[ad_1]
في حوارنا معه أثرنا العديد من القضايا والأفكار، وخرجنا بهذا الحوار الفكري حول الإخوان المسلمين والأمن الفكري والكتب التي لا تصمد أمام النقد.. فإلى نصّ الحوار:
• دعنا نبدأ من الأمن الفكري.. بماذا تُعرّفه؟
•• الأمن الفكري هو مبحث لحماية وعي المواطن بما يتفق مع الهوية الوطنية، ورعاية النسيج الاجتماعي، والانتماء إلى الوطن والدولة؛ أي حماية مجموعة المنجزات السعودية في وجه الأنساق الدعائية الموجهة لاستقطابه وفق أجندة معينة، هذه الخطوط العامة هي ما يعمل عليه الأمن الفكري، وأفضل طريق للوصول إلى نتائج مرضية في هذا الباب، هو المنهج العلمي، لذا فإنَّ الأمن الفكري علم مجمّع من فروع تخصصية متنوعة مثل علم الجريمة، فعلم الجريمة استعان بمجموعة من العلوم لغرضه الأساسي الذي يكمن في الكشف عن الجرائم، وبهذا يسعى لحصارها وتقليلها، وتحقيق سير العدالة، فاستعان بالمختبر، وعلم النفس، وعلم الاجتماع، والقانون، وهكذا الأمن الفكري، فإنه يستعين بالمناهج الحديثة لتحقيق أهدافه، في تحليل البروباغندا؛ وهي التي نشأت طرق تحليلها في القرن الماضي حين عانى العالم من حربين كبريين، ومن صراع دعائي وأيديولوجي في الحرب الباردة، بما يجرنا إلى علم التاريخ للكشف عن أصول الدعايات المضادة، ومن علم السياسة بما يبحث في الأهداف المحتملة للدعايات التي توجه للمواطن.
وكثيرة تلك الدعايات التي توجه، على سبيل المثال هناك جماعة الإخوان المسلمين، بأفكارها، التي تحتاج إلى تحليل وتفكيك، ونقد، وفهم لأغراضها السياسية المرحلية والإستراتيجية بعيدة المدى، ثم عرض النتائج على المواطن حتى يكون على بيّنة من أمرها وخطرها، وقد عمل العديد من الإخوان، مثلاً، في صياغة بعض المناهج الدراسية في عددٍ كبيرٍ في جامعات الدول العربية، هنا نحتاج إلى معرفة بأفكار الجماعة، ومناهج التعليم كذلك، للكشف عن التسرُّبات التي يضعونها في سلك التعليم على سبيل المثال، ولا يقتصر الأمر على هذا بل نبحث في مختلف المجالات التي تحاول بها الجماعة اصطياد فرائسها من الشباب عادة ما بين 14 و20 عاماً هؤلاء الذين تتحرّق لضمهم إليها الجماعات المتطرفة المتنوعة؛ ومن بينها الإخوان، لكنَّ الأمر لا يقتصر على جماعة الإخوان، فهو يمتد إلى اليسار الثوري، واليسار الليبرالي وغيرهما من التيارات التي لا تتفق مع هويتنا، وتسعى في دعاياتها لاختراق المجتمعات العربية عموماً، والخليجية خصوصاً.
