«لأول مرة في حياتي أبكي في سيارتي بعد نهاية يوم عمل.. الناس يموتون.. النظام الصحي لم يصل لمرحلة صعبة فحسب.. بل وصل الأمر بالفعل لمرحلة الانهيار».

هذا ما قاله طبيب بريطاني بعد معايشته للوضع الخطير الذي وصلت إليه الخدمات الصحية في بريطانيا، وأدى إلى حالة استنفار لحكومتها لإنقاذ الوضع، رئيس الوزراء الجديد ريشي سوناك يواجه امتحاناً صعباً هذه الأيام يحاول تجاوزه بكل الوسائل لكن يبدو أن مهمته تكتنفها كثير من الصعوبات. ضغط شعبي وإعلامي كثيف على الحكومة للتدخل الحاسم والسريع، وسوناك يدعو إلى حل جريء وجذري لإنهاء الأزمة، لكن ذلك يبدو أقرب إلى المستحيل في المنظور القريب لأن أسباب الأزمة متشعبة ومعقدة نتيجة تراكمات سلبية أوصلت الحال إلى ما هو عليه الآن، حيث تطول طوابير الانتظار في أقسام الطوارئ لساعات طويلة، وتؤجل عمليات جراحية لشهور دون تحديد مواعيد مؤكدة، نقص شديد في الكوادر الصحية بسبب إضرابهم عن العمل نتيجة تردي أوضاعهم وعدم الاهتمام بمطالبهم، والحال يمضي من سيئ إلى أسوأ.

لاحظوا أننا نتحدث عن بريطانيا التي كان نظامها الصحي وخدماتها الصحية إلى وقت ليس بعيد نموذجاً للجودة، لكن أولويات الحكومات المتعاقبة في السنوات الأخيرة تغيرت فانخفض الاهتمام بمشاكل واحتياجات القطاع الصحي حتى تفاقمت ثم انفجر الوضع مؤخراً بشكل كارثي.

قبل فترة قريبة كتبت مقالاً عنوانه «إلا الصحة» نوّهت فيه إلى ضرورة التأني في أي تعديلات على النظام الصحي لدينا كي نضمن أنها تضيف إلى جودة الخدمات الصحية وليس العكس، وتجعل الوصول إليها أسرع لكل مواطن بما يحقق العدالة والمساواة ويطبق التزام الدولة في نظامها الأساسي بضمان حصول المواطنين على الرعاية الطبية الجيدة.

إن ميزانيات القطاع الصحي مهما كانت ضخمة فإنه لا يضمن الاستفادة المثلى منها إلا نظام صحي جيد مبني على أسس تراعي وتهتم بمحددات الاحتياجات لكل مجتمع. قطاع الصحة حساس جداً لا يحتمل الاجتهادات المتسرعة بإحداث نقلات حادة في أنظمته محاكاة لأنظمة أخرى قد تكون غير مناسبة لنا حتى لو كانت ناجحة في بلدانها. وبالإضافة إلى ذلك فإنه ضروري جداً الاهتمام بالكوادر الصحية مادياً ومعنوياً لأنها مطلوبة في كل دول العالم.