هل ينهي الاتفاق السوداني الصراع التاريخي بين المدنيين والعسكريين؟

هل ينهي الاتفاق السوداني الصراع التاريخي بين المدنيين والعسكريين؟

[ad_1]

هل ينهي الاتفاق السوداني الصراع التاريخي بين المدنيين والعسكريين؟

(تحليل سياسي)


الأربعاء – 14 جمادى الأولى 1444 هـ – 07 ديسمبر 2022 مـ رقم العدد [
16080]


جانب من احتفال توقيع اتفاق سياسي بين العسكريين والمدنيين أول من أمس (أ.ف.ب)

لندن: محمد أبو حسبو

جدد الاتفاق الذي وقعه المدنيون والعسكريون السودانيون سؤالاً يراود السودانيين منذ زمن: هل ينهي الاتفاق الصراع التاريخي بين الطرفين؟فنظام الحكم في السودان منذ استقلاله قبل 67 عاماً، ظل يتداول بين المدنيين والعسكريين، في دائرة من الثورات الشعبية والانقلابات العسكرية. وخلال تلك الفترة حكم الجيش 52 عاماً على ثلاث فترات، 6 و16 و30 عاماً. لكن اللافت أن الأنظمة العسكرية الثلاثة سقطت بفعل حراك شعبي يستعيد الحكم المدني، رغم عشرات المحاولات الانقلابية وحركات التمرد المسلحة، التي تعرضت لها الحكومات الثلاث، دون أن تنجح في إنهاء الحكم العسكري. وفي كل مرة يسقط نظام عسكري يأتي المدنيون بنظام ديمقراطي برلماني على نمط نظام «وستمنستر» الذي أرساه البريطانيون في السودان إبان الحقبة الاستعمارية.ولفهم خلفية هذا الصراع لا بد من نبذة تاريخية قصيرة عن الطريقة التي نشأ بها السودان الحديث في ظل الاستعمار البريطاني. فعندما غزا البريطانيون السودان عام 1899 كانت البلاد مضطربة بسبب الثورة الوطنية المسلحة (الثورة المهدية)، التي أنهت الاستعمار التركي – المصري تحت مظلة الدولة العثمانية، فقرر البريطانيون أن يبتدعوا اتفاقية غير مسبوقة في العالم الحديث، وذلك بأن جعلوا «السيادة» على السودان مشتركة بين بريطانيا والدولة العثمانية، ممثلةً في مصر، رغم أن بريطانيا كانت عملياً تستعمر كلاً من مصر والسودان. لكن لاعتبارات الموازنات الدولية مع القوى الاستعمارية الأخرى في العالم، اختارت لندن مشاركة السيادة على السودان، وأطلقت على هذه الشراكة الفريدة اسم «اتفاقية الحكم الثنائي» «Condominium Agreement».
ورغم أن هذه الاتفاقية كانت مجرد إجراء دبلوماسي شكلي، لأن الحكم كان عملياً في أيدي بريطانيا وحدها، فإن الأيام والسنين أثبتت أن عواقبه على السودان كانت عميقة وبعيدة الأثر، إذ تطلبت اتفاقية الحكم الثنائي أن يتبع ملف السودان إلى وزارة الخارجية في لندن، بينما كانت ملفات المستعمرات البريطانية الأخرى تتبع لوزارة ما كان يُعرف وقتها بوزارة «المستعمرات»، وكان الحكام والإداريون البريطانيون الذين يُرسلون إلى المستعمرات يأتون من تلك الوزارة، حيث كان أغلبهم من العسكريين المتقاعدين، أو ما زالوا في الخدمة.