• لماذا يربط نشطاء جماعة الإخوان المسلمين بين ابن تيمية وحسن البنا؟
•• عانت جماعة الإخوان المسلمين في بداية عهدها من العُزلة، فهي لا تمتد إلى مؤسسات قديمة في المنطقة؛ مثل الأزهر على سبيل المثال، فحسن البنا لم يكن حاملاً شهادة شرعية، ومَن حوله كانوا مجرد حرفيين، لم يتلقوا تعليماً عالياً، ولم يكونوا قد اطلعوا على مرتكزات يصورون من خلالها دعاية بأنَّ لهم جذوراً ضاربة في التاريخ الإسلامي القديم، شاب صغير يتحلّق حوله مجموعة من الشباب، ويقولون إنَّ همهم إزالة مظاهر التغريب في مصر، هكذا بدت الصورة في أولها، لكن لاحقاً تزايد أعضاء الجماعة، وسعوا لضم أكبر عدد ممكن في مختلف المرافق في المجتمع، كونهم جماعة شمولية، وقد واجهوا نقصهم في الأفكار، إذ لم يقدّم البنا طرحاً علمياً شرعياً -على سبيل المثال- حتى يُحال إليه في البحوث والدراسات، ولا هو منظّر سياسي، ولا هو صاحب قلم ثقافي يُشار إليه، لكنّه صاحب طموح سياسي طاغٍ، وحاول أن يحاكي طريقة السلاطين الأتراك بصبغ نفسه بطريقة دينية فكانوا يصفونه في البداية بالمرشد الكامل، كأنه رأس لطريقة صوفية، لاحقاً جرى التعديل على هذا الوصف لما يوحيه من مبالغة تقترب من ادعاء العصمة إلى المرشد العام للجماعة، ولا تنسَ أنه عاش في مرحلة متفرعة عن الحكم التركي لمصر، لذا تجد صوره بالطربوش التركي، ولم تكن الثقافة التي تفرّعت عن مشايخ السلطنة العثمانية معنية كثيراً بالمذهب الحنبلي الذي نشأ فيه ابن تيمية، إذ كان أقل مذهب يدرس في الأزهر، والعناية بتراث ابن تيمية بين الحنابلة في مصر كانت موجودة بين الحنابلة في القرن السابع عشر؛ مثل مرعي الكرمي، لكن لاحقاً اهتم محمد رشيد رضا (ولد في لبنان وقدم إلى مصر) ببعض رسائل ابن تيمية وطبعها، واطلع البنا على شيء من أفكار رشيد رضا، لكن لا تجد في كتبه تأثراً بابن تيمية، لاحقاً دفعت الأحداث السياسية جماعة الإخوان أيام حسن الهضيبي إلى التعاون مع الضباط الأحرار في 1952، وحينها تم تحويل مصر من ملكية، إلى جمهورية، ووقع صدام الإخوان مع جمال عبدالناصر؛ الذي كان مع الإخوان في سابق عهده، ثم اختلفوا في ما بينهم لأنَّ الإخوان كانوا يريدون حصة أكبر في الحكم في السياسة، حتى تلك المرحلة لم يكن الإخوان متصلين بابن تيمية، ولا يقدّمون أنفسهم على أنهم متأثرون به.
لكن في مرحلة صدامهم مع جمال عبدالناصر، زاروا السعودية، وقد كانوا ملاحقين في مصر، فوجدوا فيها مأمناً، ولكنّهم لم يكونوا يودون الكف عن نشاطهم حتى في الدولة التي استقبلتهم خائفين، فوجدوا اسم ابن تيمية حاضراً فيها، وبهذا صاروا يطالعون كتبه، ووجدوا في ضخامة ما أنتج الرجل ما يمكنهم من اقتصاص الأفكار، ونسبتها إليهم، أو الادعاء بأنهم مدرسة لها جذور عميقة ترجع إلى القرن الثامن الهجري، والواقع أنهم ما استعملوا اسمه إلا ليستقطبوا عناصر جديدة في الخليج، ممن يحترم هذا الاسم، وهذه الطريقة يتبعونها في مختلف الدول، لذا تجدهم تعلقوا باسم أحد الصوفية في تركيا؛ وهو بديع الزمان النورسي للانتشار في تركيا بالادعاء بأنهم يحترمونه، وتعلقوا باسم محمد الصدر حيناً من الدهر للانتشار في العراق، فهم سياسيون، وتعاملوا مع كل منطقة على حدة، فكل اسم يجدون له قبولاً في منطقة يصوّرون كأنهم يحترمونه ليتدرجوا إلى ضم أكبر عدد ممكن من أبناء تلك المنطقة إليهم، ويمكن اعتبار عمر التلمساني المرشد الثالث للجماعة في زمن السادات، هو الذي سوّق الارتباط بين البنا وابن تيمية، لأهداف دعائية.
