الذكاء الاصطناعي يهدد الإبداع بسلخ المشاعر – أخبار السعودية

[ad_1]

غدَا الحديث عن الذكاء الاصطناعي مثار فزع، أو تندُّر أحياناً، بحكم أن الجهد البشري برمَج الآلة على النطق والتصوير، فيما بدأ باحثون في التفكير عما إذا كان ممكناً تعليم الآلات التفكير مثل البشر.

سجلت الأجهزة الإلكترونية الأصوات على أسطوانات، عبر عمليات ميكانيكية لا «تفكير» بها، ويترقب العالم في ظل استنساخ الذكاء للأصوات، وتركيب صوت مطرب مثلاً على موسيقى غيره، المزيد من الاستنساخات على مستوى الكتابة الإبداعية، وغيرها من الفنون، كالرسم مثلاً، وتركيب المجسمات.

«عكاظ» تطرح قضية «أثر الذكاء الاصطناعي على الأدب والفن» بين يدي كتاب وفنانين وناشرين لاستجلاء تصورهم وتقييمهم للراهن والمستقبل القريب والبعيد، وهل يقلق المنجز المتخصصين في الشأن الثقافي، أم سيكون عوناً لهم؟ وهنا مجمل الآراء التي استطلعناها..

الروائي علي المقري يرى أنه لا خطورة على الأدب من الذكاء الاصطناعي، فما ينتجه الناس في هذا المجال ما زال عصيّاً على التقليد أو المحاكاة. مشيراً إلى أن هناك روايات وقصائد أنتجها هذا الذكاء لكنّها بدت بلغة مقولبة ونمطية، تتبع برمجيات اختزنتها الكمبيوترات الضخمة من تجارب سابقة كثيرة، وهي لغة جافة أو تقريرية وإن بدت مدهشة في بعض ومضاتها.

وأكد المقري أن كل التقنيات الحديثة، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي، يمكن أن تساعد الكتّاب إلى حد ما، في تقديم المعلومات أو غيرها، ولكن لا يمكن أن تكون بديلاً للكاتب نفسه، وأضاف، وأنا هنا لا أقلّل من أهمية الذكاء الاصطناعي في مجالات أخرى، ربما يقدم فيها الكثير من الفوائد، أو المساعدة على لأقل، في إيجاد حلول لبعض المشكلات. وزاد: في كل الأحوال، نحن ندرك أن كل هذه الاختراعات والمنجزات العظيمة يقف وراءها الإنسان ودونه لم تكن لتوجد.

فيما ذهب الشاعر عبدالوهاب الملوح إلى أن مما يروى عن عالم الفيزياء النظرية «ستيفن هاوكينغ» أنه قال ذات مرة: «سيأتي يوم يحتاج فيه البشر إلى العيش في كوكب آخر أشد بدوية وبراءة من هذا الكوكب»، موضحاً أنه ينبه من مخاطر روبوتية العالم في قابل السنوات بما يلغي أي نشاط للبشر، بحكم اغتيال طاقة التخييل عند الإنسان، التي هي المحرك الرئيسي للإبداع والابتكار. ولفت الملوح إلى أنه لن يختلف اثنان على أن ماكينة التطور التكنولوجي تعمل بشكل مجنون وتقفز قفزات لا قدرة للبشر على التحكم فيها في ظل بحث الإنسان عن كل ما يريحه ويركن به نحو التواكل والتعويل على أدوات متجدده توفر عليه التعب وتضمن له الراحة بأي وسيلة كانت، إلا أن الأمر مختلف في الفن؛ فلئن استطاعت التكنولوجيا التدخل في قطاعات الفن دون استثناء من خلال ابتكار تقنيات عدة لتذليل بعض المصاعب مثلما هو الشأن في الموسيقى أو السينما أو الفن التشكيلي والأدب، فإن لا أحد ينكر أنها طورت ممارسة الفن وفتحت آفاقاً كانت مجهولة تماماً، لكنها أغرت بعض الفنانين بالاعتماد عليها اعتماداً كليّاً، ما أفقد الكتابة والفن طابعهما البشري المتدفق حيوية والمتوهج بما في داخل الإنسان من قلق وفرح وسعادة وحزن وأمل وألم، ربما ينبهر أول الأمر بهذه الإنجازات إلا أنه سرعان ما يكتشف زيفها وتصنعها، وأنها لا تلبي حاجاته النفسية ولا العاطفية ولا مشاغله اليومية. وأضاف: يجب أن نعترف أن الذكاء الاصطناعي ما زال في مراحله الأولى، وربما يشهد تطورات مهمة وعميقة له بما يتحول به إلى خطر يهدد كينونة الإنسان. وقال الملوح: لو نجح في قطاعات حيوية كالصناعة أو الفلاحة أو الميادين التي تستدعي استعانة عاجلة بالتكنولوجيا رغم ما في ذلك من مخاطر، إلا أنه لن ينجح في الفن الذي هو يرتكز بالأساس على الطاقة التخيلية للإنسان وحرارة اللمسة البشرية وقوة الدفق الحيوي الداخلي. وزاد: سيظهر فن اصطناعي فيه الكثير من الجمال، لكنه يظل قاصراً عن أن يؤثر مثلما يؤثر فن بريء ينبع من روح الإنسان في جميع تقلباته المزاجية، وكما قال غاستون باشلار «سوف يظل العلم دائماً في خدمة الفن وليس العكس».