لكن الأمر في السودان كان مختلفاً، إذ أرسلت لندن حُكاماً وإداريين إلى الخرطوم من موظفي وزارة الخارجية البريطانية، الذين كان جلّهم من خريجي جامعتي أكسفورد وكامبردج الشهيرتين، ويتمتعون بخبرات وعلوم واسعة في الإدارة المدنية ومؤسساتها. ومع مرور سنوات الاستعمار الـ57. أصبحت حكومة السودان البريطانية تفرض سياستها المغايرة لسياسة لندن التقليدية التي كانت متَّبَعَة في بقية المستعمرات. وكانت نتيجة ذلك أن قامت في السودان جمعيات أدبية وثقافية كثيرة، بل حتى تنظيمات سياسية، سمح إداريو السودان البريطانيون بقيامها، وأحياناً شجعوا عليها. كما أقامت الإدارة البريطانية مؤسسات تعليمية حديثة ومتميزة، فضلاً عن المشاريع الاقتصادية الناجحة، والخدمة المدنية والمهنية المتطورة بمعايير ذلك الزمان.
وبطبيعة الحال، فقد صاحب كل هذه الأنشطة إرساء لقيم المؤسسات المدنية، ولو في شكلها البسيط، عبر تنظيم الجمعيات وانتخاب أعضائها ديمقراطياً، والقبول بالرأي والرأي الآخر. وقد أفضى هذا النمط الجديد في حياة السودانيين إلى قيام أحزاب سياسية كاملة الدسم، ثم برلمان وليد، أشرف على «حكومة انتقالية وطنية» لمدة عامين لنقل الحكم من المستعمر البريطاني إلى أيدي السودانيين في مطلع عام 1956، أي قبل سنوات من الخطة التي كانت لندن قد وضعتها لمنح السودان استقلاله.
ورغم الإدارة المتميزة التي اتّبعها حكام السودان البريطانيون، فإن كثيراً من المؤرخين يعزون مشكلات السودان الكثيرة اللاحقة إلى حقيقة أن الحكم البريطاني ركز جل اهتمامه على مناطق الحضر، وخلق طبقة متوسطة ذات تأهيل عالٍ، لكنه أهمل بقية القطاعات الواسعة الأخرى التي ظلت تعيش في مجتمعات بدائية تقليدية، تغلب عليها التعاليم الدينية السلفية، بل تعيش خارج دائرة الاقتصاد النقدي الحديث.
ومع مرور السنين بعد استقلال السودان، شعر بعض أبناء تلك المجتمعات المهمشة بالفارق الكبير بينهم وبين الطبقة المتوسطة، فلجأوا للانضمام إلى الجيش كوسيلة للحصول على بعض النفوذ، أو ربما الوصول إلى السلطة. ومن جانبها، استغلت الأحزاب العقائدية (كالشيوعيين والإخوان المسلمين)، التي لم تكن الأنظمة الديمقراطية تأتي بهم إلى مقاعد البرلمان، طموحات هؤلاء العسكريين ودبّروا معهم انقلابات عسكرية عبر تكوين تنظيمات سرّية داخل الجيش للانقضاض على الحكومات الديمقراطية.
غير أن الإرث التاريخي للطبقة المتوسطة المحبة لحكم المؤسسات المدنية، والمتدربة على أساليبها وتعرف طرق تنظيمها ومكامن قوتها، نجحت في كل مرة في استعادة السلطة من أيدي العسكريين عبر تنظيم النقابات والإضرابات والعصيان المدني، خصوصاً أن الطبقة المتوسطة هي التي تعتمد عليها إدارة الدولة حتى عندما يكون الحكم في أيدي العسكر. وفي كل مرة أسقط المدنيون حكماً عسكرياً عبر ثورات شعبية، كانوا يكتسبون خبرة إضافية في أساليب تنظيم نقاباتهم وأساليب إدارة عصيانهم المدني واحتجاجاتهم الشعبية.
وبعد سقوط نظام الرئيس المعزول عمر البشير في أبريل (نيسان) 2019 بثورة شعبية، بعد حكم عسكري دام ثلاثة عقود، دخل العسكريون والمدنيون في شراكة لإدارة فترة انتقالية بهدف التحول مرة أخرى إلى حكم مدني برلماني. غير أن الأحداث أثبتت أن الشراكة كانت متعثرة بسبب فقدان الثقة بين الطرفين، فضلاً عن تباين المصالح. واليوم، لا يزال السودان يجتهد في التوصل إلى حل يُنهي الدائرة الخبيثة في الصراع بين الحكم المدني والحكم العسكري.



السودان


أخبار السودان



[ad_2]

Source link

Leave a Reply