• هل دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب دعوة دينية فقط؟ أم أن هناك جوانب أخرى غفل عنها الدارسون؟
•• دعوة الشيخ محمد، لها تأثير مهم في هوية المنطقة الخليجية عموماً، والسعودية خصوصاً، ومن أهم الجوانب في هذه الهوية، أنَّ الشيخ محمد لم يؤسس جماعة على غرار الجماعات الإرهابية المتنوعة التي أخذت على عاتقها تغيير الوضع الاجتماعي والسياسي، لتنصيب واحدٍ منها، إذ لم يكن للشيخ طموح سياسي، ولذا سلّم بالشأن السياسي لآل سعود، هذا الفرق الواضح والأساسي مهم في فهم أنَّ الادعاءات التي قيلت لاحقاً بارتباط جماعات أيديولوجية وحزبية وسياسية بدعوة الشيخ، إنما كانت تمارس الاستغلال لاسمه، لأنَّ الرجل لم يعمل وفق تلك الطريقة، وليس في دعوته ما ينازع السلطة السياسية صلاحياتها، بل أعطى الأمر لأهله، وأمر بطاعتهم، ثم خدم في جانب الدعوة، التي يمكن أن تناقش حينها الفكرة بالفكرة، لا إشكال في هذا، لكنَّ هذا الحد الفاصل كان واضحاً في دعوته، ويختلف الأمر عن حسن البنا على سبيل المثال؛ الذي كان القائد السياسي لجماعة الإخوان، وهو المرشد الديني في الوقت نفسه، ففي وضعية مثل جماعة الإخوان يختلط دور الداعية بالسياسي، لذا فإن توحيد البلاد في السعودية، كان بعمل سياسي، تحلّق حوله من والاه من أبناء دعوة الشيخ محمد، هذا لوحده يهدم المقارنة مع جماعة مثل الإخوان، التي نشطت في بيئة مليئة بالأحزاب المصرية حينها، ونازعت الأحزاب بلغة دينية، وامتد الأمر بها إلى أسلوب إنشاء تنظيم خاص مسلّح، لقد أنشأوا دولة داخل الدولة، وحينما كان يتم التعرّض لأحد منهم لمساءلته قانونياً يفجرّون المحكمة! وحينما يجتمع حسن البنا مع التنظيم الخاص يقول لهم إنَّ دية البريء الذي قتلوه تعتبر دية خطأ وقد سقطت عنهم؛ لأن الدولة نفسها أعطت أهل الفقيد تعويضاً مالياً، وهذا ثابت تاريخياً، فنحن هنا نتكلم عن طريقة هي أشبه بالجريمة المنظمة لكنّها استعملت لغة دينية لأهداف سياسية، فيختلف هذا عن دعوة دينية مهما كانت مواضع المتفقين معها أو المختلفين معها، إذ كان الحد الفاصل بين دور الداعية والسياسي واضحاً، وهو ما أثر لاحقاً في أبناء المنطقة كما ذكرت.
• الطعن في الحكومات واصطفاء الشعوب، هل هي دعايات لاختراق المجتمعات العربية عموماً والخليجية خصوصاً؟
•• حتماً نعم! المجتمعات الخليجية نظام الحكم فيها ملكي، وهو ما أزعج الإخوان واليسار ومختلف التوجهات الثورية، التي سعت دوماً لهذه الطريقة بالقول: إنهم ينالون من الحكومات فقط، ولا يتكلمون عن الشعوب أبداً، كأن الحكومات في الخليج منفصلة تماماً عن شعوبها، كأنه توجد دولة دون شعب، يصورون الدولة على أنها احتلال خارجي، لقد استعملوا هذه الطريقة لهدفين اثنين:
1- إحداث شرخ بين الحكومة والشعب، فهم ينالون من الحكومة وفق ادعائهم دون الشعب، وذلك لكي يمرروا ادعاءً زائفاً، يتمثل في أنَّ الدولة تناقض شعبها لا أنها تشكّل امتداداً له، وتعبيراً عنه.
2- تمجيد الشعبوية: فهم حين يمدحون الشعب، ويقولون نحن ننال من الحكومة فقط، إنما قصدهم تضليل الشعوب لأهدافهم: ليكونوا وقوداً للحرب التي يسعون فيها لإسقاط الملكيات في المنطقة، وهذا يعني أن تنقسم هذه الشعوب إلى أحزاب، ثم إلى أحزاب مسلّحة لإسقاط الدولة، على الطريقة الفرنسية في القرن الثامن عشر، والروسية في القرن العشرين.
