[ad_1]
الهند، تلك القارة التي كانت موطن النكهة، وموزعة للذائقة البشرية في كل شيء، بدءاً من تكيف العقل دينياً، وانتهاءً بتكيف الذائقة طهواً، فالعالم أجمع كان يبحث عن طريق للوصول إلى الهند، ولم يكن وجود أمريكا إلا صدفة في ذلك البحث، فقد كانت الهند قبلة التوجه التجاري والعلاقات السياسية، فهي قارة تكتظ بكل شيء، وتوزع كل شيء.
وتقول الأسطورة إن هبوط آدم عليه السلام كان في الهند، وأن أمّنا حواء كان هبوطها في مدينة جدة، وأنهما التقيا وتعارفا في المشعر المقدس بعرفة، أي من بداية التاريخ كان هناك خيط صلة بين القارة الهندية، والمركز الديني للبشرية في مكة منذ الأزل.
وفي مقالة الأمس كتبت أن مدننا السعودية هي مواقع مرّت بها حضارات إنسانية موغلة، وسحيقة في عمرها الزمني، فمدننا مواقع شاهدة ومشاركة في صناعة التاريخ، وقد أثّرت، وتأثّرت، وقلت -في مقالة الأمس- وإن مدننا هي أنفسنا، فالأنفس تتوالد حاملة جينات الجذر الأول لوجودها داخل المكان، وما يحدث ليس له علاقة بالصدف، فليس هناك صدفة بتاتاً، وإنما أقدار تتراكم لإحداث مستقبلها المتواصل.
فهل يحق لي العودة إلى سؤالي الذي بدأت به هذه المقالة؟
والإجابة عن ذلك السؤال، أن البلدين السعودية والهند بينهما حبل سري يجمع بين الثقافي والحضاري من مبتدأ التاريخ.
والموقعان (السعودية، والهند) اشتركا في صياغة العالم دينياً واجتماعياً واقتصادياً، وهذا القول ليس منتج حماسة لأن تنثر على الرؤوس بسبب كون السعودية ضيف شرف على معرض نيودلهي للكتاب، وتأكيداً أن قولي ليس حماسة، وإنما واقع سرى في قنوات الماضي، وظل جارياً إلى الآن، ففي كل فترة زمنية كان البلدان يغذيان بعضهما بعضاً (ثقافة)، ومن لديه شك في هذا، ليتوقف قليلاً عن قراءة المقالة، ويمنح ذاكرته فرصة استرجاع التاريخ بين الموقعين، وإن انتهى من ذلك الاسترجاع سيصل إلى الوقت الراهن الذي يبرهن على تلك العلاقة التاريخية بين البلدين من موقع ذاتهما، ومن خلال أبناء الموقعين، المرتبط بعنصر دقيق يمكن تسميته مجرى ثقافي، جعل الموقعين يتبادلان ثقافياً، ويغذيان بعضهما البعض.
وقد مثّل العنصران الديني والتجاري مسار العلاقة بين البلدين تواصلاً وتأثراً، وتأثيراً.
وأن تكون المملكة ضيف شرف على معرض نيودلهي للكتاب ما هو الا تأكيد لارتباط الجذر الثقافي الأول بين البلدين، فإذا كانت الهند وعاءً ثقافياً بدأ من الخطوات الأولى للتاريخ، فإن السعودية أول مكان وضع به بيت للناس، بمعنى أن أول تجمع حضري كان في مكة، ومن بين الموقعين جرى التاريخ، وكل منهما كان حضانة لعصور تاريخية نشأت بها حضارات عريقة، كان الموقعان مركزين ثقافيين، حضرا عبر التاريخ شاهدين، أو فاعلين لتلك الثقافة.
والكتاب هو جواز عبور لإيصال الفرد بالفرد، والجماعة بالجماعة، والثقافي بالثقافي، فالحرف أداة تذكر، والكتاب جامع للذاكرة البشرية، والمثل الإنجليزي يقول: «إن أضعف أنواع الحبر أقوى من أعتى ذاكرة»، وقد سال المداد بين البلدين عبر العصور ليؤكد تلك الصلة العميقة ثقافياً وحضارياً.
ووزارة الثقافة حينما تشارك في معرض الكتاب بنيودلهي فهي تشارك لإظهار وإثبات الثراء والتنوع الثقافي والحضاري للمملكة حيث مثّل جناح المملكة مخطوطات نادرة وآثاراً وفنوناً وحرفاً يدوية وكتباً ودور نشر محلية مصحوباً ببرامج ثقافية ثرية، يشارك فيها أدباء ومبدعون سعوديون، إلى جانب تقديم عدد من ورش العمل والجلسات الحوارية المتنوعة، بما يساهم في التقارب المعرفي، والتبادل الثقافي والحضاري بين المملكة والشعب الهندي.
ويُمثّل السعودية في معرض نيودلهي للكتاب هيئة الأدب والنشر والترجمة، وهيئة التراث، وهيئة الموسيقى، وهيئة الأفلام، وهيئة فنون الطهي، وهيئة الأزياء، إضافةً إلى دارة الملك عبدالعزيز. ويُنظم الجناح السعودي ضمن برنامجه الثقافي ندوات، وجلسات حوارية، بمشاركة أدباء سعوديين، للتعريف بالمواهب والإبداعات الوطنية، واستحضار الثقافة السعودية.
إن الكتابة هي تعميد حضاري لعلاقات المكان والإنسان لمواصلة بناء المنجزات الإنسانية في صورها المختلفة.. والسعودية الآن تؤكد ذلك الوصل من خلال مشروع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بإنشاء ممر اقتصادي يعزز التبادل التجاري، ويعزز أمن الطاقة العالمي.. الذي يبدأ من الهند وتترامى أطرافه في أوروبا، وهو الخط أو الممر الذي سيكون له دور كبير في ترتيب القوى العالمية التي سيكون فيه البلدان (السعودية والهند) صاحبي التأثير العالمي، ولن يكون هذا التأثير إلا من خلال الثقافة العميقة والاثر الحضاري الأعمق.
[ad_2]
Source link