[ad_1]
ومثلما رحل عنا في صمت كان عطاؤه أيضاً في صمت تاركاً الكثير من المناقب والمآثر ولم يبق لنا من بعده سوى ذكراه العطرة.
عرفته كممثل مالي إبان عملي في وزارة البترول والثروة المعدنية في جدة فكنت أزوره في مكتبه لتوقيع بعض الأوراق التى تخص العمل، كان بابه مفتوحاً يقابلني بوجه طلق وبسمة أمل وينصحني بالجهد والاجتهاد والإخلاص في العمل وأن لا أتأخر عن مساعدة أحد له حاجة عندي.
من سنوات كنّا نذهب سوياً إلى مجلس الأمير خالد الفيصل في منزله في جدة، وكانت له منزلة خاصة في قلب الأمير خالد متعه الله بالصحة والعافية.
عرفته جدة بارّاً بأهلها، عطوفاً على ذوي الحاجات منهم، لا ينطق لسانه بفعاله، وإنما يبشّر بها حمد الساردين لها في معرض الامتنان لفاعلها وإثبات الفضل لكريم نفسه، وهم يجزلون له الدعاء خفية وجهرًا، لسابق وعيهم ويقينهم بالوعد الصادق في طوايا الحديث النبوي الشريف: «إنّ لله تعالى عبادًا اختصهم بحوائج الناس، يفزع الناس إليهم في حوائجهم، أولئك هم الآمنون من عذاب الله»..
فما أعظم البشارة في حقّ رجل أجمع النّاس على طيب معشره، وانبساط أساريره، وحسن استقباله لمن عرف ولم يعرف،
ينفّس الكربات بجزيل هباته، ويقيل العثرات، ويضمد الجراح، ويواسي ما وسعه الحيلة والقدرة، فكان مقصد المحتاج، وكهف اللائذ، ومرتجى الآمل،
لا نزكيه على الله فهو به عليم، فالوعد أن ينفّس عنه الله كرب يوم القيامة، مصداقاً لحديث الصادق المصدوق..
كانت يده سابقة ومبتدرة بالعطاء السخي في جلّ أعمال الخير التي قامت في جدة، فقُدّم إليها تقديم استحقاق وتقدير، فكان رئيساً لعدد من الجمعيات ذات الطابع الخيري المفيد لكافة أفراد المجتمع مثل جمعية إنجاب الصحية، وجمعية إبصار الخيرية، وجمعية الإيمان الخيرية لرعاية مرضى السرطان في جدة، وجمعية البيضاء الأهلية ذات النفع العام، والجمعية الخيرية بمكة المكرمة، فضلاً عن عضويته في الجمعية الخيرية بمكة المكرمة، ورئاسته للجنة «صندوق الدارين» التابعة لأمانة محافظة جدة.
كما كان له في خدمة مساجد الله والقرآن الكريم صنيع جليل، ويد باذلة، ومن ذلك أنه نائب رئيس المجلس التأسيسي لمجمع عبدالرحمن بن عوف في جدة..
وتراحب عطاء الراحل في ميادين مختلفة، بعضويته في مجلس إدارة أكاديمية الشعر العربي، وعضو مؤسسة الفكر العربي، بما يكشف عن تنوّع مشارب عطائه، وثاقب فكره الذي أناله الثقة والجدارة بتسنّم كل تلك المناصب التي تشرّفتْ به، ولم تزده إلا تواضعاً عُرف به بين النّاس، ونفسًا موطأة الأكناف، تألف وتُؤلف من انبساط أساريرها، وحسن منطقها العذب، وسمت طباعها الموشى بالذوق الرفيع، وكلها خصال جبلت عليها نفسه الحيية في أدب جم، والمترفعة عن المباذل، والمصونة شرفاً في مراقي المجد والسؤدد..
هكذا عاش «الحمدان» بيننا في حياة عامرة امتدت لأكثر من ثمانية عقود، دوّن خلالها سيرته في كل قلب، وترك إرثًا من خصال ومحامد تتعالى على البلى، وتزين صدر الأيام وصدى ذكرياتها العصية على النسيان، وصدق القائل:
وأفجعُ مَنْ فقدَنا من وَجَدنا
قُبيلَ الفقدِ مفقودَ المثالِ
أذكر عادته في كل بداية شهر رمضان منذ أن عرفته وهو لا ينسى خصلة كريمة تأصلت فيه وهو بره بأصدقائه يرسل لهم أنواعاً من التمور القصيمية الفخمة مع عدد من فوط السمرندة الإندونيسية الغالية، هذا غير الفول والسمن البلدي وما تجود به نفسه الكريمة. تراه حاضراً في كل مناسبة ومعه هدية مهما كانت المهم أن لا يأتي إلا وخيره معه.
ضرب لنا أبو خالد أروع الأمثلة في أعمال البر والخير والتقوى دون منة أو رجاءً لجزاء أو شكور إلا مخافة الله وحب الخير. عاش ومات محسناً واهباً نفسه وجهده ووقته وماله لما فيه منفعة وخير الناس.
ألا رحم الله المستشار أحمد الحمدان، بأحسن ما قدم من عطاء، وبذل من مكارم، نسأل الله أن يجعلها في مثاقيل ميزانه الراجح يوم الجزاء الأوفى بإذن الله.
وصادق العزاء لآله ومعارفه وأصدقائه، وللوطن في فقد أحد رموزه الأبرار..
وإنا لله وإنا إليه راجعون، وإنا لفراقك يا «أحمد» لمحزونون.
[ad_2]
Source link