[ad_1]
الاقتصاد العالمي بين ناري الحروب… والصراعات الجيوساسية
أصبح أكثر عرضة للتهديد من حيث المخاطر النابعة من الولايات المتحدة والصين ومناطق الصراع والمنافسة العالمية
الثلاثاء – 3 جمادى الآخرة 1444 هـ – 27 ديسمبر 2022 مـ رقم العدد [
16100]
يودع لبنان 2022 بأكثر الأزمات الاقتصادية سوءاً وسيصادف مارس (آذار) 2023 مرور ثلاث سنوات على تخلف لبنان عن سداد ديونه الخارجية (أ.ف.ب)
كارين إي يونغ
ثمة مقولة شهيرة مفادها أنه «عندما يعطس الاقتصاد الأميركي، تصاب الأسواق الناشئة بالبرد». قد يكون الاقتصاد العالمي الآن أكثر تعقيداً، فهو أكثر مرونة من حيث المناطق التي ينشأ فيها نمو اقتصادي جديد، لكنه أصبح أكثر عرضة للتهديد من حيث المخاطر النابعة من الولايات المتحدة والصين، وأيضاً مناطق الصراع والمنافسة الجيوسياسية.
التضخم هو الخطر المباشر، لكن توقعات النمو العالمي تبدو أكثر تفاوتاً، حيث تواجه المحركات التقليدية للابتكار والاستثمار من الغرب الآن انحساراً ديموغرافياً طويل الأمد، إلى جانب المشاعر القومية المتزايدة، والسياسات التجارية والصناعية الحمائية. إن جائحة «كوفيد – 19»، وروسيا التي تشن حرباً في أوروبا، وعدم الثقة في النموذج الاقتصادي للصين، تؤثر جميعها على التقييمات الاستراتيجية الغربية، لكن الخط البياني لتراجع النمو والإنتاجية بات جلياً منذ زمن ليس بالقصير. ففي العالم الغني، بين عامي 1980 و2000، نما نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي سنوياً في المتوسط بنحو 2.25 في المائة، لكن في العشرين عاماً الماضية انخفض هذا النمو إلى النصف.
– تحديات المنطقة العربية
فيما يخص المنطقة العربية، سيجلب عام 2023 مجموعة من التحديات الجديدة لتحقيق التوازن بين فرص تحقيق عائدات موارد مرتفعة، والضغوط التضخمية الهيكلية المتزايدة، واتساع الفجوة بين مستوردي ومصدري الطاقة. الجانب الإيجابي هو أن الوقت الحالي يمثل فرصة هائلة لبعض الدول العربية لتولي أدوار قيادية في الاستثمار الإقليمي والعالمي لتسريع التقنيات الجديدة لتلبية بعض احتياجاتنا الملحة من الطاقة.
فيما يتعلق بالمستثمرين، ستستمر الحرب في أوكرانيا في فرض تداعياتها على الاقتصاد العالمي، سواء فيما يخص تدفقات الطاقة أو الإمدادات الغذائية. ومن شأن التوترات بين الولايات المتحدة والصين أن تضيف سيناريوهات محتملة لتصعيد المخاطر، فضلا عن فشل مفاوضات الاتفاق النووي مع إيران والواقع الجديد لسباق التسلح النووي في الشرق الأوسط. بالنسبة للولايات المتحدة، يجب أن تتغير سياستها في الشرق الأوسط، مما يستلزم نوعاً جديداً من المشاركة الاقتصادية والأمنية في جميع أنحاء المنطقة العربية.
في الأسواق، ما يحدث في الولايات المتحدة وقرارات «لجنة السوق المفتوحة» التابعة لبنك الاحتياطي الفيدرالي، سيستمر في التأثير على التكاليف العالمية للاقتراض. وبالنسبة للاقتصادات العربية التي ترتبط عملاتها بالدولار الأمريكي، فإن قوة الدولار الأمريكي، في ظل ارتفاع أسعار الفائدة، تخلق بعض التحديات أمام السيولة المصرفية المحلية. أما الاقتصادات العربية الأضعف، فستشكل القدرة على تحمل الديون تحديا ملحا أمام حكوماتها، وستغير علاقاتها مع المؤسسات المالية الدولية، وكذلك مع جيرانها الخليجيين المستعدين لتوفير ودائع البنوك المركزية ومقايضات العملات والتزامات الاستثمار الأجنبي المباشر.
