[ad_1]
أكد الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي رئيس هيئة علماء المسلمين الشيخ الدكتور محمد بن عبدالكريم العيسى، أن الكراهية داء استحال إلى حالة وبائية بفعل الفجوة بين التشريع المجرد والتنفيذ العالق.
وشدد على أن الإعلام له دور وازن، للإسهام بفاعلية في الأخذ بعالمنا نحو سفينة نجاته والبعد به عن الغرق في مجازفاته، حيث التصعيد المقلق لخطاب الكراهية، والتحريض به على أمور خطرة في طليعتها التمييز والإقصاء، وانتهاء إلى الصراع والصدام والعنف، والتاريخ شاهد، مشيراً إلى أن ما نشهده اليوم في غزة، من اعتداء إجرامي على الأبرياء من الأطفال والنساء وغيرهم لهو وصمة عار في جبين الإنسانية أجمع.
جاء ذلك خلال حديثه في مستهل الجلسة الافتتاحية للمنتدى الدولي: «الإعلام ودوره في تأجيج الكراهية والعنف: مخاطر التضليل والتحيز»، الذي انطلقت أعماله اليوم (الأحد)، في جدة، برعاية وحضور الشيخ العيسى، والمشرف العام على الإعلام الرسمي في دولة فلسطين الوزير أحمد عساف، وبمشاركة عدد من الوزراء والقيادات الإعلامية الإسلامية والدولية، ونخبة من السفراء والشخصيات الدينية والفكرية والحقوقية وقادة المنظمات الدولية، حيث جاء عقد المنتدى ضمن الشراكة الوثيقة التي تربط الأمانة المساعدة للاتصال المؤسسي في رابطة العالم الإسلامي، واتحاد وكالات أنباء دول منظمة التعاون الإسلامي، الذي يمثل جهازا متخصصا مستقلا، في إطار الأهداف المشتركة لهما.
وفي مستهل الجلسة الافتتاحية للمنتدى، رحب الشيخ الدكتور محمد العيسى بالحضور، مؤكدا أن موضوع المؤتمر «الإعلام ودوره في تأجيج الكراهية والعنف: مخاطر التضليل والتحيز» يلامس اهتمام الضمائر الحية، وتمثل إشكاليته العالمية التحدي السائد في كثير من القضايا الدولية، مبينا أن الموضوع هو عنوان عريض، يختزل محاور متعددة، وهذه المحاور بسجالاتها الطويلة، هي محل اهتمام كبير لرابطة العالم الإسلامي، والمنظمات الدولية بعامة؛ الحكومية وغير الحكومية.
وقال: «مع هذا الاهتمام الدولي الذي أدرك المشكلة بأبعادها، بل أبصر تداعياتها رأي العين، وذلك في تحول عالمي خطر أكد للعالم أن التقدم العلمي المادي لا تلازم بينه وبين التطور الأخلاقي القيمي، إلا عندما يكتسي جلال العلم بوقار القيم، فيتكون الإنسان علما وقيما، وهذا هو البعد الغائب والحلقة المفقودة في صياغة العقل البشري»، مشيرا إلى أنه مع الاهتمام الدولي في مواجهة ظاهرة الكراهية، إلا أن هذا الداء الذي استحال إلى حالة وبائية، بفعل الفجوة بين التشريع المجرد والتنفيذ العالق، فأصبح مستعصيا إلا من «إرادة جماعية واعية، صادقة فاعلة»، وحذر من أن هذا الأمر أنتج وضعا مؤسفا من الفوضى والعته الفكري، الذي أدى إلى حالة من الانتكاس التي عادت بالعالم المتحضر، وعالم ما بعد الحروب العالمية الطاحنة، وعالم ما بعد النظام الدولي الذي وحد أمم العالم تحت مظلة واحدة بميثاق واحد، إلى مشهد عصور متخلفة.
