من المؤسس إلى الحفيد… السعوديون بين بيعتين

من المؤسس إلى الحفيد… السعوديون بين بيعتين

[ad_1]

من المؤسس إلى الحفيد… السعوديون بين بيعتين

في ذكرى مبايعة الأمير محمد بن سلمان و100 عام على بيعة الملك عبد العزيز


الاثنين – 26 شهر رمضان 1444 هـ – 17 أبريل 2023 مـ رقم العدد [
16211]


الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود يلقي خطاباً سياسياً في الحج عام 1938 وإلى يساره خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان حينما كان طفلاً

بندر بن عبد الرحمن بن معمر

على بعد أمتار من المكان الذي تلقى فيه الملك عبد العزيز البيعة الملكية الأولى قبل مائة عام، بويع الأمير محمد بن سلمان بولاية العهد في قصر الصفا بمكة المكرمة، ففي يوم الأربعاء 26 رمضان 1438هـ الموافق 21 يونيو (حزيران) 2017م أصدر الملك سلمان أمراً ملكياً، بناء على تأييد أعضاء هيئة البيعة بأغلبية 31 من 34 عضواً، باختيار الأمير محمد بن سلمان ولياً للعهد، الذي تلقى مساء اليوم نفسه البيعة من الأمراء والعلماء وكبار المسؤولين والقادة العسكريين والمواطنين.
وهنا مقارنة ومقاربة بين بيعة ولي العهد، التي تمر ذكراها السادسة هذه الأيام وبين بيعة الملك عبد العزيز قبل قرن من الزمان.
فبعد أن وحّد الملك عبد العزيز تحت رايته أقاليم متعددة من الجزيرة العربية، وأتم ضم الحجاز بايعه الأعيان وعلماء البلد الحرام وجموع الأهالي ملكاً على الحجاز، وكان ذلك بعد صلاة الجمعة من يوم 23 جمادى الآخرة 1344هـ الموافق 8 يناير (كانون الثاني) 1926م.
تلك البيعة التي تمر ذكراها المئوية هذا العام، كانت لحظة تاريخية فارقة، وأقيمت مراسمها داخل المسجد الحرام وتحديداً عند باب الصفا، أحد أكبر الأبواب في الجهة الجنوبية من الحرم ويؤدي إلى شارع الصفا ثم إلى جبل الصفا حيث بداية السعي. يومها كان المسعى سوقاً ترابية خارج المسجد الحرام، مما يبين حجم الاهتمام الذي أولاه الملك عبد العزيز ومن بعده أبناؤه الملوك لخدمة وعمارة الحرمين الشريفين، لكن تلك قصة أخرى.
كانت تلك المناسبة التاريخية هي المرة الأولى التي يحمل فيها أحد حكام الدولة السعودية في أي من أطوارها الثلاثة لقب «ملك».
والبيعة مبدأ إسلامي تميزت به الحضارة الإسلامية، وتعتبر عهداً وعقداً بين الراعي والرعية، كما أنها أحد الأسس الدستورية للدولة السعودية منذ تأسيسها الأول قبل 300 عام، كما أكدت عليها نصوص النظام الأساسي للحكم ثم نظام هيئة البيعة. وقد أرسى الملك عبد العزيز دعائم حكمه على مبادئ الشريعة الإسلامية، وأسس دولته على قواعد ثابتة من الحكم الرشيد، وقدم نموذجاً وحدوياً فريداً، جغرافياً وسياسياً وثقافياً واجتماعياً، وكانت هذه الدولة هي الوريث الحقيقي للحضارة العربية الإسلامية، يصف ذلك المؤرخ السعودي الأستاذ محمد حسين زيدان: «لئن قالوا الإسلام فنحن على السنام ولئن قالوا العروبة فنحن على الذروة».
كما أرسى الملك المؤسس بثاقب رؤيته نهجاً دستورياً فيما يتعلق بتوارث العرش، أثبت صلابته في «تثبيت دعائم الملك وتشييد أركانه وإدامة تسلسله»، وحافظ أبناء عبد العزيز من بعده على هذا النموذج الفريد للدولة، فقدموا النسخة المعاصرة للتراث السياسي العربي والإسلامي ورسخوا تقاليد الحكم العريقة، وطوروا ممارساته السياسية، وأدواته الدستورية، ونجحوا في مزج معادلة التطور والأصالة، وظلت سلاسة انتقال الحكم في المملكة على مدى المائة عام الماضية، دون حدوث أي فراغ دستوري أو إعلان لحالة الطوارئ؛ بل وبتفاعل شعبي قل نظيره؛ حالة لافتة ومفاجئة لكثير من المراقبين والمحللين السياسيين.
