[ad_1]
راحت العروس، والأب خبث له ما طاب، وما معه شيء ينفّس عنه إلا القصايد، وليلة المرواح عبى قصيدة عرف العريس مغزاها، وتلوّن وجه رحيمهم، فشده من مسبته وظهر به فوق الجناح، ونشده وش قصد أبوك يوم يقول (يا كم بعد تتلي الزفرات يا بو غباين، ما سرتك نطة الشبرين والساق عاري)، فقال: اغد أنشده.
مات الشايب، بحسرته، وتولى (بو محزم) شأن البيت والوادي، والرجال ما هو دون شيء، وفي نهار مغلتم، عصب العمامة على رأسه، واستندر المصلبة، من ورا المصراع، وطلب من عصيبه (رُبّ التنكة) يشيل السحب، وينبّ النسوان، يلحقنهم بالذرو، والثيران، فنفر فيهن، هياكنه ما عاد معنا من البغرة إلا اليوم، وانتشى (بو محزم) بمنظر الغيوم وشلّ بالصوت (يقول حميد ابن منصور، البغرة جد الزراعة) حطّ المصلبة عن كتفه وعلقها في اللوزة المطرفة، وانصرف يلقط بعض الحجارة المتساقطة ويردها في جدارها، وكانت جبهته تُشِع وضاءة، فيما يتتابع العرق، من الأخاديد التي حفرها الزمن على وجهه، وانشغل بالعمل ومسح القطرات، بظاهر كفه، وشال بطرق الجبل (أوّيه يا وقت الصبا يا مسرعك فيت، ما امداني تهنيت، وانا بما يكتب لي الخلاق راضي).
تلاحقوا بعاملتهم وزاملتهم، في الشعب، فقالت زوجة العصيب، معي ردود على بدعك، فقال اسلمي، قالت (وفيت يا جار الوفا معنا وكفيت، الله ينولك ما تمنيت، يعطيك من سابع سما لا سبع راضي)، فقال: على رأسي، وطلّق يا أول قبضة من الحنطة ما يذراها إلا هي. فسأله زوجها، وش أغداك تطلّق؟ فقال: مرتك ايدها بِركة، ما هي كما ناس في بالي، فسمعته، زوجته المقبلة بالثور حميران، فقالت: وشبهم اللي في بالك بالوا في ثمك؟ فجاوبها بزفرة، عراقيب فقر الله لا بقّى منهم واحد، فرمت حبل الثور وعوّدت للبيت، فعلّق: الله لا يلقيك خير، ونظرت إليه زوجة الجار بطرفها الأكحل وتبسّمت، وقالت: دخيلك ردها تعاونّا، فقال: خليها بتسوي الفال وتجيبه، وفي مرواحها خير، أرب الله يتبارك محرثنا.
ركّبت بقدرها فوق الطباخة، وشخطت بالكبريت، فبقّت فيها، ولحقت النار الشيلة، ولطيت في طرف خدها، فتداركت نفسها، واستعانت بجارتهم (خضراء) فبشّرتها بالسعد، وجاءت بالوزنين وبالدافور، وجهزوا المرقة، وقلعت خبزتها من الملّة، وحمّت السمن على الرماد الساخن، وتناولت القشبي، وأدرجت الخبزة في إحرام، ورتبت حلّة المعرّق، وطاسة السمن، وانتبه (بو محزم) إنها مقبلة، فالتهى عنها بقيادة الثيران من خزامها عشان ما تحرف الخُط.
وهم يتفاولون، قامت وفكت المصلبة والسحب عن الثيران، ووضعت أمامهما حزمة قضب، وعقدة قصيل، وهي تحلّ عقدة المصلبة من تحت الغبب، تشمشمها حميران، فعلّقت زوجة (رُبّ التنكة) يعرف ريحتك ثوركم؟ فردّت عليها، ماني كما اللي تعرف ريحتها كل ثيران القرية، فاحمرّ وجهها، وحنست الفال، فأقسم عليها (أبو محزم) لتكمل فالها، ونهض وعمد زوجته، وما هِلا قرب منها، حندرت عيونها فيه، فنزل السند يعني إنه يريق الما.
