأماكن والمساهمة على تجويد عملهم ليصل إلى مستوى أفضل ليتمكنوا من العمل في بيئة جيدة.
[ad_2]
Source link