وحيث نعيش هذا العام الذكرى الثامنة لبيعة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز أحد العلامات الفارقة في تاريخ الدولة والرقم المهم في معادلاتها السياسية وقراراتها التاريخية، فستسطر صفحات التاريخ أن سلمان بن عبد العزيز هو من قاد البلاد في هذه المرحلة السياسية بالغة الدقة ونقل الحكم إلى جيل أحفاد عبد العزيز ضمن رؤيته الشاملة لمستقبل المملكة العربية السعودية، كما أعاد هيكلة الدولة وجدد شبابها، مع المحافظة على النهج الذي قامت عليه البلاد.
وكما كانت بيعة الملك المؤسس لحظة تاريخية فارقة ليست سعودياً فحسب؛ بل وإقليمياً وعالمياً، جاءت بيعة الأمير محمد بن سلمان بولاية العهد لحظة تحول كبرى في تاريخ المملكة العربية السعودية وعشنا معها تحولات سياسية واقتصادية وثقافية واجتماعية كبيرة، وتسريع في وتيرة الإصلاحات على الصعد كافة، كما كان لها أثرها وتأثيرها على المشهدين الإقليمي والدولي، وحملت تغييراً جذرياً يُمكّن السعودية من تبوء مكانتها الحضارية، وإعادة تمركز المملكة لتكون رقماً مهماً في توازن القوى العالمية، وأنموذجاً في رسم الاستراتيجيات لصناعة المستقبل، كل هذا في غضون أعوام قليلة.
إن القارئ لتاريخ الملك عبد العزيز يتبين له مدى عظمة شخصيته وسمو عبقريته وبعد نظره وثاقب رؤيته، وغيرها من الصفات التي جعلته أحد عظماء التاريخ، وقد ورّث أبناؤه العديد من تلك الصفات، وكانت مدرسة الملك سلمان التي هي امتداد لمدرسة الملك عبد العزيز وانعكاس لشخصيته، المدرسة الأهم التي تخرج فيها الأمير محمد واستلهم شخصية جده عبد العزيز وتعلم في جنباتها فنون الحكم ومهارات السياسة وعشق التاريخ، ومن هنا كان للأمير فلسفته الخاصة في الحكم، ورؤيته المتفردة في السياسة، وقراءته المختلفة للتاريخ.
ويمكن أن نستعرض بعض الأمثلة التي تبين أوجه التشابه في عدد من الجوانب بين محمد بن سلمان وجده عبد العزيز بن عبد الرحمن، ففي الجانب التطبيقي كما أدرك الملك المؤسس خطورة التطرف وحاربه منذ البدايات فعل الأمير، وبدعم وتوجيه من الملك سلمان، الشيء نفسه وبذات الحزم. وفيما يتعلق بالتحولات الاجتماعية، كان الملك عبد العزيز يعاني من انغلاق عدد من فئات المجتمع وعدم انفتاحهم على العالم ومقاومة التغيير لكل جديد ومن ذلك المخترعات الحديثة في ذلك الزمن مثل السيارات والطائرات والأجهزة اللاسلكية وذلك لعدم معرفتهم بها، يقول المؤرخ الألماني داكوبرت فون ميكوش: «نجح ابن سعود أيما نجاح في إيجاد الحلول لكل مشكلة والتوفيق بلباقة بين المتناقضات، هادفاً إلى إيجاد طريق وسط بين الرجعية المتعصبة والتقدمية العصرية، بحيث تفيد بلاده من جميع المستحدثات العصرية دون مساس بالدين أو التقاليد أو العادات الموروثة»، ويتفق الأستاذ خير الدين الزركلي مع هذا الرأي بتأكيده أن الملك عبد العزيز كان يسعى إلى التقدم والانفتاح على المستحدثات العصرية التي كانت تستحدث وتخترع آنذاك، ما لم يكن ذلك مخالفاً لتعاليم الدين أو الأعراف والتقاليد.
