[ad_1]
وضعت الحرب أوزارها في القارة الأوروبية في بداية الخمسينات، وبدأت عملية إعادة الإعمار في كل الدول وعلى رأسها فرنسا، وأصبحت الحاجة ماسة إلى اليد العاملة ومن هنا تدفقت أعداد كبيرة من المغاربة لتلبي حاجات السوق الفرنسية، وكلما زاد الانتعاش الاقتصادي، كلما تعاظمت الحاجة إلى هؤلاء. أولئك الذين قدموا بهدف العمل المؤقت، طالت إقامتهم فسكنوا مدن الصفيح في محيط العاصمة باريس والمدن الكبرى الأخرى، وباتوا يشكلون مجتمعات منفصلة وهي تمثل عبئاً على المدينة الفرنسية؛ لذلك كان القرار أن يتم بناء مساكن اجتماعية وجمعهم فيها. هذا الفعل بنى حاجزاً بين المهاجرين وبقية فئات المجتمع الفرنسي، وخلق تهميشاً عانى منه الجيل الثاني من المهاجرين. فإذا كان الآباء يشعرون بأنهم ضيوف وبقي انتماؤهم لبلادهم الأصلية فإن الجيل الثاني لم يعرف وطناً سوى فرنسا، فكان يريد هذا الجيل والأجيال التالية المساواة مع أقرانهم الفرنسيين، بينما الدولة الفرنسية كانت تعمد إلى بعض التحسينات على الضواحي، ولكن هذه التحسينات بقيت أقل بكثير من المطلوب، خصوصاً من الناحية الاقتصادية. مع بداية التسعينات انتهت الحرب الباردة وعادت فكرة الدولة الأمة للظهور مرة أخرى على أيدي أحزاب اليمين الشعبوي لكي تبدأ دولة المواطنة التي نشأت بعد الحرب العالمية الثانية تتراجع ببطء ولكن بثبات. وكلما زادت الأزمات الهوياتية والاقتصادية والاجتماعية كان اليمين الشعبوي يزداد صلابة ويقوى عوده. رياح اليمين الشعبوي تحولت إلى موجات عالية تضرب أوروبا حتى وصلت إلى الحكم في إيطاليا والنمسا، بل إن الأحزاب التقليدية كحزب المحافظين في بريطانيا بدأ بتبني أفكار هذا اليمين فصعد إلى الحكم بوريس جونسون بكل خطابه الشعبوي الذي دفع إلى تبني البريكست بالرغم من آثاره السلبية التي يعايشها الإنجليز الآن. في فرنسا لم يختلف الوضع فمنذ بداية القرن الواحد والعشرين واليمين المتطرف أصبح أساسياً في الانتخابات الرئاسية الفرنسية، الأسوأ من ذلك أن الأحزاب التقليدية الفرنسية بدأت تستلهم أفكار هذا التطرف اليميني، طالما أن هذه بضاعة رابحة في مزايدات الانتخابات. من هنا بدأ التطبيع مع الخطاب العنصري رويداً رويداً، حيث أصبح هدف أي سياسي أو شخصية عامة إظهار مدى تطرفه حتى يحقق من خلال ذلك حضوراً سياسياً وإعلامياً، ولعل ظاهرة المتطرف الفرنسي إريك زمور الذي كان له حضوره في الانتخابات الرئاسية الماضية هي المثال الأكثر وضوحاً في هذا الصدد. خطاب الكراهية بدأ يجد منافذه في وسائل الإعلام التي ما تزال تبني الجدار أمام شريحة واسعة من المجتمع الفرنسي ذي الأصول الأجنبية، فكانت يد وقلب اليمين الشعبوي. الأسوأ أن هذه العنصرية وصلت إلى أجهزة الأمن، فانتشر العداء بين شباب الضواحي وعناصر هذه الأجهزة، وكل يوم وعام يزداد هذا الضغط، وكان ينتظر فقط الشرارة التي تمثلت خلال الأيام الماضية بمقتل الفتى نائل.
سيدفع المهاجرون الثمن باهظاً نتيجة التغيرات التي تحدث في المجتمع الفرنسي، موجات اليمين المتطرف في طور التحول إلى تسونامي يعيد هيكلة وهندسة الدولة والمجتمع في القارة العجوز.
[ad_2]
Source link