[ad_1]
ولد مبارك بن محمد راشد الحديبي في سنة 1946 بحي المرقاب ابناً لعائلة تنحدر من مدينة عنيزة بالقصيم النجدي. وفي المرقاب نشأ وترعرع قبل أن تنتقل أسرته إلى منطقة حولي، حيث أكمل دراسته بمدرسة ابن زيدون الابتدائية ثم مدرسة حولي المتوسطة. ويبدو أن ظروف عائلته الاقتصادية اضطرته إلى التوقف عن التعليم عند ذلك الحد للدخول إلى سوق العمل، فحصل في عام 1961 على وظيفة بوزارة الإرشاد والأنباء (وزارة الإعلام) الناشئة وقتذاك. غير أن الشاعر الأديب أحمد السقاف، الذي كان وقتها من كبار موظفي الوزارة أوقفه عن العمل لصغر سنه، وقال له «ارجع يا ابني وأكمل دراستك وتعليمك». وبطبيعة الحال حزن صاحبنا كثيراً لهذا الإجراء، خصوصاً أن العمل في تلك الوزارة تحديداً كان من ضمن أحلامه.
طبيب تسنين يعيده للإعلام
بعد عام من تلك الواقعة عاد الحديبي للعمل بوزارة الإعلام عن طريق «طبيب تسنين»، فشغل وظيفة فني مراقبة في الإذاعة الكويتية، ليصبح أحد أوائل مواطنيه الملتحقين بوزارة الإعلام الكويتية. وقتها كان يشعر في قرارة نفسه أن لديه موهبة فنية كامنة، لكنه لم يكن قادراً على تحديدها، خصوصاً أنه كان مستمعاً جيداً للغناء والطرب العربي الأصيل وصاحب ذائقة عالية في اختياراته. واستمر كذلك لبعض الوقت إلى أن قادته مكنوناته وأحاسيسه إلى التعبير عنها في صيغة أشعار، فراح يكتب الشعر السهل البسيط ويعرضه على صديقه أحمد الدخيل الذي شجعه على الاستمرار. وشيئاً فشيئاً بدأ أصدقاؤه يتعرفون على موهبته في كتابة الشعر الغنائي. ثم جاء لقاؤه في دار الإذاعة الكويتية مع الفنان القدير يوسف الدوخي، الذي أعجب بكلمات أغنية «ليلي أنا سهران» من نظمه فطلب الدوخي من لجنة النصوص بالإذاعة إجازتها فأجيزت.
كانت تلك نقطة فاصلة في حياة الحديبي نحو احتراف الشعر الغنائي. وتعد أغنية «أودعك» التي غناها الفنان الراحل حسين جاسم من ألحان عبدالرحمن البعيجان البداية الفعلية لانطلاقه في فضاءات الشعر الغنائي. إذ تبعتها أغانٍ كثيرة من كلماته بأصوات كبار نجوم الغناء داخل الكويت وخارجها، وأنغام كبار الملحنين الكويتيين والخليجيين والعرب، من أمثال غنام الديكان ويوسف المهنا وسليمان الملا وطلال مداح ومحمد الموجي وخالد الزايد والموسيقار الدكتور طلال ورابح صقر ومحمد شفيق ومحمد البلوشي وعلي عبدالكريم وأحمد عبدالكريم وعبدالله الرميثان وأنور عبدالله ومحمد المسباح وعبادي الجوهر وعبدالرحمن البعيجان وحسين عبدالله ومرزوق المرزوق وعبدالله الرويشد ورياض الهمشري وإبراهيم الحكمي.
