هادي رسول لـ «عكاظ»: المثقف وسط الحشود يفقد هويته – أخبار السعودية

هادي رسول لـ «عكاظ»: المثقف وسط الحشود يفقد هويته – أخبار السعودية

[ad_1]

هادي رسول.. شاعر لا تخلو كتاباته من لفتات عميقة، وكتابات نقدية لافتة، يُعرّف الشّعر بأنه جواب بعيد وقصي لا يُرى، ويختلف مع الشعراء في أنّ الموهبة وحدها لا تكفي ما لم يقرأ الشاعر ويتثقّف، لأنّ الشاعر المثقف يصنع رؤيته الخاصة بعيداً عن أعين الحشود.

يفكّر هادي رسول في كتابة مقال بعنوان «ناقد للبيع» على غرار مقال سبق له بعنوان «شاعر للبيع» بسبب ما يلاحظه من أزمات في المشهد العربي.

أشياء كثيرة ناقشناها مع الشاعر السعودي هادي رسول تجدونها في هذا الحوار:

• دعنا نبدأ معك من الشعر، ما تعريفك له؟

•• سأستعين بتغريدة كتبتها قبل سنوات، وهي تمَثّل إجابتي على هذا السؤال:

الشعر.. ما الشعر؟

إنهُ السؤال الأصعب، السؤال المفتوح على احتمالات التأويل، الجواب البعيد والقصي الذي لا يُرى، المادة المُكثّفة لاشتهاءات التعبير التي لا تطالها اللغة.

كل تعريفات الشعر التعليمية هي تعريفات ساذجة أمام نص ينفتح على الإنسان بحرائق التكوين، وصوت الأزل، وإشراقات الأبد..

الشعر أشمل من كونه نشاطاً لغوياً وكتابياً، وكما يقول مارتن هايدجر «كل إبداع يحوي حقيقة الوجود هو شعر في جوهره».

• هل يختلف الشعراء المثقفون عن غيرهم من الناس؟

•• هذا سؤال ملغوم.. هكذا يبدو لي.

حسب فهمنا للثقافة ستتباين الإجابة أو ستضيق أو تتَّسع.

قلتُ سابقاً: إن المثقّف وسط الحشود يفقد هويته.

وبالطبع فإنّي لا أقصد الاستعلاء على الجماهير، ولكن العقل الجمعي يسلب القدرة على تشخيص الرأي والحالة، وينقاد الفرد من حيث لا يشعر للصوت الأعلى وإن كان بخلاف قناعته.

لذلك وسط الحشود أعتقد يجب أن يتخلى المثقّف عن دور الجماهير، ويتشبّث بدور المراقب والفاحص للآراء والأصوات، لا ترهبه الجماعات، ولا ينساق من حيث يشعر أو لا يشعر للأصوات العالية دون تمحيص ووعي.

بالعودة إلى السؤال عن الشعراء المثقفين، الشعر موهبة وتطويرها ثقافة، ومن أهم وسائل تطوير هذه الثقافة القراءة والقراءة والقراءة… حتى ينقطع النَّفَس.

الشاعر المثقف قادر على صناعة رؤية خاصة به، وقادر على التنظير وإبداء الرأي النقدي العميق والرؤيوي، وهو ما يعبّر عنه خزعل الماجدي في كتابه العقل الشعري «التنظير الشعري للشعراء أكثر صدقاً، وأكثر قدرة على التعبير عن ماهية الشعر من الفلاسفة والنقّاد.. الشاعر أدرى بتلك الأغوار العميقة التي تخرج منها أشعاره، وربما أدرى بموجّهاتها العقلية والفكرية».

• الحداثة الشعرية كيف تنظر إليها؟

•• الحداثة الشعرية كما أفهمها باختصار: هي وعي الشاعر بزمنه.

الوعي الشعري للغة وتطورها ونموّها في شكلها التعبيري وطاقتها الإيحائية.

وهذا الوعي متفاوت بين كل شاعر وآخر، لذلك سيتمايز الشعراء في حداثيتهم، وسيتمايزون أيضاً حتى في كلاسيكيتهم.

