صنع وهج الحياة ولفحها من شدة الآلام، كان التفاؤل ونيسه وجليس غربته، حتى شاءت الأقدار أن يخلق الدوافع من عمق المعاناة.
السعودي محمد آل مخلص يحصد المركز الأول في بطولة الجوجيتسو العالمية الأحد الماضي، والتي أقيمت في ولاية لاس فيجاس الأميركية، وتعد الميدالية الذهبية هي الثانية التي يحققها آل مخلص، وسط زخم إعلامي وتفاعل اجتماعي.
من منبر التتويج بالميدالية الذهبية، رفع آل مخلص علم السعودية بفخر ووجه رسالة امتنان وشكر، وختمها بكلمات موجهة إلى ابنه المريض فهد «أنت وعدتني يا فهد ألا تستسلم للمرض… أرجوك يا ولدي لا تموت» وكان وقع كلماته ثقيلاً على متداوليها مما جعلها الأكثر تأثيراً.
ويروي آل مخلص لـ«الشرق الأوسط» أن حياته كانت تتسم بالروتين التقليدي حتى رزق بابنه «فهد» الذي ولد بعيب خلقي في الرئتين، فاستبدلت الألعاب بالأدوية والأجهزة الطبية.
وحزمت حقائب الترحال من السعودية إلى أميركا في 2015، بغرض زراعة رئة لفهد وذلك برعاية برامج خادم الحرمين الشريفين، ولأن التنقل كان يعد خطيرا في حالة فهد فقد تقرر الاستقرار في أميركا عام 2019.
ويحكي محمد آل مخلص لـ«الشرق الأوسط» أن ليالي الغربة قادته في يوم من الأيام إلى فيديو للشيخ محمد بن زايد يتحدث فيه عن رياضة الجوجيتسو وأنها غيرت فيه الكثير وأشار الشيخ في الفيديو بأنه يود أن يستثمرها في شعبه.
ومن هنا كانت نقطة الانطلاق لمحمد حيث جرب رياضة الجوجيتسو واكتشف سرها ومنها اعتاد ممارستها رغم صعوبتها إلا أن الدوافع كانت أعمق ووهن التدريب كان دواء.
تعد رياضة الجوجيتسو بالنسبة لمحمد آل مخلص علاجاً للعديد من الأزمات النفسية، وباتت متنفساً يعيد التفاؤل والسعادة لأيامه، وتخلص بفضلها من السمنة المفرطة حتى أصبح يتمتع بجسم رياضي يؤهله للمشاركة في البطولات العالمية.
ويروي محمد آل مخلص أنه أثناء مراجعات فهد الطبية (طلب مني أن ألعب مباريات وأشارك في بطولات عالمية، وافقت على طلبه بشرط أن لا يستسلم للمرض وأن لا يبكي بسبب الإبر والعلاجات، أجابني وقتها بثقة «أوعدك وشوفني» وفعلاً لم يذرف دمعة واحدة رغم كثرة الفحوصات وكان يرمقني بين الحين والآخر وكأنه يقول أنا فعلت وعدي وحان دورك).
وبعدها لعب محمد آل مخلص 37 مباراة بدون خسارة، ورغم صعوبة الالتحاق بالبطولات العالمية بسبب معاييرها إلا أن الدوافع كانت أكثر تحفيزاً.
ولا يخفي آل مخلص انجذابه للرياضة وأسلوبها ومن مبدأ التحفيز الثنائي بين الأب وابنه، حيث حقق بطولته الثانية بميدالية ذهبية يحمل شرفها ابنه المكافح.
ومن باب المساهمة في زيادة نسبة الوعي بأهمية التبرع بالأعضاء، أعلن محمد آل مخلص استعداده التام للمساهمة بأي شكل من الأشكال في خدمة هذه القضية الإنسانية.
ولأن آل مخلص أحد موظفي شركة أرامكو السعودية فقد تبنى منها نظرية كايزن والتي تنص على أن التغييرات الإيجابية الصغيرة المستمرة يومياً من الممكن أن تقود إلى تحسينات كبيرة مستقبلاً، ويذكر محمد أن فضل أرامكو في التطوير والتعليم لا يزال يشعر بقيمته وأهميته، مما خلق لديه الامتنان لهذه المؤسسة ومنسوبيها.