إفريقيا.. الغنية الفقيرة!

إفريقيا.. الغنية الفقيرة!

[ad_1]

تعد القارة الإفريقية من أثرى وأعرق القارات في العالم، فبخلاف امتلاكها لمساحات زراعية شاسعة تملك العديد من دولها ثروة كبيرة من المعادن الثمينة والنادرة ومن الذهب والألماس والنفط، كما أنها تملك الكثير من الموارد البشرية الشابة، حيث إن غالبية سكانها من الشباب صغار السن بعكس القارة الأوروبية، ولا شك أن كل هذه العوامل من المفترض أن تؤدي لثراء سكان هذه القارة التي تملك كلاً من الموارد الطبيعية والبشرية معاً، ولكن على الرغم من ذلك يقع أغلب سكان القارة الإفريقية تحت خط الفقر، وتعاني الكثير من دولها من الحروب والصراعات والنزاعات الداخلية والأمراض الفتاكة وجرائم الإبادة الجماعية.

من الملاحظ أنه خلال الفترة الأخيرة تزايدت وتيرة الانقلابات العسكرية في إفريقيا ولاسيما في منطقة النفوذ الفرنسي، وتعكس هذه الانقلابات العسكرية واقعاً هزيلاً تعيشه شعوب تلك الدول، غير أن هذا النوع من الانقلابات العسكرية يعكس ضيقاً وتذمراً واضحاً تجاه ارتباط الأنظمة الحاكمة بالقوى الاستعمارية السابقة، والتي طالما ارتبطت مصالح حكوماتها بمصالح المستعمر السابق، وبهذا فإن هذه الانقلابات ما هي إلا انقلاب على الاستبداد والفساد الذي طالما استشرى في عروق ومفاصل الدول الإفريقية، غير أن الحل لهذا الوضع المزري اتخذ صورة عسكرية، وكأن مصير شعوب الدول الإفريقية أن تستجير من الرمضاء بالنار.

تعاني إفريقيا مما وصفه المحللون والخبراء السياسيون بأنه لعنة الموارد، فالموارد الثمينة والمتعددة والوفيرة التي تزخر بها القارة الإفريقية جعلتها مطمعاً للعديد من القوى الاستعمارية، كما جعلتها هدفاً للعصابات المسلحة والمرتزقة الذين وجدوا في ضعف الأنظمة الحاكمة وانفلات الأمن مدخلاً لنهب ثرواتها، ولا شك أن الوضع السياسي المضطرب في إفريقيا أسهم في خلخلة الواقع الاجتماعي وفتح الباب على مصراعيه للصراعات المهلكة التي وصلت حد الإبادة الجماعية والحروب الأهلية، والتي دفعت الملايين من الأفارقة للهرب والنزوح واللجوء إما للدول المجاورة أو للقارة الأوروبية.

من المؤكد أن علاقات الفساد الفاضحة التي ربطت بين حكام «بعض» الدول الإفريقية -التي زخرت مؤخراً بالانقلابات العسكرية- وبين المستعمرين السابقين كانت سبباً رئيسياً لشعور عموم المواطنين الإفريقيين بالسخط البالغ والغضب، فالاستفادة من الموارد الوفيرة يتطلب وجود نظام حاكم مسؤول يرعاها ويحفظها ويعطي عوائدها الوفيرة لمستحقيها، ولعل هذا السخط والغضب تجلى في المظاهرات العديدة المؤيدة للانقلابيين في النيجر على سبيل المثال، فعقب استيلاء الانقلابيين على السلطة في النيجر عمّت البلاد المظاهرات المؤيدة للانقلاب العسكري، غير أنه من ناحية أخرى اتضح أن القوى العظمى تسعى لاقتسام كعكة إفريقيا الثمينة، فروسيا والصين على سبيل المثال تسعيان بجهد حثيث لتقويض النفوذ الفرنسي داخل مناطقه المألوفة، كما تسعيان لسحب البساط من تحت أقدام الشركات الفرنسية التي طالما اعتادت على نهب ثروات هذه البلاد سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، وهو ما يعني تدويل أزمة الثروات والموارد الإفريقية بين عدد من الدول العظمى.

لا شك في أن عدوى الانقلابات العسكرية في غرب إفريقيا هي واحدة من أسوأ مظاهر الاحتقان السياسي، وتسارع وتيرة زيادتها خلال الآونة الأخيرة يعكس قوة الصراع الدولي الذي تسعى فيه بعض القوى لإزاحة نفوذ الأخرى واستبدالها بنفوذها السياسي والعسكري، ومن المؤكد أن روسيا وجدت في هذه الانقلابات العسكرية تعزية لها، كما أنها وجدت في تنحية النفوذ الفرنسي وتقوية الاضطراب بين الحكومة الفرنسية وبين الحكومات الإفريقية متنفساً لها تعوض به جزءاً مما فقدته على الصعيد الاقتصادي نتيجة العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، ونتيجة استنزاف مواردها في الحرب التي لا تزال رحاها دائرة حتى لحظة كتابة هذه السطور.

من المؤسف أن تقع القارة الإفريقية ضحية لتعدد مواردها وثراء وغنى خيراتها، ففي الوقت الذي تتمنى فيه كل الدول تعزيز مواردها الطبيعية والبشرية تعاني إفريقيا من تكالب الدول الكبرى عليها ومن تواطؤ بعض قادتها معهم ضد مصلحة المواطن الإفريقي البسيط، وهو ما يلفت انتباهنا إلى مدى أهمية النظام السياسي المتماسك والقوي، فالموارد وحدها لا تصنع دولة قوية ولا شعباً ثرياً، فالذي يحافظ على موارد الدولة ويحمي شعبها ويدفعهم للتطور والتقدم هو النظام السياسي القوي الذي يتمتع بسيادة واستقلالية مطلقة، وهو النظام الوطني الذي يضع على عاتقه حماية موارده من أي تدخل أجنبي، ويضع اهتمامات مواطنيه كأولوية لا تسبقها أية أولويات أخرى، ولعل هذا الدرس يتعين على جميع شعوب الدول الثرية الاستفادة منه، وهو أن المستعمر لا يُرجى منه خير، فهو يخفي وراء بريقه خبثاً ودهاء ومكراً، فهو كليث يترصد فريسته لينقض عليها بمجرد أن تُظهِر أي نوع أو درجة من الضعف والهوان.

[ad_2]

Source link

Leave a Reply