لقد أدرك الأمير محمد، وبدعم من خادم الحرمين الشريفين، أهمية التحول الاجتماعي بالنسبة للمملكة العربية السعودية، وفي هذا الوقت تحديداً ووضعه ضمن أولويات التغيير والتطوير التي ارتكزت عليها رؤية المملكة العربية السعودية 2030. وكان المجتمع الحيوي الذي يستند إلى قيم الإسلام المعتدل والانتماء للوطن والاعتزاز بالثقافة الإسلامية والتراث السعودي أحد محاور الرؤية. وقد يكمن الفرق بين الزمنين في أن المجتمع أصبح أكثر قبولاً لهذه التحولات والانفتاح على الأنماط الحياتية الجديدة.
وفي الجانب الأمني، أولى الملك عبد العزيز الأمن بمفهومه الشامل جل اهتمامه، وأكد حرصه على استتباب الأمن في أرجاء البلاد، ولخص رؤيته الأمنية في بيان عام: «إن البلاد لا يصلحها غير الأمن والسكون، لذلك أطلب من الجميع أن يخلدوا للراحة والطمأنينة، إنني أحذر الجميع من نزعات الشياطين والاسترسال وراء الأهواء التي ينتج عنها إفساد الأمن في هذه الديار المقدسة، فإنني لا أراعي في هذا الباب صغيراً ولا كبيراً».
وكان أحد أعظم إنجازات الملك المؤسس توطيد الأمن واستتبابه وبسرعة لافتة، بعد أن كان مفقوداً في أنحاء الجزيرة العربية، وحافظ أبناؤه الملوك من بعده على ذلك الإنجاز وعزز كل منهم الأمن ووطد الاستقرار بما يواكب تطورات كل عهد من العهود. يقول أمير البيان شكيب أرسلان: «لو لم يكن من مآثر الحكم السعودي سوى هذه الأمنة الشاملة الوارفة الظلال، لكان ذلك كافياً في استجلاب القلوب واستنطاق الألسن في الثناء عليه».
وبالنظر لتغيرات العصر ومستجداته وتطورات مفاهيم وجوانب الأمن الوطني، وبروز الفضاء الإلكتروني كأحد ساحات الصراع بين الدول، واختراق ذلك الفضاء من قبل المنظمات والجهات المعادية للمملكة العربية السعودية؛ نلاحظ أن الأمن السيبراني الوطني وجد الرعاية والاهتمام من خادم الحرمين الشريفين والإشراف والمتابعة من ولي العهد وتم إنشاء الهيئة الوطنية للأمن السيبراني لحماية المصالح الحيوية الوطنية والبنى التحتية الحساسة والأنظمة التقنية والتشغيلية، إضافة إلى جهود المملكة في محاربة الإرهاب الإلكتروني وحماية المجتمع من الاختراقات الفكرية ومحاولات توجيه الجماهير نحو نشر الفوضى وزعزعة الاستقرار. كما تم في هذا الجانب إنشاء عدد من الهيئات والمؤسسات الحكومية المعنية بإدارة البيانات والذكاء الصناعي وأمن المعلومات، كما تم إصدار نظام الجرائم المعلوماتية وتطبيقه بكل حزم، كل ذلك أدى إلى مواجهة الحملات المنظمة والاستهداف الممنهج لخلخلة المجتمع وزعزعة الأمن الوطني السعودي وتجفيف كثير من مصادر الإرهاب ومنابعه. إنه «الأمن الممتد»، الذي استتب على الأرض في عهد الملك عبد العزيز وتوطد فيما تلاه من العهود، وأشرف على استتبابه في الفضاء حفيده محمد بن سلمان.
وقد تكون الصورة أوضح عندما نقارن الاهتمام، الذي أولاه الملك عبد العزيز للجوانب النظامية والقانونية وتشكيل عدد من اللجان المتخصصة التي أوكل لها إعداد وسن عشرات الأنظمة والقوانين وشملت معظم الجوانب في حياة السعوديين، وشكلت ثورة قانونية وطفرة تنظيمية وقتذاك، واهتمامه بشكل خاص بالأنظمة العدلية وإصدار عديد منها مثل: نظام تشكيلات القضاة ونظام تشكيل المحاكم ونظام سير المحاكمات الشرعية ونظام تركيز مسؤوليات القضاء ونظام المرافعات الشرعية ونظام العقوبات ونظام صلاحيات المحاكم ونظام التفتيش القضائي ونظام كتاب العدل وغيرها، ونقارنها بالاهتمام الذي يوليه ولي العهد، وبتوجيهات من خادم الحرمين الشريفين، بتطوير الأنظمة في المملكة العربية السعودية، وتشكيل لجنة خاصة لإعداد التشريعات القضائية هدفها رفع كفاءة العمل القضائي من خلال تطوير الأنظمة القضائية لمواكبة التطورات المعاصرة، نجد أننا أمام صورة أخرى من صور التشابه.
