تظهر الأبحاث السابقة التي أجريت على البشر أن الضرر الذي لحق بأنسجة دماغنا الإسفنجية قد حدث بالفعل حتى بضربة واحدة على الرأس. لكن الارتجاج المتكرر يمكن أن يثخن عظام الجمجمة أيضًا، وفقًا لدراسة جديدة تبحث في كيفية تأثير إصابات الرأس المتعددة على الفئران.
وفي حين أن إصابات الدماغ الشديدة يمكن أن تؤدي إلى كسور في الجمجمة، في هذه الحالة، كان الباحثون مهتمين بكيفية حدوث ارتجاج متكرر؛ وهو نوع من إصابات الدماغ الرضحية الخفيفة التي قد تشوه عظام الجمجمة، وذلك وفق ما نشر موقع «ساينس إليرت» العلمي المتخصص، نقلا عن مجلة Scientific Reports.
وفي ذلك تقول برجيت سمبل عالمة الأعصاب بجامعة موناش في توضيحها بدوافع الدراسة الجديدة «لقد تجاهلنا التأثير المحتمل للجمجمة في كيفية تأثير الصدمات الارتجاجية على الدماغ».
وباستخدام تقنيات تصوير الدماغ عالية الدقة وتلطيخ الأنسجة، فحصت سمبل وزملاؤها التغيرات الهيكلية في عظام جمجمة الفئران بعد أن تعرضت الحيوانات إما لإصابات متعددة في الرأس أو علاج زائف لم يسبب أي ضرر.
وفي حين أن آليات الارتجاج (الضربات المفاجئة على الرأس والتي تجعل الدماغ يرتد حول الجمجمة) مدروسة جيدًا، فإن تأثيرها على نمو العظام وبنيتها لا يزال غير مفهوم جيدًا.
وقد وجد الفريق أن الارتجاجات المتكررة المتباعدة لمدة 24 ساعة أدت إلى عظام أكثر سمكًا وأكثر كثافة في الجمجمة بالقرب من موقع الإصابة. وأصبحت هذه التغييرات أكثر وضوحًا بعد 10 أسابيع مقارنة بأسبوعين بعد الإصابة.
كما لاحظ الباحثون أيضًا أن تجاويف نخاع العظم في الجمجمة مجوفة، وفقد حجمها تدريجيًا من 2 إلى 10 أسابيع بعد الإصابة. ومع ذلك، لم يقس الفريق ما إذا كانت قوة عظام الجمجمة اختلفت نتيجة هذه التغييرات.
وتوضح سمبل ان «هذه النتائج الجديدة تسلط الضوء على أن الجمجمة قد تكون عاملاً مهمًا يؤثر على عواقب الارتجاج المتكرر للأفراد». فالعظام، مهما كانت قوية، هي في الواقع أنسجة حية مرنة تستجيب للقوى الميكانيكية ومستويات الهرمونات وحتى التغيرات في الجاذبية.
إن فهم كيفية استجابة عظام الجمجمة لإصابات الرأس الخفيفة يمكن أن يكمل ما نعرفه عن كيفية تدمير الارتجاج لأنسجة المخ.
ويقترح الباحثون أن البحث الجديد قد يلقي الضوء أيضًا على كيفية تأثر السحايا (الطبقات الغشائية بين الجمجمة والدماغ) وسمحاق الجمجمة (الغشاء الذي يغطي السطح الخارجي للعظام).
وفي هذا الاطار، كتبت عالمة الأعصاب المؤلفة الرئيسية للدراسة لاريسا ديل من جامعة موناش وزملاؤها في ورقتهم البحثية، أن النتائج من الأبحاث السابقة تشير إلى «وجود علاقة معقدة بين إصابات العظام والدماغ التي من المحتمل أن تمتد إلى ما هو أبعد من الاستجابة للقوى الميكانيكية المباشرة المطبقة من خلال تأثير الرأس». وأضافوا «أن الدراسات المستقبلية يجب أن تنظر في كيفية تأثر الرأس بالكامل؛ بما في ذلك الجمجمة والسحايا والأنسجة الضامة والأوعية الدموية».
وفي حين أن الجمجمة السميكة قد تبدو وكأنها يمكن أن تحمي الدماغ من المزيد من التأثيرات، فمن غير الواضح ما إذا كانت سماكة الجمجمة هي استجابة وقائية أو علامة على شيء أسوأ؛ وهو أمر يمكن أن تحاول الدراسات المستقبلية حله.
وتبين سمبل «هذا نوع من اللغز. كما نعلم يمكن أن يكون للارتجاج المتكرر عواقب سلبية على بنية ووظيفة الدماغ. وبغض النظر عن ذلك، فإن الارتجاج ليس بالأمر الجيد أبدًا».
ووجدت دراسة حديثة أن حوالى ثلث المشاركين الذين عانوا من ارتجاج «خفيف» ما زالوا يعانون من الأعراض حتى ثماني سنوات بعد ذلك. فما تشير دراسات التصوير أيضًا إلى أنه حتى ضربة واحدة على الرأس يمكن أن تؤدي إلى سلسلة من التلف الخلوي بأنسجة المخ.
واذا كانت الدراسات حول الارتجاج وكيفية تأثيره على الدماغ محدودة بالعينات التي يمكن للباحثين الوصول إليها، يمكن لدراسات التصوير أن تخبرنا الكثير.
وقد أتاح تبرع الرياضيين بأدمغتهم بعد الموت قيمة يمكن للباحثين استخدامها لوضع تغييرات في أنسجة المخ تحت المجهر، وربطها بالأعراض التي يعاني منها الناس.
ويمكن أن توفر الدراسات التي أجريت على الحيوانات التي تحاكي الارتجاج نظرة ثاقبة حول كيفية استجابة الدماغ للصدمات، حيث وجدت دراسة أجريت أخيرًا على الفئران أن إصابات الرأس يمكن أن تعيد تشكيل الشبكات العصبية على مستوى الدماغ.
ولكن بالنظر إلى مجموعة التحديات في دراسة الارتجاج وتلف الدماغ اللاحق لدى الأشخاص، لا يزال هناك الكثير لا نعرفه، ليس أقله كيف يظهر تلف الدماغ بعد الإصابة بشكل مختلف عند الرجال والنساء.
ولاحظ الباحثون الذين يقفون وراء هذه الدراسة الأخيرة أن الفترة الزمنية بين إصابات الرأس والعمر الذي تحدث فيه قد تؤثر أيضًا على تغيرات العظام، ما يستدعي مزيدًا من الدراسات.
وعلى الرغم من ندرة المؤلفات المنشورة حول استجابات الجمجمة بعد الصدمات الخفيفة في الرأس، فقد تم الإبلاغ سابقًا عن سماكة عظام الجمجمة في سياق استسقاء الرأس، ما يزيد احتمال الضغط غير الطبيعي الناجم عن تراكم السائل النخاعي أو التورم.