[ad_1]
من يقرأ التاريخ الأوروبي والغرب عموماً يدرك كمية الأرواح البشرية التي أزهقت والدماء والجماجم التي بُنيت عليها الإمبراطوريات الغربية الحالية. ولا تزال ذات العواصم تمارس ذات الدور إلى اليوم رغم كل المساحيق والمكياج التي تُسمّى «حقوق الإنسان والديموقراطية» والتي تحاول أن تخفي وراءها مخالب المستعمر الأوروبي وأنيابه في غالبية دول القارة الأفريقية، تلك المخالب والأنياب التي لا تزال تنشب في الموارد الأفريقية وفي مستقبل الأفارقة، والتي تدفع ملايين الأفارقة للهجرة والرحيل إلى أصقاع الأرض طلباً وبحثاً عن العيش، لأنهم محرومون من العيش في بلدانهم بسبب الشركات الفرنسية والأوروبية والتي تعطي الفُتات والنزر اليسير لعمال المناجم من الأطفال.
إن الهدف الأساسي الأول لحلف الناتو هو حماية الإرث الاستعماري الغربي، والحيلولة دون فتح ملفات الاستعمار، وإجبار الأوروبيين على دفع التعويضات ثمن استعمارهم لدول العالم وفي مقدمتها أفريقيا، وفي نفس الوقت، يعمل حلف الناتو على استدامة الحالة الاستعمارية الأوروبية لأفريقيا كمصدر مستديم شبه مجاني للطاقة والثروة، وما أزمة المجاعات التي أصبحت تعاني منها الشعوب الأفريقية بوجه خاص، كنتيجة لأزمة الحبوب الأوكرانية، إلا حلقة في سلسلة الاستهداف الأوروبي للدول الأفريقية وشعوب أفريقيا والقارة الأفريقية لتبقى تحت وصاية هذا المستعمر.
إن ما يحصل في دولة النيجر هذه الأيام والتشبث الفرنسي بإصرار على نهب الشركات الفرنسية لليورانيوم والمعادن من هذا البلد، تتم تعريته بوضوح وهو ما جعل فرنسا تفقد صوابها من خلال تصريحات مسؤوليها المرعوبين من تمرد أفريقيا على المستعمر الفرنسي والأوروبي، فكان أن عادت أسطوانة الديموقراطية والمطالبة بإعادة الرئيس المنتخب والذي هو بشكل من الأشكال مكياج ديمقراطي للمستعمر الفرنسي.
لقد أخفق الفرنسيون بالاختبار في النيجر وأثبت عدم قدرة الأوروبيين الحفاظ على التمثيلية بأنهم يحترمون سيادة الدول والقانون الدولي وحقوق الإنسان مع الشعوب غير شعوبهم. تلك الشعارات التي هي قفازات ناعمة يستخدمها الأوروبيون في سبيل تجميل قبح استعمارهم، واستمرارهم بغرس مخالبهم في أفريقيا.
إن أكثر الشعوب معرفة بجرائم المستعمرين الأوروبيين هم الأفارقة والذين اكتووا ولا يزالون يكتوون بهذا الاستعمار، من هنا يمكن فهم شعور شعوب أفريقيا وهم يرفعون الأعلام الروسية، والتي يرفعونها ليس ضد أوكرانيا بالتأكيد، وإنما انتصار لروسيا ضد الناتو وإمبراطوريات الاستعمار الأوروبي في الماضي والحاضر.
الاستعمار الأوروبي لأفريقيا لم ينتهِ، لأنه غير مكلف والأسهل في استمرار بناء الإمبراطوريات المالية الأوروبية. الاستعمار الأوروبي تسنده أغلب المؤسسات الأوروبية والأممية، فالكثير من المنظمات الأممية تتكشف أهدافها الحقيقية مثل حلف الناتو والأمم المتحدة ومنظماتها.
اليوم يحتاج الأفريقي لكي يعيش أن يعبر إلى الضفة الأخرى من البحر الأبيض المتوسط لكي يعيش، بينما الأوروبي يتسبب بهجرة ملايين الأفارقة كي يستمر هذا الأوروبي بالحفاظ على مستوى معيشته وتفوقه الاستعماري.
لقد كشفت لنا الانقلابات المتتالية في أفريقيا مؤخراً أن المستعمر الأوروبي لا يحتاج أكثر من ديكتاتور فاسد مع مساحيق الغرب المعتادة «الديمقراطية»، و«حقوق الإنسان»، بجانب مجموعات من الإرهابيين أو المرتزقة يتم إنتاجهم وجلبهم من مختلف مناطق النزاع في العالم وإفلاتهم في الدول العربية والغربية المراد نهب ثرواتها والسيطرة على مواردها، بجانب إقامة حامية عسكرية غربية مكونة من مئات العسكر تحت شعار مكافحة الإرهاب والتطرف والمجموعات المسلحة، وفي الحقيقة هي حاميات تحرس مناجم الذهب والمعادن الثمينة والموارد الطبيعية المراد نهبها وتفقير أهلها الحقيقيين.
فحرب الناتو على روسيا ليست للحفاظ على أحادية القطب الغربي ضد روسيا والصين في العالم، وإن كان هذا أحد أهداف هذه الحرب بدون أدنى شك، إنما حقيقة حرب الناتو على روسيا، هو إجهاض الصحوة الأفريقية والتمرد الأفريقي الذي لو استمر وتمدد لسدد الضربة القاضية لأوروبا. فما تشهده أفريقيا من حركات تحرر خلال السنوات الأخيرة سيؤدي حتماً لتصفية آخر جيوب الاستعمار الفرنسي والأوروبي.
صحيح أن هناك تبايناً في مواقف الأوروبيين في كثير من الأزمات بما فيها حرب الناتو على أوكرانيا، والتي نتج عنها حرمان أوروبا من مصادر الطاقة الروسية الرخيصة واستغلال زعيمة الناتو لهذا الظرف برفع أسعار الطاقة سبعة أضعاف على المستهلك الأوروبي، لكن الأوروبيين يدركون الخطر الذي يتهددهم من فتح ملفات الاستعمار، وأن الناتو هو المظلة الوحيدة التي يمكن أن تحميهم ويدركون أن ملف الاستعمار الأوروبي لو تم فتحه من قبل أممٍ متحدة حقيقية ومحايدة ونزيهة، لأفلست أوروبا بسبب دفع التعويضات للشعوب الأفريقية والشعوب العربية والآسيوية وغيرهم جرّاء هذا الملف. ويعلم الأوروبيون أنهم سيتوافدون كمهاجرين بقواربهم عبر البحر الأبيض المتوسط إلى أفريقيا والشرق الأوسط ليس كخبراء واستشاريين وإنما كمهاجرين.
عندئذ فقط يمكن أن يتوقف الغرب عن الاستمرار في تدمير أوكرانيا والأوكرانيين، وكل النزاعات العبثية الإقليمية وغير الإقليمية، وعندئذ فقط يمكن أن تكون هناك معايير نزيهة ونظيفة لحقوق الإنسان ومفاهيم عادلة للقانون الدولي.
[ad_2]
Source link