[ad_1]
المؤتمر، هو دون شك، حدث ثقافي كبير، ومظهر انفتاح حقيقي غير مسبوق، نفهمه في إطار ديناميكية الإصلاح والتحديث التي تعرفها بلادنا منذ سنوات.
ويكفي الجهات الحكومية أنها وفرت الإطار الحاضن للمؤتمر ودعمته الدعم الشامل، وبقي دور الوسط الثقافي الذي أظهر في الأعوام الأخيرة اهتماماً كبيراً بالبحث الفلسفي.
كنت أتمنى أن يعالج هذا الاهتمام بالفلسفة من زوايا ثلاث سأختصرها لكم:
الزاوية الأولى تتعلق بطريقة الإعداد والتكوين، فليس من الصحيح أن مشكلة الفلسفة في السعودية سببها عدم تدريس هذه المادة المهمة في المسار التربوي؛ ذلك أن الفلسفة في العصر الحاضر نمت أساساً خارج الحقول الفلسفية التقليدية، وبصفة خاصة في الأدب والتاريخ والفكر العلمي والفنون والسينما. ومن ثم فإن الفلسفة تتقاطع مع كل هذه المجالات، وكان من المتوقع أن يكون إسهام فلاسفتنا من هذه المنطلقات، لا من شرح النصوص الفلسفية القديمة وحفظها، فلا أحد اليوم يجهل أن تأثير علم النفس كما صاغه فرويد واللسانيات التي أبدعها دي سوسير أكبر بكثير في الكتابات الفلسفية المعاصرة من أعمال الفلاسفة المحترفين.
الزاوية الثانية تتعلق بارتباط الفلسفة بالدين والعلوم الشرعية؛ فكثير من الناس يعتقد أن سبب العزوف عن الفلسفة هو سيطرة علماء الشريعة والعقيدة على المعرفة والثقافة، والحال أن أهم فلاسفة الإسلام كانوا فقهاء ومتكلمين كما هو شأن الغزالي وابن رشد وحتى ابن تيمية وابن القيم. فالفلسفة ليست متناقضة مع الشرع، بل إنها تتم كثيراً من داخل الإشكالات التأويلية والعقدية التي يطرحها النص والشرع.
الزاوية الثالثة تتعلق بالواقع، وآه من الواقع، فكثير من الناس اليوم يكتفي من الفلسفة بأسئلتها النظرية المجردة دون الغوص في أوضاع المجتمع وما يطرحه من أسئلة جوهرية وما يعرفه من تحديات كبرى، وذلك هو عكس المنهج الفلسفي الصحيح، سواء تعلق الأمر بالفلسفة القديمة أو الحديثة. فأفلاطون في كتابه الجمهورية شخَّص واقع الديمقراطية في أثينا، وبحث لها عن حلول عملية! وهيغل كان يقول إن قراءة الصحف هي صلاته اليومية، وإن الفلسفة ليست سوى التفكير في الحدث الراهن! وماركس هو الذي قال إن المطلوب هو تغيير الواقع لا محاولة تفسيره.
إن فلاسفتنا للأسف لا يزالون بعيدين عن هذه الروح الفلسفية الحقيقية، فأكثرهم اليوم يلخص كتباً منتشرة ومتوفرة للعموم بالمكتبات، لا يبدع أفكاراً جديدة ولا ينطلق من واقع مجتمعه ولحظة زمنه.
كان من المتوقع أن يُفضي الاهتمام بالحداثة الأدبية والدراسات النقدية واللسانية الذي بدأ منذ عقود طويلة في جامعاتنا إلى تراكم فلسفي حقيقي، وأن يؤدي البحث المنهجي الجديد في العلوم الشرعية إلى نقدية فلسفية جادة تواكب النهضة الاجتماعية الكبرى التي تعرفها البلاد، كان المفروض أن يؤدي إلى حركة تنوير فلسفي حقيقية.
خلاصة الكلام، إن الفلسفة التي نصبو إليها ليست مزيداً من التلقين والتقليد الأعمى على غرار الدراسات التراثية القائمة، وإنما الإبداع النظري والمنهجي الذي يغيّر طرق التفكير والعيش والحياة.
[ad_2]
Source link