إشهار نجوم جدد
كما أن الحديبي ساهم بأشعاره أيضاً في صناعة وإشهار نجوم جدد من أمثال حسين جاسم ونبيل شعيل ومحمد المسباح، وترسيخ أسماء نجوم آخرين في دنيا الأضواء والشهرة. وتشمل قائمة أعمال الحديبي نحو 900 قصيدة غنائية، كان آخرها أغنية «عاش سلمان يا بلادي» الوصفية الوطنية التي عبر بها سماء الكويت إلى سماء السعودية سنة 2015. إذ تدهورت صحته، بعد كتابة كلمات هذه الأغنية، وأدخل المستشفى، لكنه سمعها لاحقاً بصوت راشد الماجد وعبدالمجيد عبدالله وتلحين الموسيقار السعودي الدكتور طلال، وأعجب بها كثيراً.
وبحسب تصريحات ابنه الشاعر مشاري مبارك الحديبي، فإن والده لم يكتب كلمات هذه الأغنية، التي لاقت استحساناً جماهيرياً منقطع النظير في السعودية وباتت تتردد في احتفالاتها السنوية بيومها الوطني، إلا من منطلق حبه للسعودية التي أمضى بها 18 عاماً، وإعجابه بشخصية الملك سلمان والقيادة السعودية. أما الكاتب الصديق د. أحمد العرفج فقد تحدث في برنامجه الناجح «يا هلا بالعرفج» على قناة روتانا خليجية عن الأغنية، فوصف كلماتها بأنها إنسانية راقية، ووصف صاحبها بأنه «عاش بسيطاً وكريماً ومتسامحاً، ومات شهيداً ونبيلاً».
كلمات وأشعار
وتشمل قائمة من تغنوا بكلمات وأشعار الحديبي: نبيل شعيل (أغنيات «صادني» و«منك يا سمرة» و«البارحة» و«اللي ما له أول» و«جيتك» و«على خير» و«يا انت واحد» و«أنا يا خلي» و«تغالط احساسك» و«بليا أسباب» وغيرها)، عائشة المرطة (أغنيتا «منسية» و«مباركين»)، غريد الشاطئ (أغنية «قلبي ارتجف» من ألحان خالد الزايد سنة 1973)، عبدالكريم عبدالقادر (أغنيات «شفتك» من ألحان طلال مداح و«سامحني خطيت» و«خليك معاي على الراي» و«توالي الليل» و«هقاوي» و«الله ياني ولهان» و«البارحة»)، نانسي عجرم (أغنية «ما أوعدك»)، رابح صقر (أغنيات «المزيون» و«يالله تفضل» و«حنا نكمل بعض»)، طلال مداح (أغنيات «ابعد وخلني» و«هذا إحنا» و«من الجفا» و«مصدر أحزاني» و«قضيت عمري»)، محمد عبده (أغنيات «انتو اللي تغيرتوا» و«حس طار» و«في عيونك» و«حاولت»)، خالد عبدالرحمن (أغنيتا «البارحة» و«عيدو الحبايب»)، نوال (أغنيات «فز قلبي» و«يزيد شوقي» و«مجرد شك» و«عنينا» و«اشلون ما أشره عليك»)، عبدالله الرويشد (أغنيات «اسكت ولا كلمة» و«أشكي» و«الصدفة» و«الكبر لله» و«ليل السوالف» و«سيد المها»)، محمد المسباح (أغنيات «برد ودفا» و«ماني معاتبك» و«منتي منسية»)، راشد الماجد (أغنيات «ما اتصلتي» و«بيني وبينك» و«القمرة» و«عفناك»)، عبدالمجيد عبدالله (أغنيات «هذا كلام» و«الهنا والسعادة» و«ألا يا دمعتي هلي»)، عبدالرب إدريس (أغنية «لا تمادى»)، أنغام (أغنية «أول ما أبدي»)، ديانا حداد (أغنيتا «نعم سيدي» و«كذاب»)، علي عبدالكريم (أغنيتا «يا سهيل يالجنوبي» و«أنت بقبلة وأنا بشوق»)، عتاب (أغنية «حبيب الروح»)، محمد عمر (أغنيتا «فقدناك» و«توادعنا»)، أحلام (أغنيتا «فوق ما تصور» و«ظنك الأول غلط»)، عبادي الجوهر (أغنية «بكلمة»). وعد (أغنيات «وجهة نظر» و«ماني لعبة» و«جلسة»)، سليمان الملا (أغنيتا «داري خلي» و«تشان زين»)، محمد البلوشي (أغنيات «من صجه» و«ماكو إلا أنت» و«إنْ الله سلمني» و«مريت» و«لا ترجى»)، رباب (أغنيات «يا كثر ما اروح وارجع» و«يا حره» و«مليت الصبر» و«لا تستغرب» و«شالوا الشراع» و«حقك على الراس والعين»)، لطيفة التونسية (أغنية «صدقني»)، ذكرى (أغنية «لا ما هو واجد»)، مبارك المعتوق (أغنية «خلوني على كيفي»). إلى ذلك تعاون الحديبي مع الفنان الكبير شادي الخليج، فقدم له في عام 1976 كلمات أوبريت «يا سدرة العشاق يا حلوة الأوراق» التي لحنها غنام الديكان.