الحداثة الشعرية كما أعتقد ليست شكلاً شعرياً. الحداثة الشعرية وعي باللغة وممكناتها، وقدرة الشاعر على تفجير هذه الممكنات في رؤية خاصة متطورة ونامية ومختلفة قادرة على عبور أسوار الزمن وتجاوز مراحله.

• كيف ترى النقد؟•• كتبتُ قبل سنوات مقالةً بعنوان «شاعر للبيع»، وتلوح لي الآن باستمرار فكرة مقالة تحت عنوان «ناقد للبيع».

النقد حالة ضرورية لابد من ملازمتها لأي نشاط إنساني فضلاً عن النشاطين الأدبي والثقافي.

لكن، مثلما يعيش الشعر أزماته، فالنقد يعيش أيضاً أزماته.

النقد في مجتمعاتنا لا يخلو من المزاجية والهوى والأيديولوجيات.

أمّا لماذا تلوح لي فكرة مقال «ناقد للبيع»، فذلك بسبب ما ألاحظه من أزمات مشهدنا الأدبي العربي وليس المحلّي فقط.

مثلما يعيش الشعر الحالة الاستهلاكية، يعيش النقد هذه الحالة وينظّر لها ويمجّدها أيضاً.

الناقد الاستهلاكي يعتاش على هذا المشهد ويبرز فيه بشكل لافت.

بل يصل إلى انجراف بعض المهتمين بالكتابة النقدية إلى كتابة دراسات نقدية لمنجزات أدبية تحت الطلب بمقابل مادي، ولعلّ من هذه المنجزات ماهو في طور التشكّل والنضج التي لا ترقى لأن تخصص لها دراسة شاملة، سوى أنها عتبة يقدّم فيها الكاتب موهبته علّها قادرة على صناعة تجربة ناضجة في المستقبل تستحق أن يُكتب عنها لاحقاً بوعي نقدي يساوق وعيها الشعري والأدبي.

النقد في مشهدنا يقع تحت سطوة الاستهلاك، ويخضع للشلليّة، والتأثير الجغرافي والانتماءات الصغيرة، والمؤسسات النافذة.

• ماذا عن اهتماماتك النقدية؟•• أخصص جانباً من قراءتي الأدبية في النقد، فمكتبتي تضم العديد من المنجزات النقدية العربية للعديد من الأسماء المهمة في النقد المعاصر، مثل علي جعفر العلاق، عبدالسلام المسدّي، فوزي كريم، صلاح فضل، إضافة إلى دراسات أدونيس والمؤلفات التنظيرية لقاسم حداد، ومؤلفات نقدية أخرى للعديد من الأسماء العربية.

ولا أخفي اطلاعي على التنظيرات النقدية الغربية التي مازجت بين الشعر والفلسفة كتنظيرات غاستون باشلار ومارتن هايدغر وما كُتِب عنهما وعن رؤيتهما للشعر واللغة.

إضافة إلى بعض الترجمات لرولان بارت وماكس بيكارد وتيري ايجلتون وآخرين.

• أنت ترى أنّ المسابقات الشعرية جرّدت الشاعر من سلطته وتمرّده.. لماذا؟•• كتبتُ هذا الرأي على صفحتي في الفيسبوك وتويتر، واستحسنت مداخلة صديقنا الشاعر الأستاذ شفيق العبادي وهو يشير إلى حرية الشاعر عوضاً عن تعبير سلطة الشاعر.

كتبتُ عن المسابقات في أكثر من منشور فيسبوكي وتغريدة على تويتر، وغالباً كانت تشكّل هذه المنشورات جدلاً بعضه إيجابي وبعضه سلبي نتيجة التلقي السلبي والفهم الخاطئ.

أحب أن أوضّح أنني لستُ ضد المسابقات كنوع من الحراك الثقافي، وقد شاركت في بعضها وحققت جوائزها، لكني ضد أدلجة المسابقات وفرض رؤيتها وشروطها على الشاعر، وضد أن يرهن الشاعر تجربته للمسابقات من أجل تطريز سيرته الذاتية أو السعي نحو هالة إعلامية بالفوز بالمسابقات، التي تخلق وعياً زائفاً لدى الأجيال الجديدة بأنّ الجائزة هي المنجز والطموح الأدبي دون الاشتغال العميق على التجربة.

