كل إنسان وظروفه..!

كل إنسان وظروفه..!

[ad_1]

لم يكن ذلك الموظف الإداري يحظى بأي قابلية لدى المراجعين الذين يقصدونه لإنهاء معاملاتهم؛ كان عابس الوجه، سيئ المعشر، دائم التذمر، سريع الانفعال: “حط أوراقك هنا وراجعني بعد بكرة تلقاها جاهزة”.

– طيب مستعجل، وراي سفر.

– أعتقد أنك سمعتني، وأنا قلت اللي عندي فلا تضيع وقتي رجاء (انتهى).

حينها يلتفت المراجع وقد أعماه الغضب فيعض على لسانه ويتمتم قائلاً:

“الله ياخذ عمرك، والله لو ماهي شرهة من الله وخوف من العواقب لأتوطا ببطنك قدام المراجعين”!!

كنتُ أحمل الانطباع نفسه عن هذا الموظف، حتى اتصل بي يومًا، وطلب لقائي. ولأن الطلب مفاجئ، وصادم، قلت له دون أن أشعر: “خير وش تبغي؟!”. ضحك وقال: “أريدك باستشارة قانونية يا (أبو ماجد) لا تردني”.

وبالفعل التقيته؛ لتتغير بعدها الصورة المطبوعة عنه 180 درجة. لم يكن ذلك الموظف الحازم، والمتذمر، وحاد الطباع.. بل كان أشبه بالحمل الوديع الذي حاصرته الضباع المتوحشة من كل جهة: كان يرعى أمه المريضة، ويعول أخته المطلقة وأولادها، ويسعى لعلاج ابنته الصغيرة، ويواجه قرار تنفيذ أُوقفت بسببه خدماته، وقد يصدر بحقه أمر قبض.. كل هذه الظروف القاهرة سلبت نومه، وصنعت منه إنسانًا عصبي المزاج!!

صحيح أن ما للناس إلا الظاهر، وأن مراعاة مشاعر الآخرين واجب على كل إنسان حتى لا يفقد احترامهم، وربما محبتهم وصداقتهم، لكننا مطالبون في المقابل أيضًا بمراعاة ظروف بعضنا.

كثيرًا ما نسمع بأن فلانًا (بخيل)، ولا عمره (قط) معنا على العشاء.. ثم نكتشف فيما بعد أن عليه قرضًا، أو يبني عمارة.. ولطالما أزعجنا ذلك الصديق بانتقاداته لعدم توجيه الدعوة إليه بمناسبة أو سهرة، ثم نكتشف فيما بعد أنه نشأ وحيدًا لأمه، وتربى في ظروف صعبة.. ولطالما وجّهنا سهام نقدنا لذلك الصديق الذي لا يحترم المواعيد، و(يلطعنا) بالساعة، ثم نكتشف فيما بعد أنه يواجه مشاكل أسرية، وارتباطات اجتماعية، لو قُدرت لواحد منا ما التقيناه العمر كله!

أما المطلوب من هذه الفئات فهو أن تخف علينا، بمعنى أن لا تطلب منا تحمُّلها، وفي الوقت نفسه تستخف بعقولنا؛ فأعصابنا لا تحتمل أن نقرأ بعد كل هذه الغلبة الفاضية في حالة البخيل على الواتس آب مقولة: (أنفق ما في الجيب يأتيك ما في الغيب)، وفي حالة اللوام (التمس لأخيك سبعين عذرًا فإن لم تجد فقل له عذرًا)، وفي حالة من يخلف المواعيد (الوقت من ذهب إن لم تدركه ذهب)!

من يرى ذلك الموظف الإداري اليوم بالتأكيد لن يعرفه بعد أن حُلت قضيته، وعولجت مشاكله، وهدأت سريرته، وقد رُقي لوظيفة إدارية، وأصبح ينهض من مكتبه مصافحًا كل مراجع قبل أن يوجه بإنهاء معاملته في الحال، ويصحبه إلى باب الإدارة مودعًا وداعيًا له.. هكذا هو الإنسان منا، أشبه ما يكون ببطارية شحن؛ كلما زاد الحمل عليه مع مرور الزمن أصبح أقل فاعلية، وأكثر قابلية للانفجار؛ لهذا علينا ألا نتصيد أخطاء أحبتنا، وأن لا نحاسبهم على كل صغيرة وكبيرة، ثم نكتب في حالتنا بالواتس آب: (كل إنسان وظروفه)!!

كل إنسان وظروفه..!