عادت (عزّة) بالغنم مع الغروب، ولاحظت أمها إنها ما تقدر تتكلم، ضربها أبو اللحى، وفك لحيها الأسفل، فسمّت عليها، وشبّت كوم من قرض، وسدحتها جنب الملّة، وعاد أبوها عقب صلاة المغرب، وما غير شاف بنته، قال: قطع الله ايد اللاش، وكان ينشدها لا يكون أحد من بنات الحرام نذّر بك، وإلا صكوك بعين، وإلا تخطريت دمّ؟ والبنت تدير رأسها يمين ويسار يعني لا، فتناول عكة السمن من الوتد، وقال: افتحي ثمك، وعصر من العكة لين فاض السمن من شدوقها، وزاد الحطب في الملة، والداخنة، حرّكت البقّ، فتقاطر على الجدار كأنه قافلة عابرة لبيت الجيران، وكان الابن الأصغر يغمّز كفّ عزة، وينشدها، منين يجي البقّ، ولأنها ما تستطيع تجاوبه، تبسمت، فقال أبوه: يا كثر غلبتك، ويا قُل منفعتك، ثم جاوبه: تجي من النسمة ومن الزرى وقلة النظافة، فسأل: أي نسمة؟ قال: نسمتك ونسمة أمك، وما سمع إلا قِريط سنونها، فقال: فكونا من البقّ، خلونا في بنت الرحمن.
بقي في خدها أثر، والمسكينة، ما ودها أحد يشوفها، مخافة أن يتشفون في أمها، أوصاهم الشايب، يبعدون عنها (الميراه) وقال: آهي لو تمارت وشافت وجهها بتصيح وتنوح، وتعمدت جارتها (الملعوطة) تسترق ميراة أمها، ومدت بها لها من فوق الجدار الفاصل بين البيتين، تناولتها (شمسة) وشافت وجهها، فانخرطت في البكاء، وتنفّخت عيونها من كثرة ما ندبت حظها، وقالت في نفسها (ما عد حاد بيأخذني وانا شدقاء).
أقبل شقيقه (بو محشم) وصهّر فيها لولده (حشيم) وقال لهم: ترى دواها عندي، كيّة جنب صفحها برأس المسمار، وما تشوف إلا العافية، فدقت أمها بذيك اليمين ما تكويها، وسأل أخوه: وش قولتك، نكويها وإلا أقفي لأهلي، فجاوبه: اقف اقف الله يتقفاك بالخير، وما غير خرج، انهدت عليه، وفقدت بالبنت والولد، ما يعطي بنتها ولد أخوه، ولا يأخذها إلا ولد أختها. قال: لا تصكين نصيبها يا المقرونة، فقالت: يمين ودين ما تحلّ عليه، لو تتنكس على رأسك، وأدخلت اصبعها في فمها وبللته بريقها وقالت: هاك زعرّة ترحّب به، فتناول شُقاقة حطب بجواره، وكاد يحذفها بها إلا أنه خشي تردها عليه، وتهين كرامته قدام عياله، فرمى الشقاقة، وقال: عُذ بالله من ابليس وذراريه ونسوانه.
طلب مصفاة القشر، ومدد كراعينه طرف الملّة، وتذكر وصايا أبوه، وعلّق: السود فالي ليتني طعت شورك، سألته: بيش شار عليك الله يلحقكاه، فقال: قال.. لا تعطي نفسك هواها، ولا تفتح عينك على مداها، ولا تأخذ حرمة عشاها ما يلحق غداها، قالت: وليش ما خذت بشوره؟ فقال: قلبي أعمى، من يوم كانت أمك تركبك ورايه فوق الحمارة، وترسلنا نطحن الحبّ، وإنتي تتعشلقين في ظهري، وتنفخين في إذني، فانعميت الله لا يعمي لنا بصيرة.
ضحكت وقالت: تخبر يوم خرجت علينا البسة السوداء، وخرعت الحمارة، وطيحتنا في العقشة، ونثرت حبنا، قال: كيف ما أخبر، وأنا نسيت الحمارة وقعدت أنقشك من الشوك، فقالت: إن كان تدوّر لرضاي، البنت لا تقبل فيها ولا صهارة، فهزّ رأسه.
التقاه أخوه في مسراب المسيد، فقال: انحن على كلامنا يا بو محزم، وعديّ الدور أجيك بالمهر، فردّ عليه، بخجل ما وافقت عزة على حشيم!! فقال: بنت العم لولد عمها، فقال (بو محزم) دخيلك تفكنا من اللبشان، الفُقة خير من القالة، وأنا معيني آخذ قالة عند النسوان، فعلّق أخوه: حليلك يا الضعيف، إن كان قلّ مقدارك في دارك، فمنين بيجي لك مقدار عند الجماعة؟ قال: زاد مقداري، نقص مقداري، ما دام في داري، وما أحد داري ماشي خلاف، وترى اللي يعيّب أخوك يعيّبك، مثل ما قال المقوّل، فتركه (أبو محشم) ومشى وهو يردد: لا بلاني ربي بما بلاك.
[ad_2]
Source link