[ad_1]
يشيع في الخطاب النقدي انتقاد ما يسمى بـ«تسييس الدين» و«تسييس العلم» و«تسييس القضايا الاجتماعية» و«تسييس الرياضة» وغيرها من المجالات التي يتم انتقاد توظيفها لغايات سياسية أي تتعلق بغريزة السلطوية بشكل يحرفها عن غاياتها الأصلية، ودائماً يعتبر تسييس أي مجال مفسداً له ومخلاً بمصلحة الناس فيه، فما هو أصل التسييس؟ وما سببه؟ للإجابة عن هذه الأسئلة قام علماء السياسة بدراسة سلوكيات الحيوانات التي لها علاقة بالسلطة، لأن الإنسان مكون من طبيعتين مختلفتين؛ طبيعة دنيا لا واعية وتتمثل بنوازع الأنا البدائية الغرائزية وهي المشتركة مع الحيوانات، والطبيعة الثانية هي طبيعة عليا فكرية وجدانية أخلاقية روحية ربانية واعية يتفرد بها الإنسان، وغالب الناس مسيرون بالكامل بالطبيعة الغرائزية البدائية اللاواعية، ولذا لفهم ظواهر كالإرهاب والحروب والسياسة يجب مطالعة برامج سلوك الحيوانات، حيث وجد العلماء أن جميع تفاعلات وعلاقات جماعات الحيوانات تتمحور حول السياسة حتى أبسط السلوكيات مثل «تفلية» القرود شعور بعضها، فهي من قبيل التملق السياسي الذي يقوم به الأدنى مكانة لاكتساب الحظوة لدى الأعلى مكانة في تراتبية السلطة، ولذا التسييس هو نمط غرائزي تلقائي لا واعٍ، بينما عدم التسييس هو نمط يتولد عن الفكر الواعي، وأقدم من تحدث عن هذه الحقيقة الفيلسوف الصيني «لاوتسو» والذي قال إن السلطة المثالية هي التي لا يشعر الناس بوجودها، وإن التسييس له مثال الطبخة التي تكثر فيها أيدي الطباخين ويكثر تقليبها بشكل يفسدها. والإرهاب من أمثلة الفساد الذي لحق بالخطاب الديني من جرّاء تسييسه، وأيضاً فشل الدول في توفير الخدمات الأساسية كما هو الحال في لبنان هو نتيجة لتسييسها، وبالمثل القوانين التي تضطهد النساء والتي أصلها تسييس العلاقة بين الجنسين وإرادة جعلها سلطوية بدل أن تكون اجتماعية وإنسانية بحيث فرضت قوانين تعيد الزوجة بالإكراه عبر الشرطة إلى بيت الزوجية ضد إرادتها، والتيار اليميني عموما هو تيار يسيّس كل القضايا ولذا هو سلطوي وحله لكل المعضلات هو أشبه بالمثل القائل من كان مطرقة رأى كل الأمور حلها بالطرق، ولذا حلول التيارات اليمينية دائماً تجعل الأمور أسوأ كما هو الحال مع تسييس الأوضاع الإنسانية للفلسطينيين واعتبار الحرب والقبضة الأمنية الخانقة وسيلتي الحل لمعضلاتها، بينما التيار اليساري يعارض التسييس ويرى الأمور بمنظور موضوعي واقعي إنساني، ولذا له القدرة على حل المعضلات بشكل حقيقي، ولذا على سبيل المثال التيار اليساري في إسرائيل يعارض الحرب على غزة والقبضة الأمنية الخانقة للحكومة الإسرائيلية، ويعتبر من أكبر أنصار الحقوق الفلسطينية، ولذا غالب القضايا المستعصية على الحل بالعالم ستنحل تلقائياً إن تم تخليصها من التسييس، ومما يساعد على ذلك إحلال طبقة التكنوقراط / الخبراء/ المتخصصين محل الطبقة السياسية التي احترفت التسييس لكل شيء، وإحلال فئة المفكرين اليساريين محل المعلقين اليمينيين الذين يعتبرون جزءاً من المشكلة بنشرهم منظور التسييس للقضايا المختلفة بدل الحديث عن أسبابها وحلولها الموضوعية، وتسييس أي قضية يعني أن تتحول إلى كرة يتقاذفها اللاعبون السياسيون، ولذا لا يمكن التوصل إلى حلول فاعلة واقعية لها أبداً، والتسييس يحول السلطة من وظيفة خدمة رفاه الإنسان إلى خدمة المكاسب السياسية للاعبين السياسيين، والعرب من أكثر الشعوب معاناة من التسييس بسبب شدة ولع ثقافتهم بالسلطوية، وتغيير هذا الحال العقيم يتطلب ثورة فكرية ثقافية تحرر كل القضايا والمجالات العامة من التسييس، فهذه الخطوة الأولى الأساسية لإيجاد حلول جذرية ناجحة للمعضلات العالقة، وبالنسبة لإسرائيل فالأمل الوحيد للفلسطينيين هو أن يؤدي فرط تجاوزات الحكومة اليمينية الحالية إلى ترجيح كفة اليسار الإسرائيلي.
[ad_2]
Source link