سبق

لم يكن ذلك الموظف الإداري يحظى بأي قابلية لدى المراجعين الذين يقصدونه لإنهاء معاملاتهم؛ كان عابس الوجه، سيئ المعشر، دائم التذمر، سريع الانفعال: “حط أوراقك هنا وراجعني بعد بكرة تلقاها جاهزة”.

– طيب مستعجل، وراي سفر.

– أعتقد أنك سمعتني، وأنا قلت اللي عندي فلا تضيع وقتي رجاء (انتهى).

حينها يلتفت المراجع وقد أعماه الغضب فيعض على لسانه ويتمتم قائلاً:

“الله ياخذ عمرك، والله لو ماهي شرهة من الله وخوف من العواقب لأتوطا ببطنك قدام المراجعين”!!

كنتُ أحمل الانطباع نفسه عن هذا الموظف، حتى اتصل بي يومًا، وطلب لقائي. ولأن الطلب مفاجئ، وصادم، قلت له دون أن أشعر: “خير وش تبغي؟!”. ضحك وقال: “أريدك باستشارة قانونية يا (أبو ماجد) لا تردني”.

وبالفعل التقيته؛ لتتغير بعدها الصورة المطبوعة عنه 180 درجة. لم يكن ذلك الموظف الحازم، والمتذمر، وحاد الطباع.. بل كان أشبه بالحمل الوديع الذي حاصرته الضباع المتوحشة من كل جهة: كان يرعى أمه المريضة، ويعول أخته المطلقة وأولادها، ويسعى لعلاج ابنته الصغيرة، ويواجه قرار تنفيذ أُوقفت بسببه خدماته، وقد يصدر بحقه أمر قبض.. كل هذه الظروف القاهرة سلبت نومه، وصنعت منه إنسانًا عصبي المزاج!!

صحيح أن ما للناس إلا الظاهر، وأن مراعاة مشاعر الآخرين واجب على كل إنسان حتى لا يفقد احترامهم، وربما محبتهم وصداقتهم، لكننا مطالبون في المقابل أيضًا بمراعاة ظروف بعضنا.

كثيرًا ما نسمع بأن فلانًا (بخيل)، ولا عمره (قط) معنا على العشاء.. ثم نكتشف فيما بعد أن عليه قرضًا، أو يبني عمارة.. ولطالما أزعجنا ذلك الصديق بانتقاداته لعدم توجيه الدعوة إليه بمناسبة أو سهرة، ثم نكتشف فيما بعد أنه نشأ وحيدًا لأمه، وتربى في ظروف صعبة.. ولطالما وجّهنا سهام نقدنا لذلك الصديق الذي لا يحترم المواعيد، و(يلطعنا) بالساعة، ثم نكتشف فيما بعد أنه يواجه مشاكل أسرية، وارتباطات اجتماعية، لو قُدرت لواحد منا ما التقيناه العمر كله!

أما المطلوب من هذه الفئات فهو أن تخف علينا، بمعنى أن لا تطلب منا تحمُّلها، وفي الوقت نفسه تستخف بعقولنا؛ فأعصابنا لا تحتمل أن نقرأ بعد كل هذه الغلبة الفاضية في حالة البخيل على الواتس آب مقولة: (أنفق ما في الجيب يأتيك ما في الغيب)، وفي حالة اللوام (التمس لأخيك سبعين عذرًا فإن لم تجد فقل له عذرًا)، وفي حالة من يخلف المواعيد (الوقت من ذهب إن لم تدركه ذهب)!

من يرى ذلك الموظف الإداري اليوم بالتأكيد لن يعرفه بعد أن حُلت قضيته، وعولجت مشاكله، وهدأت سريرته، وقد رُقي لوظيفة إدارية، وأصبح ينهض من مكتبه مصافحًا كل مراجع قبل أن يوجه بإنهاء معاملته في الحال، ويصحبه إلى باب الإدارة مودعًا وداعيًا له.. هكذا هو الإنسان منا، أشبه ما يكون ببطارية شحن؛ كلما زاد الحمل عليه مع مرور الزمن أصبح أقل فاعلية، وأكثر قابلية للانفجار؛ لهذا علينا ألا نتصيد أخطاء أحبتنا، وأن لا نحاسبهم على كل صغيرة وكبيرة، ثم نكتب في حالتنا بالواتس آب: (كل إنسان وظروفه)!!

29 ديسمبر 2020 – 14 جمادى الأول 1442

12:18 AM


كل إنسان وظروفه..!