ولذا فطن المواطن لهذا، وعلم بأنَّ استهداف دولته إنما هو استهداف له، إنما يريدون أن يحدثوا كل هذه الجلبة حتى يتمكن الإخوان من الوصول إلى الحكم في بلده، أو اليسار الثوري، لا لأنَّ أحداً من هؤلاء فكّر في مصالح هذا المواطن، لقد فكروا وفق أجندتهم الخاصة المعادية للخليج، وفي الأمن الفكري، بالاستعانة بأركيولوجيا الأحزاب السياسية في المنطقة العربية في القرن العشرين، فإنَّ جماعة الإخوان تعتمد على موقف الشيوعيين، ولك أن تتصور أن الإخوان الذين يصورون أنفسهم كأنهم ضد الشيوعية، رددوا ادعاءاتها باشتراكية النفط على سبيل المثال، وقيام يوتيوبيا شعبية بإسقاط الملكيات.
• خطابات الإخوان المسلمين في الغالب لا تصف المخالفين بالكفار بل تصفهم بالمنافقين، لماذا؟
•• لأنهم لا يجدون دليلاً على ادعائهم، فالكفر بيّن، كما في الحديث «إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان» لكنّهم لا يجدون أدلة على كفر من تكلم فيهم، فيصفونه بالنفاق، ويدّعون أنهم عرفوا ذلك بلحن قوله، رغم أنَّ المنافق يبطن الكفر، ويظهر الإسلام، ويُعامل في الإسلام معاملة المسلمين في الظاهر، فيحرم دمه، وماله، وحسابه على الله، إلا أنّهم يريدون من هذا إعدامه معنوياً، لذا تجد أنهم يقيسون أنفسهم على النبي صلى الله عليه وسلم، ويجعلون من تكلّم فيهم كأنما عرّض بالنبي صلى الله عليه وسلم! في الواقع أن هذه الطريقة تكذِّب ادعاءهم بأنهم حريصون على الديموقراطية وحرية الرأي، فهم أشد الناس على خصومهم، ولا يتورعون في هذا أبداً، فيطعنون في كل من تكلّم فيهم، في حين يرفعون كل من هو معهم، حتى لو كان فيه أشد أنواع الموبقات.
• لماذا يُشاع ذكر العديد من الكتب كـ(مآلات الخطاب المدني) و(العلمانية) و(العقلية الليبرالية) و(الخلافات السياسية بين الصحابة) وغيرها الكثير، من خلال تقديمها، والدعاية لها، والتعظيم من شأنها؟
•• انظر في حال المؤلف، فهؤلاء القوم لا يعنيهم ما يقال، بل من يقول، يحرصون على أن يكون من جماعة الإخوان المسلمين، أو أنه سجن في دولته، لذا تجدهم يرفعون هذه الكتب وغيرها، متى كان مؤلفها سجيناً بتهم مرتبطة بالإرهاب والتطرف، أو أنه نشط في الجماعة، إنَّ نوعية المؤلفات التي يريد الإخوان لأنصارهم أن يقرأوها إنما هي حلقة دائرية في الفكر، وهي ما يسمى بـ(الدوغما)، الإخواني يحيل على الإخواني، وتكثر الكتب ولكنَّ مردودها العلمي صفر! إنما تزرع أيديولوجيا، باعتبار أنهم مظلومون، ففي قرن من تجربة الإخوان السياسية، كان الإخواني لا يسمع عن تجربة الإخوان سوى أنَّ العالم ظلمهم، لذا يحقدون على كل العالم، لذا فإنَّ المثقف فيهم هو من يعتقد أنه يحوز مؤلفات كثيرة للتيار نفسه، رغم أنَّ هذا لا يصنع مثقفاً، إنما يجعله يردد عدداً ساذجاً من الأفكار غير المترابطة، التي وضعت لهدف دعائي وهو تمجيد الإخوان ومشروعهم التخريبي في المنطقة، والغل والحقد على كل من يخالفهم، هذه الكتب لو وضعت تحت عين النقد، لا تصمد أبداً، كما فعلتُ مع كتاب «مآلات الخطاب المدني» حين تعرّضتُ لأهم ما فيه، وغالب من استثارهم النقد من أنصاره، لم يعرضوا فكرة واحدة يمكن أن يناقشوا فيها، بل كانت ردودهم من عينة من أنت لتنقد المؤلف، لأنهم محصورون في زاوية تجعلهم يرون أنَّ المهم هو المؤلف؛ هل هو معنا أم علينا، لذا لا غرابة متى جعلوا هذا في من ينقد كتبهم، ويسألون السؤال نفسه، فنحن أمام تحشيد، لا تنوير ولا معرفة.