نعم الشاعر حر والشعر حرية اللغة، وما إنْ تقدّم المسابقات شروطها حتى تضع قيوداً على تلك الحرية.

كثير من الشعراء الناضجين انجرفوا نحو المسابقات إلى الدرجة التي امتهنوا فيها تجربتهم المتوقدة، وصاروا يكتبون وفق الشروط والمعايير، حتى أصبحوا يتقصون عن تلك المسابقات التشجيعية التي يُفترض أنهم تجاوزوها بمراحل.

حقيقة لا أفهم هذا السعي الحثيث نحو مسابقات لن تضيف للشاعر ولن تعمل على تطوير تجربته.

هذا الرأي خلق لي العديد من الحساسيات، لكني أناقشها باحترام وأتفهمها، ولا أتردد في التعبير عن رأيي طالما أنَّ هذا الرأي أقدّمه كمراجعة للظواهر في الفعاليات الأدبية لا للمؤسسات الراعية للمسابقات كمؤسسات، ولا للشخوص الذين أكن لهم على المستوى الشخصي والإنساني عميق الود والاحترام، وتجمعني ببعضهم صداقات متينة وحميمة.

• كشاعر، هل تخطط لكتابة قصيدتك؟•• تخطيط بمعنى وضع محددات للنص واستجداء الكتابة اللحظية.. بالتأكيد لا.

إنما هو تخطيط لصناعة رؤية شعرية خاصة متطوّرة من خلال القراءة الكثيفة والاطلاع على التجارب الشعرية والنقدية والفكرية المختلفة.

• الحراك الشعري متى يكون حراكاً مريضاً ومشغولاً بالمكرور والمنسوخ؟•• الحراك الشعري لا يكون حراكاً فاعلاً وهو لا ينظر إلا بعيون شلته أو انتمائه الجغرافي أو القِبَلي.

للأسف نحن نعيش لحظة مأسسة الشلة، الشلة بعد أن كانت تفتقد الترخيص الرسمي أصبحت مؤسسات ومنصات مرخّصة، لهذا تتكرر الأسماء والأنشطة والفعاليات.

أصبحت الفعاليات الأدبية فاقدة للمنهج والرؤية، تُقام المهرجانات لأجل المهرجانات دون وعي بالمرحلة ودون النظر للأثر الناتج منها. وللأسف ليست هناك مراجعات حقيقية لدور وأثر هذه الفعاليات، وحين تجرؤ بعض الأصوات على تقديم مراجعات حول هذه الأنشطة والفعاليات، يتم التشكيك في أهدافها ونواياها، حتى المراجعات النقدية القليلة لهذه الظواهر لا يُراد لها أن تكون فاعلة، لأنها فاضحة وتشير إلى عثرات هذه الأنشطة بصدق وشفافية.

• كتابة الشعر، هل لها شروط؟•• الشعر فوق الشروط.. كل كتابة شعرية ترتهن للشروط هي كتابة قاصرة وعاجزة.

للشعر فضاءات وليس شروطاً.

فضاء اللغة وفضاء المخيّلة وفضاء الموقف الفكري للشاعر الذي ندعوه رؤية شعرية أو تجربة شعرية.

• الشاعر بعد موته، ما الذي يبقى له؟•• يبقى له زمنه.. ذلك الزمن الذي يستطيع أن يتجاوز من خلاله أسوار الأزمنة المتلاحقة.

أعوّل على الزمن فهو غربال التجارب، التي سينقلها في زمن لاحق إلى متلقٍّ واعٍ يسبر أغوار التجربة، ويلتحم معها ويعيد إنتاجها في قراءات ومقاربات لا نهائية.

•القلق الإبداعي، هل هو حالة كتابية أم رؤية وجودية؟•• كلاهما معاً.. هو حالة كتابية تفرضها لحظة الكتابة ودروبها الوعرة والشائكة.