وأضاف: يعلم الإنسان أن أصله واحد، والإنسان المؤمن بربه، أيا كان مكانه وزمانه ودينه ومذهبه، يعلم أن نسله من آدم وزوجه، وفي الإسلام يقول الله تعالى: «يا بني آدم» فالجميع أبناء، والأبناء إخوة، وإن اختلفوا دينا وفكرا وعرقا ولونا وأرضا، لكن بدا الجفاء، ثم الكره، ثم العداء، ثم المواجهة والصراع والصدام، وذلك عندما تحول الاختلاف الذي يمثل ارتياحا ورغبة إيمانية أو فكرية تتعلق بقناعة الشخص أو المجموعة أو الأمة، إلى مواجهة وصدام في واقع لا يمكن وصفه إلا بالعته العقلي، مبينا أنه لهذا السبب ارتقى الإسلام فقال: «لا إكراه في الدين» فلا يكره أحد على ترك دين تكون فيه، ومن ثم قسره على دين آخر، لا بقوة، ولا بمضايقة.
وشدد فضيلة الشيخ العيسى على أن الإعلام له دور وازن، للإسهام بفاعلية في الأخذ بعالمنا نحو سفينة نجاته والبعد به عن الغرق في مجازفاته، حيث التصعيد المقلق لخطاب الكراهية، والتحريض به على أمور خطرة في طليعتها التمييز والإقصاء، وانتهاء إلى الصراع والصدام والعنف، والتاريخ شاهد. وأضاف: «من هنا أقول لا أخطر من أن يسمح للتعبير عن الكراهية دون رادع، فهذا الانزلاق تتشكل على ضوئه ثقافة خطرة تسود فيها سجالات الكراهية بأبعادها الوطنية والدولية، لذا لا بد أن يعي الجميع أن التصدي لخطاب الكراهية يعتبر في طليعة أسباب حفظ سلم المجتمعات وأمنها، وتعزيز الصداقة بين الأمم والشعوب، وهي صداقة مهمة وملحة لا يتعايش الناس بسلام إلا بهذا السياق، وذلك أننا إذا استطلعنا التاريخ وجدنا أن الكراهية التي نشأت عنها العداوات بتخلفها وجهلها أوقدت حروبا مستعرة، فما إن تحسر الكراهية عن وجهها الكريه، إن في مجتمع أو في أمة أو شعب إلا وتجلب له ولغيره عاديات الشر».
وتابع: «مع هذا كله، لا تزال عدد من العقول في عصر «التنوير المادي» و«التقدم الحضاري بمفاهيمه المشتركة»، لاتزال في تخلف قيمي، حيث استحكمت نزعة الكراهية على كثير من العقول والسياسات، لافتا إلى أنه في عدد من حالاتها بدت هذه الكراهية في أبشع وأسوأ صورها، وفي طليعتها ازدواجية المعايير بنماذج تجاوزت التأويل والمناورة، إلى التحدي والمكابرة.
وشدد على أنه إذا كان عالمنا في شأن الصحة العامة يعمل جاهدا على الإجراءات الوقائية، ويستطلع الإنذارات المبكرة المهددة لصحة الأجسام، فإن الإجراءات الوقائية واستطلاع الإنذارات لسلام الأمم ووئام الشعوب والمجتمعات لا يقل أهمية البتة، ولهذا لا بد من مراصد فاعلة لاستطلاع نذر الكراهية ومهدداتها، من أجل التصدي لها ومكافحتها في مهدها.
وأشار الشيخ العيسى إلى أن ما نشهده اليوم في غزة، من اعتداء إجرامي على الأبرياء من الأطفال والنساء وغيرهم لهو وصمة عار في جبين الإنسانية أجمع. مضيفاً: هذه الكارثة الإنسانية محفورة في صميم كل ضمير حي، وقد تداعى، لنصرتها، منطق العدالة والحق الإنساني من مجمل التنوع الدولي الفاعل والصادق، هذا فضلا عن كونها بالنسبة لنا من حيث أصلها قضية عربية وإسلامية، ثم تتابع الحق فصارت قضية دولية عادلة، تحكمها قرارات دولية عالقة، جرى انتهاكها فسالت على ذلك دماؤها وآلمت تداعياتها.
