[ad_1]
هناك خط رفيع جدّاً بين «الشعبوية»، وبين «الشعبية»!، وللعلم الشعبوية أكثر إثارة وأسرع عوائد، وأسهل في الوصول إليها.
كان بإمكان الأمير محمد بن سلمان منذ البداية أن يحقق شعبوية جارفة في العالم، فقط لو تعامل مع القضايا المحلية والعربية والإسلامية والدولية، بنفسٍ شعبوي.
وكنا سنجد حسن نصرالله يدافع عنه، وبقايا البعثيين واليساريين ومطلقات الإخوان في العالم العربي يكتبون القصائد فيه، وكنا سنجد تيار اليسار الغربي المتطرف يحتفي به على صدر صحفه.
لكن الأمير الشاب القادم من بيت الحكم السعودي الصارم المعتد بنفسه وتراثه ووطنه، اكتشف أن ذلك ما يريده الأعداء، وهم يدفعون الجميع للوقوع في فخ الركون والاسترخاء والهدوء والعيش على عوائد «دكان» النفط الذي يبيع اليوم ويخسر غداً، حتى يسهل التحكم ذات يوم.
دعوني أقول إن «الشعبوية» مثيرة جداً، ومغرية جداً، وغير مكلفة أبداً، مثيرة إذا تنبهت جيداً لما يدغدغ مشاعر الناس لا ما يحقق مصالحهم، وزايدت على أحلامهم الرومانسية، واستدعيت قضاياهم الميتة وأطلقت تصريحات نارية دون عمل.
أما غير مكلفة فلأنها لا تتطلب عملاً أو جهداً، أو حروباً تخوضها من أجل قيمك ومبادئك، فقط أطلق تصريحاتك في فضاء الإعلام، بلغة لا تلزمك بشيء- قل مثلاً: سنرمي إسرائيل في البحر، دعها تدغدغ الجماهير وانتظر قبل أن تصبح الزعيم الملهم، والقائد المظفر، حتى ولو كانت أعمالك على أرض الواقع تخالف تلك التصريحات النارية.
في لقاء «فوكس نيوز» كان بإمكان محمد بن سلمان أن يهاجم روسيا فيثير إعجاب البيت الأبيض و10 داونينج ستريت، وكان بإمكانه أن يهاجم العنصريين والمتطرفين في أوروبا فتضج أكف العوام على المقاهي العربية بالتصفيق، لكن محمد بن سلمان أبى إلا أن يختار طريقاً وعراً، مليئاً بالمخاطر والحروب، وضع نفسه في مرمى الأعداء والخصوم والأعدقاء، آمن بوطنه وجعل قضيته الأولى التحرر من الارتهان للنفط وللمال السهل الذي من المحتوم أن ينقطع يوماً، ووضع بلاده في المكانة التي تستحقها اقتصادياً وسياسياً وثقافياً.
بداية الأمر اختار أن يقاتل وحده -من أجل مستقبل بلاده- بصدر مفتوح لكل السهام المسمومة.
كثير من المشفقين قالوا له ستجد ممانعات داخلية، والكثير من الحروب الخارجية، لكنه كان مؤمناً أن أول المنخرطين في المشروع والمدافعين عنه سيكون السعوديون، وهذا ما حصل.
لقاء القناة الأمريكية لم يكن حواراً عادياً تجريه مع زعيم قادم للإقليم والعالم بقوة -كما قال المذيع نفسه- بل كان اللقاء لوحده قصة وحكاية فككت كثيراً من الألغاز، وكشفت صانعي الكوابيس ممن يريدون للسعودية أن تبقى مكبلة قابلة للانفراط.
يريد البعض من السعودية أن تبقى دولة هامشية على قارعة طرق التجارة الدولية، وعلى قارعة السياسة العالمية، دولة تُؤثرُ على نفسها، وتعطي الآخرين مكانها، وترفع من الصغار على حسابها، ولذلك يقاتلون السعودية وقيادتها وشعبها بكل عنف.
قدر السعودية الحقيقي والدائم منذ المؤسس لليوم أن تكون البلد «العبقري»، في خياراته وتجاربه، وتجلت تلك العبقرية من لقاء «الملك عبدالعزيز- روزفلت وتشرشل» وحتى لقاء القبضة بين محمد بن سلمان وبايدن في الرياض، واليد الممدودة في الهند.
بدأت الحكاية السعودية الأمريكية منذ أكثر من ثمانية عقود، لكنها شهدت الكثير من الشد والجذب، والكثير من الاختلاف، والكثير أيضاً من الاتفاق، كل طرف كان يبحث عن مصالحه، لكن الدولتان الكبيرتان كانتا دائماً ما تجدان الحلول، ودائماً ما تعطيان لبعضهما المساحات التي تتحركان فيها دون احتكاك، معادلة عادلة، أليس كذلك؟
فما الذي تغير؟
منذ العام 2008م، أي عند وصول الرئيس الأسبق باراك أوباما للحكم، تغيرت العقيدة الأمريكية في العالم وعلى السعوديين على وجه الخصوص، وأصبحت الأولويات مختلفة، ولا مانع في ذلك.
لكن من اختار التغير -وأعني هنا الأمريكان- وجدوا في أعقاب عشر سنوات من سياساتهم الجديدة، أن هناك قيادة جديدة في الرياض، لم تقاوم التغير الأمريكي، ولم تسعَ لاسترضائه؛ لأنها خيارات الأمريكي وهو حر في خياراته، ونحن أحرار في خياراتنا، فقط قامت «الرياض» بابتكار حلول خارج صندوق السياسة التقليدي، وصنعت منها سياسات تخدم مصالح «السعودية أولاً».
كثير من النصائح الأمريكية للسعودية على لسان أوباما وغيره من صانعي السياسات الجديدة، تحولت إلى ورطة أمريكية!
دعونا نتذكر بعضها..
على السعوديين أن يتعاملوا مع إيران كأمر واقع، وأن يتقبلوا أن يعيشوا في نفس المنطقة، مع العلم أن ذلك كان خيار السعودية منذ البداية، والدليل اتفاق – نايف روحاني – العام 2001م.
وعندما وسطت إيرانُ الصينَ بداية السنة الحالية لعقد اتفق سلام سعودي إيراني، وقبلت به الرياض، جن جنون الأمريكان.
النصيحة الثانية: على السعوديين تحمّل مسؤولية أمنهم، أمام التحديدات الكبيرة في الإقليم، وعندما تولاها السعوديون وعددوا من خيارتهم في التسلح والأمن اضطرب الأمريكان.
الأمريكان قالوا -وهم في طور التخفف من العلاقة- إنهم في غنى عن النفط السعودي، وأنهم مكتفون ذاتياً من إنتاجه، وحتى عندما يحتاجون نفطاً إضافياً يذهبون إلى منتجين آخرين، وعندما أدارت الرياض سياستها النفطية بما يخدم مصالحها، أدرك الأمريكان أن قرار النفط لا يزال في حقل «الغوار» وليس في حقول تكساس.
سيبقى تأثير لقاء الأمير محمد بن سلمان مع قناة «فوكس نيوز» طويلاً طويلاً، فالحوار مليء بالعناوين اللافتة، والرسائل الواضحة، كشفت للعالم ملامحنا الاجتماعية والاقتصادية والرياضية والسياسية القادمة والمرتكزة على سياسات ثابتة، وقالت بكل وضوح: لن يقف شيء أمام المشروع السعودي، خاصة أنه مشروع غير مضر، ولا يأخذ مساحة أحد.
[ad_2]
Source link