– النفط والأسواق
لا تزال النجاعة الاقتصادية للمنطقة العربية مرتبطة بأهواء أسواق السلع العالمية، خاصة النفط والغاز. ولا نعلم حقا الى أي مدى سيكون التباطؤ الاقتصادي العالمي في المستقبل، أو مدى تأثيره على الطلب على الطاقة عام 2023. فيما يرتبط بالنفط، لا نعلم مدى سرعة تعافي الطلب في الصين، لكن الخبر السار أن أسعار النفط لا تزال في وقتنا الحالي عند مستويات تتجاوز المستويات المالية لدول مجلس التعاون الخليجي ومستويات التعادل. كانت السياسة المالية أكثر تقييدا مما كانت عليه خلال موجات المكاسب غير المتوقعة السابقة، كما أن الجهود الجديدة في تحصيل الضرائب ونمو نشاط قطاع السياحة والخدمات في دول مجلس التعاون الخليجي تخفف من احتمال حدوث انهيار على الجانب الآخر من هذا التأرجح في سوق النفط.
ولعل الأهم من ذلك التحول في الأصول الخارجية لدول مجلس التعاون الخليجي، إذ لم يشهد نطاق الاستثمار الخليجي اتساعا وتحولا في الاقتصاد العالمي كما يحدث الآن. وبحسب تقديرات أحد البنوك الاستثمارية الرائدة، من المتوقع حدوث سيناريو تصاعدي ترتفع فيه أسعار نفط برنت بشكل مطرد على مدى السنوات الثلاث المقبلة إلى 120 دولارا للبرميل، وقد تصل قيمة الأصول الخارجية لدول مجلس التعاون الخليجي إلى 6 تريليونات دولار. إلا أنه حتى مع سيناريو انخفاض أسعار النفط بشكل كبير إلى مستويات 40 دولارا للبرميل، فإن قيمة الأصول في دول مجلس التعاون الخليجي ستستقر عند مستوى كبير للغاية يبلغ حوالي 5 تريليونات دولار.
كذلك أخذ إنتاج النفط العالمي في التحول مع تغير منحنى التكلفة للقيود المالية والتنظيمية، ما يخلق ميزة للمنتجين الخليجيين المهيمنين الراغبين في الاستثمار في الإنتاج. كما أنه يجعل سياستهم في التعاون مع أعضاء أوبك أكثر تعقيدا، بالإضافة الى الولايات المتحدة التي تعد أكبر منتج للنفط في العالم. وفي الوقت ذاته، جذبت توقعات الطلب العالمي على الغاز الطبيعي المنتجين العرب من شمال أفريقيا، وبلاد الشام، والخليج باتجاه أوروبا.
– تكاليف الطاقة
فيما يتعلق بالمنطقة العربية، فإن التضخم وارتفاع تكاليف الطاقة يزيد من التحديات الأوسع نطاقا التي تواجه التنمية البشرية. ويكشف تقرير صدر حديثاً عن «برنامج الأمم المتحدة الإنمائي» تراجعا حقيقيا في مؤشرات التنمية. ولا تزال الثقة في كيفية استجابة الحكومات للتحديات الاقتصادية الخارجية منخفضة ومتراجعة في المنطقة – سواء كانت هذه التحديات ناشئة عن جائحة أو ركود عالمي مقترن بضغوط تضخمية. وكشف استطلاع للرأي أجراه «الباروميتر العربي» مؤخرا أن 30 في المائة فقط ممن شملهم الاستطلاع أفادوا بوجود قدر كبير من الثقة في حكوماتهم، وفي قدرتها على الاستجابة لاحتياجات مواطنيها، وإن كان هذا لا يمنع وجود بعض الاستثناءات المحدودة. ووجد استطلاع أجراه مؤشر «إيدلمان ترست باروميتر» أن دولتين من المنطقة العربية – المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة – من بين سبع دول من أصل 27 دولة شملها الاستطلاع، تتمتعان بمستويات عالية من ثقة الجمهور.