والجدير بالذكر في هذا السياق، أن الحديبي استطاع أن يستوعب الموهبة اللحنية عند الموسيقار غنام الديكان، وأن يوظفها لتطوير عدد من الأعمال التراثية الخاصة بالأعراس مثل أغنيتي «يا معيريس» و«عليك سعيد ومبارك» من غناء حسين جاسم في عام 1969، وأعمال أخرى عاطفية بإيقاعات غير مألوفة كما في الأغنيات التي أداها المطرب مصطفى أحمد مثل «ما دريت» و«قال أحبك» و«قلبي قلبي» و«يا عين مالية»، علاوة على أغنية «عمر الورد» التي لحنها محمد الموجي، ناهيك عن الأغنيات التي أشهرت المطرب حسين جاسم وما زالت تذاع إلى اليوم مثل «أحس بالشوق والغيرة» و«توني عرفتك زين» و«يا ويلك من الله».
ثلاثية ناجحة مع الأشقاء المهنا
كما شكل صاحبنا ثلاثياً ناجحاً مع المطرب عبدالمحسن المهنا وشقيقه الملحن يوسف المهنا، كان من ثمرته أغنيات ناجحة بصوت عبدالمحسن المهنا مثل: «كلن بقلبه» و«على خير» و«حبيبي تمسكن» و«دار الهوى» و«هلي يا قمرة» و«نار الهوى» و«توافيج» و«قال أحبك» و«تو الناس»، علاوة على أغنية «مدري شسوي» التي يقول مطلعها:
مدري شسوي يا حبيبي بلياك
حكم الدهر ما خلى شي بيديني
سافر عسى ربي يحرسك وياقاك
لوهو بيدينك ما تروح اللي فيني
وعن ذكرياته مع الملحن يوسف المهنا، أخبرنا الحديبي في أحد حواراته الصحفية، أن صداقة قوية ربطتهما وأنه كان يطلعه على محاولاته الشعرية المبكرة ويستشيره وكان المهنا بدوره يوجهه، لكنه لم يتعاون معه إلا مرة واحدة في تلك الفترة المبكرة، قبل أن يزيد اقتناعه به ويقدما في عام 1975 أغنيتي «البارحة بالليل» و«ما أفكر ولا أحاتي».
استطاع الحديبي أن يشق طريقه بنجاح وسرعة، ويؤسس لنفسه مدرسة خاصة في الكلمة المغناة وأن يجعل أنظار أهل الفن تتجه إليه كناسج لأجمل الكلمات وأعذبها، الأمر الذي سهّل حصوله سريعاً على عضوية جمعية الفنانين الكويتيين منذ ستينيات القرن الماضي، بل شارك في مجلس إدارة الجمعية لسنوات، قبل أن يحل عقد الثمانينيات، الذي تم فيه اختياره عضواً في لجنة إجازة النصوص في الإذاعة الكويتية.