وفي هذا المقام، عبر الشيخ العيسى باسم علماء الأمة الإسلامية ومفكريها، في إطار منظومة رابطة العالم الإسلامي، عن التقدير والتثمين العاليين للجهود الكبيرة لنصرة القضية الفلسطينية، وكذا الوقوف بحزم إزاء الجرائم في غزة، ولاسيما الجهود التي قادتها المملكة العربية السعودية في قمم تاريخية، داعيا الله أن يجزل المثوبة لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز.
عقب ذلك، تقدم المشرف على الإعلام الرسمي في دولة فلسطين، رئيس مجلس إدارة وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية الوزير أحمد العساف، بالشكر للشيخ الدكتور محمد بن عبدالكريم العيسى، على المبادرة المهمة بإقامة هذا المنتدى وتنظيمه، مشيراً إلى أن المنتدى يعقد «في هذا التوقيت الثقيل الذي يمر على أهلنا في فلسطين، وتحديدا في غزة، التي تتعرض لهذه المذبحة والمجازر»، مضيفا أنه إذا ما أخدنا القضية الفلسطينية نموذجا لدور الإعلام في مكافحة التضليل والتحيز «وجدنا أنها النموذج الأصدق والنموذج الأوضح، لأنها تلخص المعركة بين الحق والباطل وبين الحقيقة والكذب والتضليل والافتراء».
وأشار العساف إلى أن القضية الفلسطينية تعرضت إعلاميا منذ 75 عاما، ومنذ بدء هذا العدوان على شعب فلسطين وأرضهم، إلى محاولة لإلغاء الرواية الفلسطينية، وعانت من هذا الانحياز والتضليل من قبل كبريات وسائل الإعلام في العالم التي لم ترد رؤية الحقيقة، كما سعت لتغييب الحقيقة وشطبها وإلغائها، موضحا أنه عندما يتم النظر إلى الشأن الفلسطيني يعمون أبصارهم عما يجري على الأرض الفلسطينية من جرائم واضطهاد وقتل وتدمير.
ولفت إلى أن حقيقة المعركة مع الاحتلال الإسرائيلي بدأت عندما حاولوا بناء دولتهم على أساس أن فلسطين أرض بلا شعب لشعب بلا أرض، وبالتالي سعوا إلى إلغاء الرواية الفلسطينية، لا الانحياز فقط إلى رواية أخرى. ووصف حقيقة واقع الاحتلال بأنه محاولة لشطب التاريخ، مما يعني السعي لشطب الحاضر والمستقبل، موضحا أن هذا هدفهم الحقيقي، حيث بنوا روايتهم على أساس «أن الكبار سيموتون والصغار سينسون، وفعلا مات الكبار، لكن الصغار ازدادوا تشبثا وتمسكا بهذه الأرض وبهذه القضية».
ولفت العساف إلى أن «الهدف الأسمى للإعلام نشر ثقافة التسامح والعدل والمحبة بين الناس، ونزع فتيل الأزمات، والبعد عن إثارة الفتن والكراهية وتفتيت المجتمعات»، مضيفا أنه «عندما يقوم بعض الإعلام المنحاز بتغييب هذه الحقائق، فماذا تتوقعون ردة الفعل من الشعب الفلسطيني أو الشعوب العربية والإسلامية، هل يمكن التسليم بهذه الأكاذيب والتغييب للحقيقة والإنكار للواقع المأساوي والمجازر التي تتعرض لها غزة والقدس يوميا، وتصدق هذه الأكاذيب، بالتأكيد لا، وبالتأكيد سيولد هذا الانحياز مزيدا من المواقف المعادية لكل هذه السياسات».
من جانبه أكد وزير الإعلام في جمهورية الصومال الفيدرالية داوود أويس، أن الأحداث الحالية في الأراضي الفلسطينية أظهرت انحياز كثير من وسائل الإعلام الدولية وتجاهلها للموضوعية والحقيقة، مشددا على ضرورة تعزيز الدول الإسلامية لمؤسساتها الإعلامية، وبناء قدراتها وفقا للمعايير الدولية لسد هذه الفجوة. مشيراً إلى أن الإعلام يضطلع بدور مهم في مكافحة الصومال للحركات الإرهابية والتطرف وتعزيز الاعتدال الديني.
