مكان صامت وذاكرة صاخبة! – أخبار السعودية

مكان صامت وذاكرة صاخبة! – أخبار السعودية

[ad_1]

ما معنى أن تملك ذاكرة؟ ما معنى أن تملك ذكريات؟ هذا الإرث العظيم من الألم والفرح الوفاء والغدر الصدق والخذلان هي المواد الخام لبناء عوالم متخيلة يقتات منها المبدع ويفتتن بها القراء، كل منا يملك ذاكرة ولكن كيف هي تلك الذاكرة؟ هل هي أسفنجة تمتص كل شيء ثم تعود لإفراغه على الورق أو أمام شاشة الكيبورد! أم أنها ذاكرة كالوعاء تحتفظ بالأحداث والذكريات به لفترة ثم تسكبها على الأرض لتنتهي! حتى تكون كاتباً عظيماً لا بد أن تمتلك ذاكرة صاخبة، ذاكرة لا ترتاح ولا تريحك، ذاكرة مشاغبة، ذاكرة تتخطى بك حدود الزمان والمكان ثم تصاب باللعنة العظيمة، لعنة الكتابة!

يعتمد الكاتب والناقد المغربي عزيز العرباوي في كتابه «الذّاكرة وآليات اشتغالها في الرواية العربية» على المناطق الصاخبة للذاكرة عند المبدع، والأفق الذي تفتحه للكتابة التّخييليّة، فمن خلال أربعة أعمال روائيّة، وهي: «الديوان الإسبرطي» لعبد الوهاب عيساوي، و«حصن التراب» لأحمد عبد اللطيف، و«في حضرة العنقاء والخل الوفي» لإسماعيل فهد إسماعيل، و«الحي الخطير» لمحمد بنميلود، نجد القاسم المشترك الذي يجمع هذه النّصوص الروائيّة هو ارتهان أفقها للذاكرة كمادة للتخييل، مع ضرورة الحرص على خصوصيّة الكتابة لدى كل روائي، بمعنى أن تبدع هو أن تتذكر جيداً، وفي لحظة كتابية خاصة تتحول تلك الذاكرة الشخصية إلى ذاكرة جمعية تلم شتات ذاكرة موجوعة وأخرى متشظية وثالثة تائهة ورابعة ميتة! لتعيد كتابة ذاكرة تاريخ مضى، وماضياً اندثر، ورفاقاً غائبين!

يقول فلوبير «في بعض الأحيان نشعر بأننا عشنا حياتين ليست الثانية سوى ذكرى للأولى»، بمعنى أننا ندوّن ونكتب ونمارس ونحيا ما عشناه سابقاً هناك في ذاكرتنا! وقد أصبحت الذاكرة ثيمة مهمة من ثيمات الكتابة الإبداعية وإن كان بعض النقاد أوقفها على السرد والحكي باعتباره يهتم بالتفاصيل أكثر من الشعر بوصفه فناً اختزالياً وهذا يعود إلى الطبيعة الإجناسية لكل فن ولكن الذاكرة شرط أساس ومهم للمبدع الشاعر والسارد ولا يمكن تخيل أن يكتب من لا يملك ذاكرة وهذا لا يعني بالضرورة العمر الزمني للمبدع ولكن الزمن مع ذاكرة جبارة يذهب بنا إلى عوالم المبدعين العظماء.

«آفة حارتنا النسيان» هكذا تحدث أحد أبطال نجيب محفوظ في رواية له، فقد رأى النسيان بداية الطريق إلى العدم، فجعل من الذاكرة وسيلة لمواجهة الفناء، وأبدع في خلق منطقة مراوغة تستغلها الذاكرة كالأرجوحة، فينسج عليها حكايته التي لا تبدو نسخة طبق الأصل من الواقع، فهو يمحو ويضيف يقص وينسخ لتبدو في النهاية حكاية حرة لا تتقيد بزمان أو مكان معين، وغير مطالبة بتقديم تفسيرات أو تبريرات لكل حدث أو موقف.

الكتابة ليست استرجاع الذكريات بل إعادة كتابتها من جديد وإعادة اختراعها لتصبح جزءاً من خيالات الكاتب لتعيد للمكان الصامت ذاكرته الصاخبة!



[ad_2]

Source link

Leave a Reply