يتيم غيّر وجه العالَم – أخبار السعودية

يتيم غيّر وجه العالَم – أخبار السعودية

[ad_1]

الاصطفاء ليس حكراً على سادة أغنياء، ولا قادة أشدّاء، وليس خاصاً بذوي العزّ والوجاهة، ولا متصلاً بمن له ندى يسيل، وباع صقيل، ولسان طويل، بل هو فضلٌ من الله على صفوته من خلقه، وخيرته من عباده (يختص برحمته من يشاء) و(ذلك الفضل من الله، وكفى بالله عليماً).

من الطبيعي أن تعتري الشخصية البشرية الوحيدة اعتوارات، وتلحق بها انكسارات؛ كونها دون سند ولا عزوة، ما يهضم حقها اجتماعياً، ويؤثر فيها نفسياً، وربما حط الناس من قدرها، وهان عليهم التطاول عليها، والاستهانة بها.

وسيدنا رسول الله (عليه الصلاة والسلام) انبعث من فضاء اليُتم والفردية، وافتقد ما يحتاجه طفل من تدليل أب، وشفقة الأُم، وحنان الأسرة، ورعاية الأقارب، لكنها الأقدار حين تُعطي الدروس بأكلح وجه، وتفرض الشروط دون مراعاة، وتؤسس للشخصيات تحت مظلة تناقضات، وتُشعرها بالحاجة للآخرين، لتكون مستقبلاً حاجة كل باحث عن الحق والخير والعدل والسلام.

وبحكم الظروف القاسية، والأحداث المُفجعة، والعنفوان المجتمعي في مكة، لم يجنح النبي (عليه السلام) لتربية الجسد، ولم يلجأ للتعرف على أنواع الأسلحة، ولم يتدرب على الرمي، بل كان تركيزه على روحه، التي هذّبها الله بالتأمل، ورفع قدرها بالأدب، والصدق ، والأمانة، فأثمرت من الطيبات أنضجها وأطيبها.

كان النظر إلى وجهه (عليه السلام)، باعثاً للطمأنينة، والتعامل معه، مهذّباً للأخلاق وللقِيَم، والتحدث إليه يُلهم بالعبقرية، والقُرب منه يُشرّف الكيان، وقلّ ما يكونُ المحروم من العواطف الجيّاشة لطيفاً؛ إلا أن اللُّطف في أبهى صورة كان سمتاً وسِمة للهاشمي الكريم، فكان النبيُّ بالأخلاق، قبل أن يكون نبياً بالأوراق.

نجح الرسول الأعظم، في بناء علاقات، كان الفضاء المكاني، والاحتقان البشري، يحاول إفشالها، وتفوّق بما منحه ربه على الاحتواء رغم منطلقات العِداء؛ ولذا كانت أحاديثه وسيرته بعد البعثة، انعكاساً لما كانت عليه حياته قبلها، فالقلوبُ لا تأسرها الفظاظة، والأنفس لا تجتمع إلا على حب أهل للمحبة.

من أبلغ دروس النبوة التوكّل والثقة، وفي دعائه (عليه السلام) نموذج الأدب مع الله (اللهم إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، وأنت أرحم الراحمين، إلى من تكلنِي، إلى عدو يتجهمني، أو إلى قريب ملّكته أمري، إن لم يكن بك غضبٌ عليّ فلا أبالي، غير أن عافيتك أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، أن تنزل بي غضبك، أو تحل علي سخطك، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك) فكانت الإجابة، وتمت الاستجابة.

وسرعان ما تحوّل الضعف إلى قوة، والهوان إلى عِزة، والوحدة إلى ملايين الأصحاب والأحباب والتابعين من المؤمنين والمسلمين، ولم تسقط راية تشرفت بحمل اسمه، والانتساب لمنهجه.

تغيّر وجه العالم، في ذلك الوقت، ولا يزال يتغيّر بمعرفة محمد بن عبدالله، فالناسُ تدخل في دِين الله، وتطوف ببيته في مكة، وتزور مسجد وقبر نبيّه، بل يقضي بعض المسلمين عمره في توفير ما يكفي لرحلة العُمر للديار المقدسة.

اليُتم مدرسة، لكن ليس كل من دخلها من الناجحين، ومعاناة الطفولة لا ترفع كل من قاساها لمراتب عُليا، فهناك خصائص ذاتية، ومواهب فطرية، نال المصطفى (عليه السلام) منها أوفر الحظ والنصيب، فغيّر وجه العالَم، ولا تزال رسالته تنتصر بحكم ما قامت عليه من مداميك إنسانية، تتقاطع مع المثالية التي ربى الله مختاره عليها.

ذكراه تُحيينا قبل أن نُحييها، وتعيدنا إلى ذواتنا لنربيها على أخلاق نبيّ كريم، وهذا أعظم شرف نحوزه بصرف النظر عن أنسابنا، وأشكالنا، ومكاسبنا الحياتية، فسلامٌ عليك يا سيّدي يا رسول الله، وألف صلاة.



[ad_2]

Source link

Leave a Reply