هو رؤية وجودية، وتبصّر دائم في الوجود.. لعل له مداخل لكن ليس له مخارج.

هو متاهة وجودية بامتياز، وقد قلتُ في حوار سابق «القلق رئة الشاعر».

• متى ينضج الشاعر؟•• النضج مراحل متلاحقة، أو قفزات متتالية، ليست مرحلة واحدة.

النص الأول الذي يكتبه الشاعر هو ملامح أولى لاستكشاف خريطة الطريق التي ستكبّر وتتسّع بما يرافقها من محطات متتابعة، و لكل محطة نضجها.

النضج لا يتوقف، وهنيئاً لمن يقاوم عثرات الدروب التي تتلاحق فيها مراحل النضج ومحطاته.

• كيف تنظر إلى الغموض في الشعر؟•• ما الشعر سوى ذلك الغموض الشفيف، الغموض الذي يمنح المتلقي المشاركة في النص بتأويلات لا منتهية لا تفسيرات ناجزة ونهائية.

من غموض أبي تمام في «ماء الملام» إلى غموض أدونيس وقاسم حداد وغيرهم، يرتفع توتر اللغة، ويُمنح الشعر لحظته الأبدية.

يقول قاسم حداد «ادخل غموضك ولا تتوضّح ولا تهتم».

• هناك من يرى أنّ ساحتنا الأدبية حساسة جداً.. هل أنت مع أم ضد هذه الرؤية؟

•• نعم حسّاسة جداً.. هذا طبيعي جداً وأتفهمه شخصياً.

الحساسية جزء من تكوين الأدباء عموماً والشعراء خصوصاً، وإلا لما كانوا مرهفي الحس.

لكن الخشية أن تعمي هذه الحساسية العيون عن الثغرات، وتصمّ الأسماع عن المراجعات الصادقة للمناشط والفعاليات التي يقومون عليها.

الإيمان بحساسيتنا جزء من بشريتنا، ويستلزم ذلك تقبّل المراجعات التي تقف على الثغرات والهفوات، وتقييم الآراء بموضوعية بعيداً عن الحساسية الشخصيّة.

• «نداء على حافة الأبدية» كتاب أم ديوان شعر؟•• هو مغامرة مختلفة ولعلها جريئة أيضاً.. مغامرة اقتحمتُ فيها السرد وجاورته بالشعر.

تجربة أحببتها على المستوى الشخصي، وللمتلقي حق الرأي حول هذه التجربة.

• موقف لا تنساه ما زال عالقاً بذاكرتك؟•• كثيرة هي المواقف التي لا يستطيع محوها الزمن.

لكن يبقى لرحيل والدي في أبريل 2020 مرارته المضاعفة لديّ.

في أواخر 2019 كنت أنهي كتابي «نداء على حافة الأبدية»، الذي كتبت إهداءه لوالدي، وكنتُ أعدّه كمفاجأة له على وجه الخصوص، كان والدي ظلاً يتحرك في الكتاب، وكنت أتلهف لرؤية وقع هذه المفاجأة على عينيه.

اتفقت مع دار مدارك بداية 2020 وكان من المقرر أن يتم نشر الكتاب في مارس 2020 تزامناً مع معرض الكتاب بالرياض. وبالفعل، أنهت دار مدارك إجراءات الطباعة في فبراير، لكن ما لبث أن غزانا فايروس كورونا، وتم فرض منع التجول على مناطق المملكة التي صاحبها شلل في الحياة العامة.

صدر الكتاب لكن لم يصلني، وفي أثناء ذلك تتدهور صحة والدي إثر مضاعفات سرطان الرئة فيدخل في غيبوبة لمدة ثلاثة أسابيع يفارق بعدها الحياة -رحمه الله- ولم يعلم عن الكتاب.

لا أعلم كيف أفسّر ذلك النداء الأبدي الذي تحوّل من حالة مجازية إلى حالة واقعية، بحثاً عن تلك الروح الحانية وذلك الظل الوارف وذلك الصوت الدافئ في «نداء على حافة الأبدية».



[ad_2]

Source link

Leave a Reply