لكن القصة الأبرز، التي يمكن أن تكون أوضح مثال لما أعنيه من تشابه؛ بل وحتى تطابق، والتي قد تفاجئ كثيرين تتعلق بمكافحة الفساد! فبعد صدور أمر الملك سلمان بتشكيل لجنة عليا برئاسة ولي العهد لحصر قضايا الفساد والتحقيق فيها واتخاذ ما يلزم من إجراءات مع المتورطين، «ولها تقرير ما تراه محققاً للمصلحة العامة خاصة مع الذين أبدوا تجاوبهم معها»، كما جاء في نص الفقرة الثالثة من البند ثانياً من الأمر الملكي، أعلن النائب العام أنه تمت تسويات مع عدد من المتورطين في قضايا الفساد بلغت قيمتها نحو 400 مليار ريال (أكثر من 100 مليار دولار). قد لا يعلم كثيرون أن هذا الإجراء سبق وأن اتخذه الملك عبد العزيز بحق متورطين في قضايا فساد قبل نحو 80 عاماً وهنا ما رواه المستشار فؤاد حمزة عن تلك الحادثة:
«وجدت في الرياض (في عام 1363هـ الموافق 1944م)، أن الملك اكتشف تلاعباً من قبل المنفذين للعمل باسم الحكومة، فطلبهما إلى الرياض وطرحهما في سجن المصمك، والسجن في القسم الأشد ضيقاً منه المسمى (دباب مشاري)، وبعد أن مكثا في السجن مدة ستة أشهر عفا جلالته عنهما، ولكن على شرط إرجاع ما أخذاه، ووفى بأمره، وبلغ ما أمكن إثباته أنهما أخذا مقدار 90 ألف ريال، وأمر بتقسيط ذلك عليهما رأفة بحالهما».
وبالتأكيد هناك الكثير من أوجه التشابه الأخرى، التي لا يتسع المقال لحصرها، لكن يبقى الملمح الأهم هو تلك (الرؤية الممتدة) من عهد المؤسس إلى الآن بأن إنسان هذه الأرض قادر على صنع الفرق، وكما آمن السعوديون الأوائل بمشروع الملك المؤسس الوحدوي ورؤيته لبناء الدولة وغرس فيهم عبد العزيز روح الانتماء ومشاعر الولاء، أطلق محمد بن سلمان بن عبد العزيز قدرات الإنسان السعودي وأذكى شعور الحماسة في داخله، وزاد من حس المواطنة ومشاعر الولاء وروح الانتماء.
وحينما نقرأ وصف مؤرخ القومية العربية الأستاذ جورج أنطونيوس للتغير والتحول، الذي حدث في حياة إنسان الجزيرة العربية بعد حكم الملك عبد العزيز نلاحظ حجم التشابه بين الزمنين: «وكان التغير الذي حدث يعني شيئاً أكثر من تغيير في نظام الحكم، إذ حقق تحولاً أساسياً في حياة عرب الجزيرة العربية من ناحية مظاهرها العامة والخاصة على السواء.
وجلب نظاماً من الحكم وفكرة عن الواجبات المدنية أبطلت في خلال بضع سنين ما درج الناس عليه قروناً، وأعاد للأخلاق الإسلامية والتقاليد العربية سيادتها في توجيه الشؤون العامة وفي قواعد السلوك الجماعي والفردي، ولعله أعمق تغير، وربما كان أيضاً أنفع تغير أعقب الدعوة الإسلامية في الجزيرة العربية».
الأكيد أن الاستثمار في الإنسان هو أعظم استثمار قامت به المملكة العربية السعودية طوال تاريخها، ويطول التفصيل هنا، لكنها الروح السعودية التي تفاعلت مع حركة التاريخ فصنعت (الزمن السعودي) بمنطق تاريخه وحيوية أدائه ومدارج رؤيته، فحيا الله هذه الذكرى الوطنية التي يستحضر السعوديون معها التاريخ ويقرأون في ثناياها المستقبل.
* كاتب وباحث سعودي



السعودية


ولي العهد



[ad_2]

Source link

Leave a Reply