عاش الرياضيون في المملكة «وعلى الأخص عشاق رياضة الملاكمة» ليلة تاريخية كرنفالية، توجها حضور عراب الرياضة الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي، وخطف من خلالها الأوكراني أوسيك لقب بطولة العالم للملاكمة للوزن الثقيل من أمام منافسه البريطاني جوشوا، في «نزال البحر الأحمر» والذي استقطب أنظار الملايين من مختلف دول العالم، واحتضنته الصالة المغطاة بجدة.
واستقبل الأمير محمد بن سلمان بترحيب جماهيري كبير لدى وصوله إلى الصالة الرياضية، فيما حضر إلى جانبه نخبة من الشخصيات الرياضية والعالمية يتقدمهم انفانتينو رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم ووزير الرياضة السعودي الأمير عبد العزيز الفيصل وعدد من أبطال الملاكمة السابقين منهم بطل العالم السابق الأميركي ايفاندر هوليفيلد والملاكم البريطاني نسيم حميد.
وتوج الأمير عبد العزيز الفيصل في ختام النزال الملاكم الأوكراني أوسيك بلقب بطل العالم للوزن الثقيل للملاكمة، عقب فوزه على منافسه البريطاني جوشوا بقرار حكمين من أصل ثلاثة حكام، وسط متابعة إعلامية كبيرة محلية ودولية للحدث التاريخي الذي شاهده الملايين حول العالم عبر القنوات الناقلة، كما حضره قرابة 40 ألف مشجع في الصالة المغطاة.
ونجح أوسيك في الحفاظ على ألقاب رابطة الملاكمة العالمية والاتحاد الدولي للملاكمة ومنظمة الملاكمة العالمية التي انتزعها في اللقاء الأول، الذي أقيم في سبتمبر (أيلول) الماضي، على استاد توتنهام هوتسبير بلندن، بحضور 60 ألف متفرج، قبل أن يطالب «جوشوا» بلقاء العودة من جديد، وهو الأمـر الذي يحدث لأول مرة في تاريخ منافسات الوزن الثقيل بعد العام 1999م، كما أضاف أوسيك لقباً إضافياً وهو لقب «رينج» الذي تخلى عنه الملاكم تايسون فيوري.
وقال الأمير عبد العزيز بن تركي الفيصل وزير الرياضة رئيس اللجنة الأولمبية والبارالمبية السعودية: «فخورون باستضافة هذا الحدث العالمي الكبير للمرة الثانية، والذي يعد تعزيزاً لأحد أهدافنا، الرامية إلى أن تكون المملكة وجهةً لاحتضان البطولات العالمية، وهو ما يؤكد حجم الاهتمام غير المسبوق الذي يحظى به القطاع الرياضي من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز والدعم المباشر من الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء، وهو ما نلمسه في كل مناسبة رياضية تقام في المملكة».
وأضاف: «أبارك للملاكم أولكسندر أوسيك فوزه بنزال البحر الأحمر، وحظاً أوفر لمنافسه «جوشوا»، فكلاهما قدم أداءً تاريخياً، أمام حضور جماهيري كبير، والشكر على حضورهم في هذه الليلة التي لن تنسى».
وبات الأوكراني أوسيك بطلاً للعالم في الملاكمة دون منازع بـ20 انتصاراً خلال مسيرته الاحترافية دون أي هزيمة والتي انطلقت من وزن الكروزر، وحقق لقبها العالمي قبل أن يشق طريقه بنجاح إلى فئة الوزن الثقيل، فيما بات جوشوا يملك 3 هزائم مع خسارته لقاء العودة الثاني لاسترداد اللقب بعدما نجح في استعادته في نزال الدرعية التاريخي أواخر 2019، عقب فوزه على منافسه المكسيكي آندي رويز جونيور.
وشهد نزال أوسيك وجوشوا في بدايته هدوءا من الطرفين، قبل أن يحتدم الصراع بدءا من الجولة السادسة حيث شهد تقلبات تفوق في جزء منها الأوكراني أوسيك، قبل أن يقترب البريطاني جوشوا من التفوق في المعترك الأخير بعدما حاصر أوسيك بلكمات متعددة قبل أن ينتهي الصراع بفوز أوسيك باللقب.
وبدا أوسيك متقدما بوضوح قبل دق الجرس الأخير، لكن الحكم الأميركي أعطى نتيجة 115 – 113 لصالح جوشوا، بينما منح الحكمان البريطاني والأوكراني التفوق لأوسيك بواقع 115 – 113 و116 – 112.
وبكى الملاكم البريطاني جوشوا تأثرا عندما تحدث عن هزيمته الثانية تواليا أمام منافسه أولكسندر أوسيك للصحافيين صباح أمس (الأحد)، حيث قال «من الصعب جدا جدا بالنسبة لي القول إنني فخور بنفسي، أنا غاضب فعلا، حاولت اللعب بأسلوب مختلف، في المواجهة السابقة أردت المنافسة كملاكم لكن ذلك لم ينفع والليلة لم أنجح».
وأشار جوشوا «رغبت بشدة في الفوز وكنت غاضباً من نفسي، فقط من نفسي وليس من أي شخص آخر بعد نهاية النزال. وكنت أرغب في الخروج من الحلبة بسبب غضبي الشديد».
وأوضح «عندما تشعر بالغضب فإنك ربما ترتكب أخطاء، بعد ذلك أدركت أنها الرياضة وعدت وتصرفت بالطريقة الصحيحة». في الوقت الذي وصف أوسيك بالبطل الرائع منوهاً أن منافسه قدم أداء قوياً خلال النزالين وأنه ملاكم مميز وخاض العديد من النزالات ويمتلك خبرة طويلة.