بدوره، أكد المدير العام المكلف لاتحاد وكالات أنباء دول منظمة التعاون الإسلامي محمد بن عبدربه اليامي، أن الإعلام يضطلع بدور محوري سلبا أو إيجابا في بناء المفاهيم الحضارية، وصياغة التصورات العامة للشعوب عن بعضها البعض، وتشكيل الرأي العام تجاه الأحداث والقضايا الدولية. وأضاف أن هذا الدور المهم لو ترك بدون إرشاد وتوجيه فإنه قد يستغل من المتطرفين ودعاة الكراهية للإساءة إلى المقدسات وإثارة الفتن وافتعال الأزمات، ومن هنا تكمن أهمية اجتماعنا في هذا المنتدى للتباحث حول أفضل السبل لتفعيل دور الإعلام في مكافحة خطابات الكراهية والعنف، والخروج بمبادئ عامة واسترشادية في هذا الصدد.
وأشار اليامي إلى أن المنتدى يتزامن مع ظروف مأساوية وكارثة إنسانية واسعة النطاق يعيشها أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، بسبب التصعيد الإسرائيلي الأخير، وهو ما يحتم علينا النظر في المسؤولية الملقاة على عاتقنا في وسائل الإعلام الدولية للنهوض بدور مؤسساتنا في دعم جهود تحقيق السلام والاستقرار وحماية المدنيين من الجانبين، وضمان الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وعلى رأسها إقامة دولته المستقلة.
وتقدم اليامي بجزيل الشكر والعرفان لرابطة العالم الإسلامي، بقيادة أمينها العام الشيخ الدكتور محمد بن عبدالكريم العيسى، نظير حرصها على توثيق علاقاتها بمؤسسات الإعلام الدولي، إدراكا منها لمحورية الإعلام في أي تحرك صادق وجاد؛ للتقريب بين الشعوب وتحقيق مبادئ التعايش والتآخي بين الثقافات والأديان المختلفة، وخص بالذكر والشكر العناية والمتابعة المتواصلة والجهود الكبيرة التي بذلها الدكتور العيسى.
وشهدت الجلسة الافتتاحية مداخلات مباشرة لعدد من الصحفيين من الأراضي الفلسطينية، تحدثوا فيها عن واقع الصحافة في ظل العدوان الإسرائيلي، والتحديات التي يواجهها الصحفيون في سبيل القيام بواجبهم المهني. كما تضمنت الجلسة أيضا عرضا لفيلم قصير حول دور الإعلام في صناعة الرأي العام، وتشكيل وعي المجتمعات سلبا أو إيجابا.
عقب ذلك تتابعت الجلسات النقاشية للمنتدى، حيث ناقشت الجلسة الأولى «دور المؤسسات والقيادات الدينية في مكافحة خطاب الكراهية والعنف في المنصات الإعلامية»، فيما ناقشت الجلسة الثانية «التحيز والتضليل في الإعلام الدولي: القضية الفلسطينية أنموذجا».
وتناولت الجلسة الثالثة «المسؤولية الأخلاقية في الإعلام الدولي»، بينما تناولت الجلسة الرابعة موضوع «التحالفات الدينية الإعلامية والدولية لمواجهة خطاب الكراهية والتطرف».
كما جرى على هامش المنتدى توقيع مذكرة تعاون بين الأمانة المساعدة للاتصال المؤسسي برابطة العالم الإسلامي، واتحاد وكالات أنباء دول منظمة التعاون الإسلامي، والتي وقعها من جانب الاتحاد مديره العام محمد بن عبدربه اليامي، ومن جانب الرابطة الأمين العام المساعد للاتصال المؤسسي عبدالوهاب الشهري.
[ad_2]
Source link