ويذهب الناقد الدكتور طامي الشمراني إلى أن البشرية شهدت، في الأعوام الأخيرة من عمرها، ما لم تشهده في تاريخها كله على صعيد التطور التقني والذكاء الاصطناعي ما فاق كل أفق التوقعات التي يتخيلها العقل البشري، ولعل جانب النقمة اللافت في ذلك أن الإنسان صار أسيراً للآلة والتقانة التي باتت تطغى على مفاصل حياته كلها وبكل تفاصيلها.

‏وأوضح الشمراني أن دخول الذكاء الاصطناعي في الجانب الإبداعي الأدبي والموسيقي والتشكيلي، بات ملحوظاً ورئيساً وإن لم يستحوذ عليها كلياً، منها الرسم والتأليف الموسيقي، والكتابة، وهو ما نلحظه في تقنية (الشات جي بي) التي تسهم في صياغة النصوص بناء على طلب مستخدم تلك التقانة، بل بات من الممكن الطلب من التقانة تشكيل نص أدبي، أو إعادة تشكيله عبر هذه التقانات من خلال ما عرف بالأدب التفاعلي، أو الأدب الرقمي الذي أسهم في تداخل النص الأدبي مع تقانات بصرية متعددة، كما بتنا نشهد تدخلاً واسعاً لهذا الذكاء في تشكيل النوتات الموسيقية، أو في توزيعها موسيقياً وغير ذلك مما يضيق المكان عن تفصيله.

‏وتساءل الشمراني: هل سيضع الذكاء الفنون في خطر؟ ويجيب: لا بد من التسليم أولاً أن التطور التقني على صعيد الذكاء الاصطناعي بات حقيقة لا يمكن دفعها أو إنكارها، ولا بد للكائن البشري من التعايش مع مفاجآتها اليومية، إلا أن العنصر البشري المهم فيها، الذي لا يمكن للآلة الحد منه، هو عنصر المشاعر الإنسانية الذي لا يتوقع أن تتمكن الآلة من محوه أو نفيه. و أضاف: ومن هنا ربما يكون أحد الحلول في التخفيف من عبودية الإنسان للذكاء البشري، تعزيز المشاعر، والحفاظ على الأنسنة في ظل ما تشهده البشرية من انسحاق لبشرية الإنسان، تفادياً لطغيان النزعة الآلية على النزعة الإنسانية.

‏ودعا الشمراني إلى دراسة جوانبه المختلفة من باحثين متخصصين للتخفيف من نواجمه البشرية الخطيرة، لتحويل النقمة إلى نعمة.