وكنت قد تعرّضت لجانب مهم لفهم هندسة الدعاية الإخوانية، فهم حين يمجدون سجيناً، على سبيل المثال، فإنما يمهّدون لأنفسهم الزعامة في هذه التيارات، فهذا السجين مغيّب لن ينازعهم على منصبهم في الجماعة، فيعظمون من شأنه، ليجعلوا من تسويقهم له، سوقاً لهم، وبهذا يصير التابع يسألهم: لمن يقرأ، وكيف يفكر، ويعرض عليهم آراءه، ويراهم محل تصويب له، وهذا ما يريده الإخواني، أن يسلمه التابع عقله، وبهذا يصبحون قادة عليه.
• كتبتَ عن «غوغاء المرحلة».. من هم؟ وما أبرز سماتهم؟
•• غوغاء المرحلة، هم أولئك الذين يتصدّرون في كل أزمة وكارثة، لا هم أفادوا المنكوبين، ولا هم جزء من المنقذين، بل يجيّشون الناس لمشاريعهم الحزبية، وأوضح مثال على هذا ما شهده الجميع في الحرب الأخيرة على غزة، صار كل من يتعرّض برأي لا يعجبهم يخوّنونه، وامتد بهم الأمر إلى إطلاق شعاراتهم ضد الدول العربية، فهؤلاء لا يمكن أن ينشطوا في وقت استقرار، لا شيء لديهم يقدمونه في مجتمعات مستقرة، لا في مجال العلم والمعرفة ولا غير ذلك، لذا ينتظرون حدثاً يهز وجدان الناس، حتى ينطلقوا بخطاباتهم وشعاراتهم الرنانة التي لا تحمل سوى الحقد على كل مخالف، فيتهمون الآخرين بالخيانة! وهذه الطريقة استعملوها مراراً في كل حدث، وأزمة، وحين تنظر إلى حالهم، تجد أنهم لا يقدمون شيئاً، هذا يسترزق من مقاطعه، وذلك من كتاباته، ثم ينجرون في وجه مخالفهم، ليزعموا أنَّ لديهم انتماءً أكثر منه للقضايا العربية الإسلامية، رغم أنه قد يفوقهم لكنه يستعمل العقل والحكمة، ولا ينادي بحلول على حساب وطنه، ودولته.
• هناك جهود واضحة في شبكات التواصل اليوم للتفخيم والتعظيم من شخصيات وأسماء أيديولوجية معينة؛ كأن يقال «العلامة» و«الفهامة».. لماذا تفخم هذه الشخصيات من وجهة نظرك، مع أنّ واقعها قد لا يدلّ على شيء من هذا التفخيم والتعظيم؟
•• هو أسلوب تتبعه جماعة الإخوان ومن تفرّع عنها، لتمرير مشروع سياسي، حزبي، كأنه بريء تماماً، والقضية أمام علماء، على أنَّ من دفعت بهم الجماعة للتصدّر في الخطاب العلمي ضعيف تماماً، ومليء بالأغاليط، لذا يكرهون النقد، كونه يهدم الدعاية التي نشطوا بها، فيفخمون من شأن هؤلاء، فيحسن الظن بهم بعض المتابعين ممن ليس لديهم حصانة معرفية، ثم مع متابعته لمن انجذب إليه منهم يصبح إخوانياً وهو لا يشعر، كون هذا الذي يعظمه يمدح الجماعة، أو يقدم تاريخاً كاذباً عنها، ويزيف الحقائق، فيصبح يقلده دون أن يكون قد طالع كتاباً علمياً واحداً في تاريخهم، أو في عرض أفكارهم.