أحمد عجبالرياض

لم يكن ذلك الموظف الإداري يحظى بأي قابلية لدى المراجعين الذين يقصدونه لإنهاء معاملاتهم؛ كان عابس الوجه، سيئ المعشر، دائم التذمر، سريع الانفعال: “حط أوراقك هنا وراجعني بعد بكرة تلقاها جاهزة”.

– طيب مستعجل، وراي سفر.

– أعتقد أنك سمعتني، وأنا قلت اللي عندي فلا تضيع وقتي رجاء (انتهى).

حينها يلتفت المراجع وقد أعماه الغضب فيعض على لسانه ويتمتم قائلاً:

“الله ياخذ عمرك، والله لو ماهي شرهة من الله وخوف من العواقب لأتوطا ببطنك قدام المراجعين”!!

كنتُ أحمل الانطباع نفسه عن هذا الموظف، حتى اتصل بي يومًا، وطلب لقائي. ولأن الطلب مفاجئ، وصادم، قلت له دون أن أشعر: “خير وش تبغي؟!”. ضحك وقال: “أريدك باستشارة قانونية يا (أبو ماجد) لا تردني”.

وبالفعل التقيته؛ لتتغير بعدها الصورة المطبوعة عنه 180 درجة. لم يكن ذلك الموظف الحازم، والمتذمر، وحاد الطباع.. بل كان أشبه بالحمل الوديع الذي حاصرته الضباع المتوحشة من كل جهة: كان يرعى أمه المريضة، ويعول أخته المطلقة وأولادها، ويسعى لعلاج ابنته الصغيرة، ويواجه قرار تنفيذ أُوقفت بسببه خدماته، وقد يصدر بحقه أمر قبض.. كل هذه الظروف القاهرة سلبت نومه، وصنعت منه إنسانًا عصبي المزاج!!

صحيح أن ما للناس إلا الظاهر، وأن مراعاة مشاعر الآخرين واجب على كل إنسان حتى لا يفقد احترامهم، وربما محبتهم وصداقتهم، لكننا مطالبون في المقابل أيضًا بمراعاة ظروف بعضنا.

كثيرًا ما نسمع بأن فلانًا (بخيل)، ولا عمره (قط) معنا على العشاء.. ثم نكتشف فيما بعد أن عليه قرضًا، أو يبني عمارة.. ولطالما أزعجنا ذلك الصديق بانتقاداته لعدم توجيه الدعوة إليه بمناسبة أو سهرة، ثم نكتشف فيما بعد أنه نشأ وحيدًا لأمه، وتربى في ظروف صعبة.. ولطالما وجّهنا سهام نقدنا لذلك الصديق الذي لا يحترم المواعيد، و(يلطعنا) بالساعة، ثم نكتشف فيما بعد أنه يواجه مشاكل أسرية، وارتباطات اجتماعية، لو قُدرت لواحد منا ما التقيناه العمر كله!

أما المطلوب من هذه الفئات فهو أن تخف علينا، بمعنى أن لا تطلب منا تحمُّلها، وفي الوقت نفسه تستخف بعقولنا؛ فأعصابنا لا تحتمل أن نقرأ بعد كل هذه الغلبة الفاضية في حالة البخيل على الواتس آب مقولة: (أنفق ما في الجيب يأتيك ما في الغيب)، وفي حالة اللوام (التمس لأخيك سبعين عذرًا فإن لم تجد فقل له عذرًا)، وفي حالة من يخلف المواعيد (الوقت من ذهب إن لم تدركه ذهب)!

من يرى ذلك الموظف الإداري اليوم بالتأكيد لن يعرفه بعد أن حُلت قضيته، وعولجت مشاكله، وهدأت سريرته، وقد رُقي لوظيفة إدارية، وأصبح ينهض من مكتبه مصافحًا كل مراجع قبل أن يوجه بإنهاء معاملته في الحال، ويصحبه إلى باب الإدارة مودعًا وداعيًا له.. هكذا هو الإنسان منا، أشبه ما يكون ببطارية شحن؛ كلما زاد الحمل عليه مع مرور الزمن أصبح أقل فاعلية، وأكثر قابلية للانفجار؛ لهذا علينا ألا نتصيد أخطاء أحبتنا، وأن لا نحاسبهم على كل صغيرة وكبيرة، ثم نكتب في حالتنا بالواتس آب: (كل إنسان وظروفه)!!



[ad_2]

Source link

Leave a Reply