ويرى الناقد الدكتور عبدالرحمن حسن المحسني أن الذكاء الاصطناعي (المقنن) لا يمثل نصّاً جاء لمحو النص الإنساني، بل يمثل نصه الخاص المنافس كما يحق لأي شاعر أو سارد أن يحضر ويكتب وينافس، وسواء تفوق على نص الإنسان أو بقي الإنسان متسيداً للنص فهذا لا يمثل خطورة بالمطلق في المجال الأدبي وعلى النص تحديداً. ودعا المحسني المؤسسات لوضع قوانين لحماية نص الذكاء الاصطناعي من اعتداءات الإنسان، ومنحه حقوقه الكاملة. ولو قال قائل: إنه نص يعتمد على نص الإنسان ويتكون منه، فالجواب: إن نص الإنسان نفسه ليس نصّاً صافياً، بل هو أمشاج من نصوص أخرى وكل نص متناص، وفق مصطلح (جوليا كرستيفا) وعلماء التناص.

وأوضح المحسني، أنه في ضوء تجربته الخاصة مع كتابة الذكاء الاصطناعي، يستطيع الذكاء الاصطناعي أن يتفوق على الإبداع الإنساني في بعض الفنون وليس كلها، إذ طلب منه أن يكتب له نص مسرحية مكتملة العناصر، فكتبها مشتملة على عناصر النص المسرحي من الحوار والشخصيات والحدث والصراع …إلخ. وطلبه أن يكتب له قصة فكتب ما يصل إلى مستوى كاتب متوسط لا مستوى كاتب مميز متمرس، في حين اعتذر الذكاء الاصطناعي؛ لأنه لا يستطيع إلى الآن كتابة رواية، ولكنه أخبره أنه يمكن أن يكتبها مستقبلاً، وعدّ المحسني ميزة الذكاء الاصطناعي التي يتفوق بها على الإنسان أنه سريع التحديث لنفسه، ويستطيع أن يطور الكتابة، وأنه يكتب لك ما تريد أنت وما يريده المتلقي، فإذا طلبته قصة حزينة تسليك عن ألم كتبها لك في اللحظة، وإن كنت مبتهجاً وتريد متعة كتب لك ما تريد، وهذا ما لا يستطيعه الكاتب الإنسان.

وذهب الناشر وفيق وهبي، إلى أن دماغ الإنسان عما قريب، سيحتوي على شرائح ذكية موصولة ومتعاملة مع أجهزة الذكاء الاصطناعي، ليغدو الذكاء البشري الفائق متاحاً لكل المزروع بأدمغتهم شرائح (كل البشر)، وتكون هذه الشرائح قابلة لاستقبال معلومات وأوامر الذكاء الاصطناعي، ويتحول الإنسان إلى الذكاء الاصطناعي المليء بالذاكرة والاختصاصات، ويصبح إنتاج الموسيقى والشعر والرسم من إبداعات الذكاء الاصطناعي الموجود فيناً، فنصبح اللا نحن؛ لأن الأذواق (بالتأكيد) ستتغيّر وتضمحل! مشيراً إلى أن فترة ما قبل الذكاء الاصطناعي، لو حاولنا قراءة الروايات التي نالت شهرة واسعة في القرن الماضي واستحقت جائزة نوبل، ربما لا نحبها. ولو حاولنا تقييم اللوحات الفائقة السعر لن تجد فيها تقديراً للفن، بل للتاريخ فقط، فالذائقة البشرية تعيش تحولات، شأن علاقات أفراد العائلة، وحالات الحب الرومانسي. بما في ذلك التراث الضخم من الشعر والنثر الذي سيتغيّر الإحساس به كما نستسيغه الآن. وأضاف وهبي، منذ خمسين عاماً كنت أكتب القصيدة لوالدي، فيقرأها ويعرضها على أصحابه، اليوم أكتب لابنتي أو لزوجتي فلا يهمهما لا الوزن ولا السبك ولا الصورة، يكتفون بالمعنى، وهذا ما سيفعله الذكاء الصناعي، سيكتفي بفائدة الرواية والشعر والموسيقى وليس بروعتها الجمالية.