• كيف يمكن قطع الطريق على كلّ من يسعى لاختراق أمننا الفكري؟
•• بتعزيز أمننا الفكري، بمعرفة أنَّ الأمن الفكري ضرورة حيوية، ما الذي يحتاجه أي مرض أكثر من سقوط مناعة الجسم؟ هذا ما يفعله أخطر الأمراض وهو تدمير مناعة الجسم، وحينها يصبح الجسد معرّضاً للموت بأقل فايروس، فالتهديدات الحقيقية لهويتنا الوطنية، ونسيجنا الاجتماعي، والسعي لاستهداف الدولة والمجتمع، تواجه عبر تطوير أمننا الفكري، واستثمار العقول الشابة فيه، لتعلم بأنها على ثغر مقدّس، يحمي ديننا من السعي لاستغلاله في مشاريع التخريب والتطرف، ويحمي الأوطان والناس، ألا تلاحظ أن جماعات التطرّف تستهدف الأعمار الصغيرة، علينا أن نجعل مقابل ذلك إعداداً فعالاً عبر التعليم، والمحاضرات، والنشاطات المختلفة، ليخرج جيل متخصص في الأمن الفكري، ليس مجرد محب له، أو يتلمس الأخطار بعاطفته بل بإعداد تخصصي فعّال.
• هناك أسماء دعوية قُدّمت من خلالنا إلى العالم العربي والإسلامي بشكل مبالغ فيه، وكان نتيجة هذا التقديم أنّ هذه الأسماء والشخصيات انقلبت علينا حكومة وشعباً مع أول اختبار حقيقي.. كيف يمكن للأمن الفكري لدينا التصدي لمثل هذه الأخطاء؟
••لا بد أن يصبح لدينا مقررات في الأمن الفكري، تدرس في الطلبة للجامعة، وتصبح توصيات المتخصصين في الأمن الفكري معياراً مهماً للجهات الإعلامية، حتى نقلل جانب الارتجال، لصالح العمل العلمي الإستراتيجي، فحين تجد من يتم تصديره للواجهة لا ينسجم مع معايير الأمن الفكري لا يتم إبرازه، وبهذا فإنَّ لدينا مجموعة من الكفاءات تصبح خاملة الذكر لحساب من لا نأمن ما ينشره في الفضاء الإعلامي العام، الولايات المتحدة قامت بهذا في مواجهتها الأخطار السوفيتية، والاتحاد السوفيتي قام بهذا في مواجهة الدعاية الأمريكية، لذا نحن لا بد أن نحتكم إلى معايير دقيقة في هذا.
• «يعارضون دولاً ويريدون منها أن تقبل، لكنهم لا يسمحون لأحد أن يعارضهم».. من هؤلاء؟
••هذا حال الأحزاب الثورية، انظر على سبيل المثال ما سجله التاريخ عن ستالين، لقد تسبب بموت ملايين سواء في المجاعة أو عبر سياسته القاسية، في حين كان ينتمي لحزب قام بثورة في روسيا في بداية القرن العشرين من شعاراته الحرية، رغم أنه لا تجد في تاريخ روسيا شيئاً شبيهاً بمنع الحريات مثلما حدث في عهد ستالين، لقد منع كل ما يخالف سياسته حتى نظرية فرويد في علم النفس تم منع تدريسها في الاتحاد السوفيتي، كذلك الحال مع جماعة الإخوان التي استلهمت هذه النماذج الشمولية؛ سواء من النازية أو الفاشية في إيطاليا أو من الثورية الروسية، لقد نادوا مراراً بالحريات، لكنّهم على مستوى حوار شخصي يستحيل أن تدخل معهم في حوار تكون فيه مخالفاً، انظر البرامج الحوارية التي يعقدها الإخوان، لا بد أن يكون المقدّم منهم! ويثني على المجيب، لا أن يقدم سؤالاً مخالفاً، حينها ينقطع الحديث، ويصبح معرضاً لسوق التخوين، والرمي بالنفاق والكفر، والعمالة، هكذا هم الإخوان، حزب شمولي بشعارات ثورية، تدعو إلى حرية على مقاسها، حرية إنشاء مليشيات مسلحة، لا حرية تفكير.
