[ad_1]
****
إن صفات «اليمين» (Right) و«اليسار» (Left) و«الوسط» (Moderate)… إلخ، التي تطلق اليوم على الأيديولوجيات والتيارات السياسية المختلفة، ويوصف بها أنصارها، تعود (تاريخياً) إلى القرن الثامن عشر الميلادي. وتعتبر في الوقت الحاضر، أهم وأول معايير تصنيف الأيديولوجيات والعقائد والتوجهات، الفردية والحزبية السياسية، وكذلك التيارات الفكرية والسلوكية السائدة في عالم اليوم.
وقد برزت هذه الصفات، وبدئ في استخدامها، بعد قيام «الثورة الفرنسية»، وتأسيس «الجمعية الوطنية» الفرنسية (البرلمان الفرنسي). ففي صيف عام 1789م، اجتمعت تلك الجمعية في قاعة بها مقاعد على هيئة حدوة حصان، وفي وسطها جلس المتحدث باسم تلك الجمعية. وعلي يمينه (اليمين) جلس «المحافظون»، الذين كانوا ينادون باستمرار الملكية في فرنسا، واستمرار معظم الأوضاع السياسية على ما هي عليه. أما علي يسار المتحدث (اليسار) فقد جلس «اليساريون» (الثوريون)… الذين كانوا يطالبون بتغيير الوضع القائم في فرنسا جذرياً، عشية الثورة الفرنسية، وإقامة نظام جمهوري ديمقراطي، وضمان الحريات العامة. وبين المحافظين والتقدميين (الثوريين) جلس «المتحررون» (Liberals) ممثلين «الوسط»… إذ كانوا ينادون بإدخال تعديلات كبيرة على ذلك الوضع، أهمها التحول نحو الديمقراطية. والليبرالية صفة أصبحت تطلق على أولئك الذين يثمنون الحرية والديمقراطية، لهم ولغيرهم، في الإطار القانوني والنظامي الذي ترتضيه غالبية المجتمع المعني. وهم أكثر الناس تحمساً للحرية، وأكثرهم كراهية للاستبداد، ومقتاً لمن يقبلونه. وهم غالباً ما يكونون في منطقة الوسط.
****
ومنذ ذلك الحدث، أخذت هذه الألفاظ، وما تفرع منها (كـ«يمين اليمين المتطرف»….إلخ) تستعمل في وصف (وتقسيم) العقائد والتوجهات السياسية والفكرية المختلفة. فيقال -مثلا- إن هذه الأيديولوجية «يسارية»… إن كان أنصارها ينادون بإحداث تغيير جذري في الوضع القائم. وتوصف بأنها «يمينية» إذا كانت محافظة… بينما توصف الأيديولوجيات ذات الأهداف المعتدلة بأنها «وسط». مع وجود تفرعات مشابهة لكل توجه رئيس. فإن اعتبرنا الاشتراكية (الشمولية) المتطرفة تقع في اليسار، و«الليبرالية» (التحررية) في الوسط، و«اليمين» التقليدي (المحافظ) في اليمين، يلزمنا القول: إن في كل اتجاه توجهات متفرعة عنه، ومنبثقة منه، إفراطاً أو تفريطاً، تشدداً أو مرونة.
وأغلب خبراء وعلماء السياسة الحاليين يقسمون أبرز الأيديولوجيات الحالية تقسيماً أولياً على هذا المستقيم، كالتالي:
– اليسار: وفي أقصاه توجد «الفوضوية»، يليها «الشيوعية»، ثم الاشتراكية المتشددة، وغيرها.
– الوسط: ويتضمن «التحررية» (الليبرالية) و«المحافظة» المعتدلة، و«الاشتراكية الديمقراطية»، وغير ذلك.
– اليمين: وتوجد في أقصاه «الشمولية الثورية» (كالفاشية) ثم الرجعية الدينية، وغيرها مما يشابهها في التطرف، ثم المحافظين المتشددين… إلخ.
وهذا التقسيم لا يقتصر على السياسة، وحسب، بل يمكن انطباقه في بقية مجالات الحياة العامة الأخرى، وخاصة المجالات الفكرية والاقتصادية والأمنية، إضافة للمجال الاجتماعي، بما يشمله من تفرعات دينية وثقافية مختلفة. ولا يخلو أي بلد في عالم اليوم، من متحمسين لهذا الاتجاه أو ذاك، ومن تواجد عشرات «التوجهات» السياسية المعلنة وغير المعلنة المختلفة.. التي يمكن إدراجها وتصنيفها ضمن هذه التقسيمات. وفي كل من الدول الديمقراطية تتجسد هذه «التوجهات» عادة في أطر حزبية ومؤسساتية سياسية متنوعة، ومتنافسة على تأييد شعبها والآخرين. والشكل التالي يمثل هذا المستقيم.
****
هذا ليس حديثاً أكاديمياً، وإن كان لا يخلو من لمسة أكاديمية خفيفة. فهذا المقياس في منتهى البساطة، إضافة لكونه واسع الانتشار في أوساط المتعلمين والعامة، وغيرهم، في أرجاء العالم. ومن خلال فهمه، نحاول فهم بعض التوجهات العالمية (والغربية) المستجدة، التي تبلورت في العقدين الأخيرين. فـ«الليبرالية» التقليدية تقدس الحرية، الفردية والجماعية، وتؤكد عليها. ولكنها الحرية المنضبطة بالقيم والقوانين التي ترتضيها غالبية المعنيين، مدركة بأن «الحرية المطلقة مفسدة، وفوضى، مطلقة». فالعقد الاجتماعي للعيش المشترك، في ظل سلطة منظمة، يتطلب «تقييد» الحرية، بقيود من القيم الإنسانية المبجلة، تفادياً للفوضى الاجتماعية المدمرة.
ويبدو أن غالبية الليبراليين في العالم هم مع ما يمكن أن نصفه بـ «الليبرالية الإيجابية»، أو المقيدة، وغير المنفلتة (الوسط). غير أنه انبثق عن الليبرالية التقليدية ليبرالية (سلبية) لا تعترف بالقيود المانعة للفوضى.. بل تنتهك القيم والأعراف، بزعم تحقيق الحرية (الكاملة) للأفراد والجماعات، وتتطاول على الفطرة، والطبيعة البشرية، بهدف توفير الحرية التامة للنفس البشرية.. متناسية أن الحرية التامة مفسدة تامة.. تقود، بالضرورة، للفوضى المجتمعية المدمرة، التي تندلع بسبب تقويض الأسرة، ومن ثم المجتمعات الإنسانية، وتحويلها إلى مجتمعات بهيمية، تتحكم فيها الشهوات الهدامة. ومن ذلك مثلاً، دعم «المثلية». بل ومحاولة تقنينها، وفرضها على الغالبية. وهذا، إن حصل، قل على الإنسانية السلام. ولكنه لن يحصل، على نطاق واسع، بسبب رفض اليمين، وكل الوسط، له.
[ad_2]
Source link