ومن الأغاني التي كتبها وأداها الراحل طلال مداح من ألحانه أغنية «البارحة دورت بأوراقي القديمة» التي يقول مطلعها:
البارحة دورت بأوراقي القديمة
لقيت بقايا أوراق من قصة أليمة
لقيت أوراق وبقايا أشواق
قريت إهداء مكتوب فوق رسمها
لقيت أشياء تذكرني باسمها
لقيت أول حرف وآخر حرف مكتوب بقلمها.
تكريم الحديبي قبل وفاته
تمّ تكريم الحديبي قبل وفاته من قبل وزارة الإعلام الكويتية ومجموعة «تقدير» الشبابية التطوعية في عام 2013، ثم تم تكريمه بعد وفاته من قبل المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بالكويت في عام 2023، من خلال دورة مهرجان القرين الـ23، بحضور كوكبة من الفنانين والشعراء والأدباء والمسؤولين، حيث ألقى الأستاذ بدر الدويش الأمين العام المساعد لقطاع الفنون بالمجلس كلمة، ثمّن فيها الدور الكبير للفقيد في رفعة شأن الفن الكويتي، واصفاً إياه بالنموذج الطيب والصورة المشرفة للمواطن المحب لوطنه ولشعبه. وخلال الحفل تم توزيع كتيب عنه من إعداد الباحث صالح الغريب، اشتمل على صوره القديمة ونصوص أشهر أغانيه مع نوتاتها الموسيقية وشهادات قيلت في حقه من زملائه الفنانين والملحنين وشعراء الأغنية الكويتية.
كتب عنه مواطنه ذعار الرشيدي في جريدة «الأنباء» الكويتية (6/10/2018)، فقال «أعرفه كما عرفه كل من عاشره وعاصره وعمل معه أو التقاه بعمل. إنه شخص طيب جداً، بل إنه، ووفق تصوري، أطيب شخص يمكن أن تقابله في حياتك، وطيبته تلك تراها من تواضعه اللامتناهي والحقيقي، فرغم أنه صانع روائع غنائية شعرية نقلت بأصوات كل فناني الخليج إلا أنه يجلس معك وكأنه ليس ذلك الشاعر الغنائي العبقري الذي أثرى المكتبة الغنائية الخليجية بعشرات الأغاني الناجحة والساكنة قلوب الملايين. إن رحيل الحديبي خسارة كبيرة ومدوية، بل وفاجعة حلت على عالم الكلمة المغناة الخليجية، فقد خسر الوسط الغنائي الخليجي خاصة والعربي عامة أحد عمالقة كتاب الكلمة الغنائية، فالراحل ترك إرثاً شعرياً حفظته قلوب الناس طوال 50 عاماً ودونتها حناجر المطربين وأصواتهم ووثقتها الأسطوانات في الستينيات والكارترج والأشرطة في السبعينيات والثمانينيات والأشرطة الممغنطة في بداية الألفية واليوتيوب أخيراً».
ونختتم بما كتبه عنه المؤرخ والباحث الفني السعودي الأستاذ أحمد الواصل في جريدة «الرياض» السعودية (3/10/2018)، حيث قال «أنزل الحديبي ترسانته كاملة، طيلة مسيرته في عالم الأغنية الكويتية، فقد كشف عن تملك متناهٍ لجذور التراث، حسب بيئاته البحرية والقروية، وأضاف إليهما صناعته لنموذج الأغنية الكويتية، منذ منتصف ستينيات القرن العشرين الماضي. لقد استطاع أن يحقق أمرين: الأول، أنه عابر الأجيال والحدود، والثاني، تكوين ورش غنائية ثلاثية العناصر، ما بينه وبين ملحن وحنجرة. وحدث ذلك على مدى عقود رحلته في عالم الأغنية».
[ad_2]
Source link