• أخيراً: كيف وُجِد الإرهاب؟ وكيف يمكن القضاء عليه؟
•• الإرهاب سلوك يائس سياسياً، سلوك المرتعب من العالم، الذي يحسب كل صيحة عليه، هو الصرخة الأخيرة لمن لم يتأهل للعيش في هذا العالم، لا يستوعب فيه حركته، ورغم ما في الإرهاب من قسوة، إلا أنه يظهر رعب المنخرطين فيه من العالم المحيط بهم، لا يستوعبون أي جديد، هو نتيجة عدم هضم العصر الحالي بما يحتوي عليه من منتجات ليس على صعيد التقنية فحسب، بل على صعيد الفكر، والمعرفة، فيريد أن يحارب الجميع، إنَّ تعليماً جيّداً، يضمن تزييف أي سردية لجماعات التطرف، وتمكنه من أدوات نقدية فعالة في مواجهة الادعاءات المتطرفة، وأهم ما يجب التركيز عليه هو الأمن الفكري، فحين نراقب ما يتلقاه الجمهور، بمن فيهم أبناؤنا من أفكار، قد تبدو بريئة في بادئ الرأي، لكن علينا أن نفحص تلك الادعاءات ونزيف الباطل منها مبكراً، حينها نعلمهم القدرة على التمييز، والقدرة على الوصول إلى المعلومة، وفهم سياقها، نعلمهم أن تلك المقدمات التي بدت بريئة ليست بريئة تماماً، وأنها ليست مقدمات مسلّمة حتى يحتكموا إليها في بناء أيديولوجيا لاحقة، إنَّ الأمن الفكري يقدم توصيات جادّة ليكون التعليم دقيقاً، وليكون نافعاً للمجتمع، ولا يتوقف الأمر عند المتعلمين بل يشمل البالغين الذين يحسبون أنهم توقفوا عن التعليم، وأنَّ لديهم من المعرفة ما هو كافٍ، على أنَّ الإنسان يعيش ويموت وهو يتعلم، الأمن الفكري يعطيهم فرصة لتنمية معارفهم، والانخراط في المساهمة في مجتمع يعمل للصالح العام، بما يسمح لأبناء المستقبل لتجاوز الأخطاء التي سبقتهم.
كما أنَّ الإرهاب وُجد لخدمة سياسات بعيدة المدى، وهو ما يجب كشفه، عبر بيان الأهداف السياسية التي يطمح لها، إن وعي المواطنين وحزم الدولة هو ما أفشل مساعي الإرهاب في السابق في السعودية، وكانت النتيجة مذهلة للعالم، وشاهد الجميع كيف أنَّ ولي العهد، وهو الذي نشأ في مدرسة سلمان بن عبدالعزيز، بحزم وعلم، استطاع أن يضرب البنية التحتية للإرهاب، من منظّري التطرف، والساعين لاختراق التعليم ومختلف مرافق المجتمع، وهو ما يجب استثماره والبناء عليه، وتطويره، ليكون نموذجاً عاماً، ليس خادماً للسعوديين ولا دول الخليج فحسب، بل تصبح مستخلصاته نافعة للبشر جميعاً، الإرهاب وُجد من أيديولوجيا بُنيت على جهل في المعرفة العامة، قد يكون متخصصاً في مجال، كأن يكون طبيباً لكنه جاهل في معرفة تاريخ العالم وكيف وصل إلى ما وصل إليه اليوم، ولا يستطيع تقدير المنجزات البشرية في ما حوله، ثم وجد من استثمر سياسياً فيه، من دول وجهات سعت لتوجيهه لخدمة مصالحها، ويتحطم على صخرة الوعي، وحزم وكفاءة الدولة، وهو ما يجب أن يكون متطوراً دوماً لا يتوقف.
[ad_2]
Source link