[ad_1]
•• حين جاءني ذلك الصديق المتقاعد متوجعاً من الوحدة؛ تذكرت نصيحة قديمة لأمي، شفاها الله: «تحصَّن بنعمة الحياة، فإذا جعلتها جنة ستمنحك الارتواء في كِبرك».. تساءلت بعد خروج صديقي من مكتبي: لماذا ينكفئ بعض المتقاعدين على أنفسهم كأشجار يابسة؟.. ولماذا يجعلون حياتهم الجديدة بإيقاعاتها الجميلة أصعب من فلسفة القبور؟.. لماذا لا يشكرون الخالق أن مد في أعمارهم ليدخلوا قائمة السابقين بالخيرات.
•• من المؤلم أن بعض المتقاعدين يبدِّلون علاقاتهم بذواتهم فيصبحون مثل أحجار صغيرة على قاع قبر.. لا يستطيعون غسل وحدتهم ليصبحوا سجناء بلا أقفاص.. يتكومون على أنفسهم فيسحقون أعصابهم ليغرقوا في ظلام اللحظات الثقيلة.. ينتابهم انكسار موحش وكأنهم يعيشون في عالم من صفيح.. يلاحقهم الخوف من الناس فيختبئون وراء جدران بيوتهم.. سيقانهم متخاذلة عن السعي، منتظرين تعاطف أناس تقاعد عنهم الإحسان.
•• في دنيانا الفانية؛ هناك متقاعد يرى الحياة مبهرة وكل شيء فيها مُبهج، وآخر يغرب عنه جمالها مع بداية ضوء الفجر.. وهناك متقاعد ينام ليلاً والأمل يفوح منه ليلقى مكانه في الحياة نهاراً، وآخر يتسكع شيطانه أمام عينيه؛ قنوطاً وخيبة وسأماً.. وهناك متقاعد يحوِّل حقل التجاعيد حول عينيه لأفراح تنثر البهجة، وآخر يجعل شعرات حاجبيه البيضاء كحبات كرز تدغدغه ليسعد بالحياة.
•• الحياة تحمل للمتقاعد وغير المتقاعد؛ بؤساً وعافية، وحزناً وفرحاً، وألماً وأملاً.. فمن يتفنن في تطييب حياته يعش سعيداً، أما من يراقبها بكسل سيصبح كحصيرة تداس بالأقدام.. ومن يزيِّن حياته بالتعوذ من سوء الكِبر سيجلس تحت مظلة البهجة المضيئة، أما من ينتظر صدقات الناس ليشتروا منه حزنه ويعالجوا مشكلاته سيبقى في نحيب أزلي، فتترسخ لديه مقولة «العذاب يمر من هنا».
[ad_2]
Source link