سيكون وجود الثقة أمر حتمي في جميع الدول العربية عام 2023 في وقت تتعامل الحكومات مع مجموعة متزايدة من سيناريوهات المخاطر والتحديات الاقتصادية. في دولتين وهما، مصر ولبنان، نرى مدى تراجع الثقة، بدءا من السياسات النقدية وجهود الإصلاح المتأخرة وانتهاء بالاختلال الوظيفي العام في الحكومة.
– مصر ولبنان
في مصر، سيتطلب اتفاق صندوق النقد الدولي على تسهيلات مالية ممتدة بقيمة 3 مليارات دولار لمدة 46 شهرا، مزيدا من المرونة في سعر الصرف من البنك المركزي والحكومة للحد من ملكية الأخيرة داخل الاقتصاد، وذلك لإفساح المجال للمزيد من مكاسب القطاع الخاص. مع هذا الاتفاق، يأتي المزيد من الدعم الخليجي، والذي شمل أيضا مزيدا من عمليات الشراء للشركات المدرجة في البورصة. في مصر، فإن أي جهود لتعويم العملة وإشراك المستثمرين الأجانب بشكل أكثر نشاطا على قدم المساواة مع الدولة سوف تتطلب أيضا جهودا لإدارة عوامل خارجة عن سيطرة الدولة، مثل السياحة من الخارج (وخاصة روسيا) وأسعار الطاقة والتحويلات. وستمثل إدارة الديون، بطبيعة الحال، ضغوطا مستمرة ولن يتم تسويتها من خلال هذا الاتفاق الوحيد لصندوق النقد الدولي.
بالنسبة للبنان، سيصادف مارس (آذار) 2023 مرور ثلاث سنوات على تخلف لبنان عن سداد ديونه الخارجية، وهناك ثقة محدودة من جانب المواطنين أو الدائنين تجاه قدرة الدولة على التخفيف من تبعاتها. وتقلص النشاط الاقتصادي بمقدار النصف، وارتفع التضخم إلى متوسط 200 في المائة العام الماضي، وانخفضت قيمة العملة بواقع 95 في المائة من قيمتها مقابل الدولار الأمريكي. وتضاعفت معدلات الفقر لتشمل 82 في المائة من السكان بين عامي 2019 و2021.
غير أن اتفاقا لبدء التنقيب عن الغاز الطبيعي وإنتاجه تحت سطح البحر بين إسرائيل ولبنان يمثل نقطة مضيئة في قدرة لبنان على كسب العملات الأجنبية من الصادرات المستقبلية، ورؤية إمكانية إدارة التوتر بين الفصائل السياسية في لبنان. وستعتمد الثقة في طول مدة هذا الاتفاق أيضا على عوامل خارجة عن سيطرة لبنان، بما في ذلك سياسات الحكومة الجديدة في إسرائيل.
– ارتفاع الفائدة
في عام 2023، سيؤدي تهديد الركود الاقتصادي العالمي إلى جانب ارتفاع أسعار الفائدة إلى توسيع الفجوة بين من «يملك ومن لا يملك» في المنطقة العربية. ولكن الأهم من ذلك، سيتم اختبار الحكومات في إدارتها للمخاطر الخارجية وقدرتها على التواصل مع مواطنيها ومع شركائها الإقليميين حول المسار الذي يختارونه. لم يعد اقتصاد المنطقة يتأثر بما يحدث في الولايات المتحدة أو سياستها النقدية، وستندمج المخاطر الجيوسياسية والركود التضخمي والتحول الديموغرافي طويل الأمد في الغرب مع مجموعة ناشئة من الفرص للمستثمرين من دول الخليج والاقتصادات الإقليمية.
* كارين إي يونغ، حاصلة على درجة الدكتوراه وباحثة بارزة في «مركز سياسة الطاقة العالمية» بجامعة كولومبيا، ومؤلفة كتاب «فن الحكم الاقتصادي لدول الخليج العربي»، الذي سيكون متاحاً في الأسواق في يناير (كانون الثاني) 2023.
العالم
الإقتصاد العالمي
[ad_2]
Source link