فيما رجح الفنان التشكيلي أحمد بن حسين، أن يأخذ الذكاء الاصطناعي مكان المبدع في التصاميم والكتابة والرسم والموسيقى بإنتاجية أعلى ووقت أقل والاعتماد عليه يقلل من دور المبدع، ويمكن أن يقتل المواهب الإبداعية لقلة الحاجة لها، وعدَّ ابن حسين من آثاره السلبية، أنه سيقوم بتكرار الإنتاج الفكري ونقلة من مكان إلى آخر دون الحفاظ على الحقوق الفكرية والأدبية، فالتكرار يجعل الأعمال الإبداعية متشابهة ويقلل من قيمتها، ويرى أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يتقمص شخصية المبدع، فينتج أعمالاً إبداعية تشبه أعمال الرسام أو الكاتب أو الموسيقي، وهذا مضر بهم، إضافة إلى نموه وتطوره بحكم الزمن، وربما ينتج نصوصاً أو أعمالاً مضرة بالمجتمع فكرياً وثقافياً مثل أن ينتهج الكذب وتزوير الحقائق أو يتبنى عدوانية تجاه مجتمع أو فئه من الناس، وبهذا يغدو خطراً حقيقياً على المجتمعات. وأضاف: أتوقع أن تكون له أخطار أعظم من الخطورة الإبداعية مستقبلاً.

وعدّ الشاعر محمد خضر أن ما أنجزه الذكاء الاصطناعي إلى الآن في مجال الأدب لافت وجدير بالتساؤل والاهتمام، بفضل البيانات المجمعة عبر سلسلة من التقنيات والخوارزميات ونمذجة اللغة. ويرى خضر أن الذكاء الاصطناعي أنجز نصوصاً جميلة بل قصصاً كانت على قدر المنافسة مع ما يكتبه البشر اليوم. إلا أنها بطبيعة الحال تفتقر إلى العاطفة أو الأدب الذي يقرأ لحظة العالم ومتغيراته وتحولاته اليوم وهمومه وهذا فرق جوهري، موضحاً أن الذكاء الاصطناعي يكرر وبنظرة محدودة غير عميقة وغير قارئة للسياق الثقافي والحياتي المؤثر في الأدب. وذهب إلى أن المخاوف -إلى هذه اللحظة- من الذكاء الاصطناعي ومستقبل الأدب والفنون غير مبررة، كون الذكاء الاصطناعي يمكنه أن يلفت انتباهنا إلى قيم ومفاهيم فنية جديدة في الكتابة لم يكن البشر يعرفونها، ويمكن أن يفيد منه الكتاب البشر في التحرر من الأشكال التقليدية في الشعر والرواية والقصة، بل وفي عالم الفنون البصرية، ويمكن الإفادة منه في التصحيح والبحث عن أخطاء لغوية أو مقترحات في الصياغة..

وأضاف: لعل الذكاء الاصطناعي الأدبي لا يجد من يحمي حقوقه من أخلاقيات البعض ممن يمكن أن ينسبوا هذا الإبداع لأنفسهم.

الذكاء الاصطناعي لا يشكل خطورة

أكد رئيس أدبي منطقة الباحة الشاعر حسن الزهراني، أن الذكاء الاصطناعي لا يشكل خطورة على الإبداع، إلا أن الخطورة تكمن في من يستخدم هذه الخدمة الجليلة التي يسرت وصول الإبداع بأنواعه كافة إلى عشاقه، وأسهمت في انتشار الأسماء المبدعة وإبداعها إلى جماهيرها بأسرع وقت وأقل تكلفة وأكثر جودة، وعدّها باباً مفتوحاً للأسماء الأقل إبداعاً وربما الأسماء التي ليست لها علاقة بالإبداع، بل أساءت له بما تنشر من عبث لا ينتمي للإبداع.



[ad_2]

Source link

Leave a Reply