من جانبه، أبدى الأوكراني أوسيك احترامه لمنافسه جوشوا كمقاتل ومنافس داخل الحلبة، مشيراً إلى شعوره من اقتراب الفوز عند الجولة التاسعة والتي سعى خلالها بحافز كبير لعدم التوقف لحسم اللقب.
وأعرب أوسيك عن سعادته بالألقاب التي حققها واصفاً النزال بالقوي، مؤكداً أن حجم الملاكم لا يهم بقدر الروح القتالية والعزيمة لتحقيق الانتصار داخل الحلبة، مقدماً الشكر لجوشوا على كلماته في نهاية النزال منوهاً أنه لا يحب أن يتفاخر بهذا الأمر كونه يفضل أن يكون متواضعاً في مثل هذه اللحظات.
واستبعد إيدي هيرن مروج مباريات جوشوا إمكانية اعتزال الملاكم البريطاني البالغ 32 عاما قريبا.
وانطلق الحدث بعدد من النزالات الثانوية، وسط حضور أكثر من 200 إعلامي، من داخل وخارج المملكة، يحملون 15 جنسية مختلفة، ويمثلون أكثر من 100 قناة وصحيفة وموقع مختص برياضة الملاكمة.
وشهدت النزالات انتصاراً ساحقاً للملاكم السعودي زياد المعيوف على المكسيكي جوزيه ألاتور بالضربة القاضية التقنية في الجولة الأولى، بعد دقيقة وخمس ثوانٍ فقط، كما تمكنت البريطانية من أصول صومالية رملا علي من الفوز على منافستها من الدومينيكان كريستال غارسيا في أول نزال نسائي احترافي يقام في المملكة، محققة فوزها السابع في العدد ذاته من المواجهات في منافسات المحترفات.
وشهدت النزالات الأخرى فوز البلغاري ترايتشو جورجيف على الملاكم الإماراتي راشد بالحصا، وفوز الأوكراني دانيال لابين على السلوفاكي جوزيف جوركو، وفوز البريطاني بين ويتاكير على الكرواتي بيتار نوسيتش، والأميركي أندرو تابيتي على مواطنه جيمس ويلسون، بعد قرار فريق ويلسون بالانسحاب.
وفاز السويدي بادو جاك على الأميركي ريتشارد ريفيرا بقرار حكمين من أصل ثلاثة، كما تمكن الأردني بدر السمرين من الفوز على الأذربيجاني فؤاد تارفيردي بالضربة التقنية القاضية، في الجولة الرابعة والأخيرة، ليحافظ على سجله خالياً من الهزائم.
أما البريطاني كالوم سميث فحقق انتصاراً مدويًا، بعد أن أنهى منافسه الفرنسي ماتيو بودرليك بالضربة القاضية في الجولة الرابعة، ليحصل سميث بذلك على فرصة لخوض نزال على لقب WBC للوزن المتوسط السوبر.
وبعد 12 جولة ماراثونية، فاز الكرواتي فيليب هرغوفيتش على الصيني تشانغ زيلي، بقرار جماعي من الحكام الثلاثة، وكسب فرصة لخوض النزال على لقب IBF للوزن الثقيل.
وتأتي استضافة المملكة لهذا النزال، ضمن مستهدفات وزارة الرياضة والاتحاد السعودي للملاكمة، لتحقيق الأهداف الاستراتيجية الرامية لاستمرار المملكة في استضافة أهم وأكبر الأحداث الرياضية العالمية، بوصفها وجهةً عالميةً لاحتضان مثل هذه المنافسات العالمية الكبرى، إلى جانب التنوع في استضافة الفعاليات والبرامج.
وأعرب العديد من الإعلاميين وموفدي وسائل الإعلام الأجنبية للحدث العالمي والتاريخي بالمدينة الساحلية جدة (غرب السعودية) عن سعادتهم الكبيرة بالتواجد في السعودية وبالأجواء المميزة للنزال التاريخي والتنظيم الذي وصفوه بالرائع للقاء العودة بين أوسيك وجوشوا مبدين إعجابهم الكبير بثقافة البلاد وتعاون الجميع معهم متمنين فوز السعودية في أي فعاليات رياضية.
وأعربت الإعلامية الأميركية مشيل فيليبس في حديثها لـ«الشرق الأوسط» عن سعادتها بالتواجد في الحدث الرياضي العالمي الهام وبالتنظيم الرائع له، واصفة الضيافة التي حظوا بها بالمميزة، حيث قالت: «الضيافة هنا مميزه جداً أحببت الطعام هنا والمقاهي والمولات الكبيرة التي توفر ملابس جيدة، سعيدة بالتواجد في حدث رياضي يحظى بمتابعة الملايين من محبي الرياضة، وأتمنى فوز السعودية بأي فعاليات رياضية».
واتفق البريطاني رحيم دافيز لـ«الشرق الأوسط» مع زميلته فيلبس في تطلعه لفوز السعودية في أي فعالية رياضية، مضيفا: «شاهدت هنا محبة الناس للملاكمة، وكان هناك تعاون واهتمام كبيرين من المنظمين للنزال التاريخي وقدموا لنا كل المساعدة التي نحتاج إليها».
وأشار دافيز أن زيارته للسعودية هي الثانية له والأولى له للمدينة الساحلية جدة، التي أبدى إعجابه بها واصفاً الحياة بها بالجميلة مضيفاً «نحن فرحانين هنا ومستمتعين».
وفي السنوات القليلة الماضية، دأبت وزارة الرياضة على استضافة وتنظيم الفعاليات والأحداث الرياضية والعالمية، والتي جعلت المملكة محط أنظار العالم ووسائل الإعلام الدولية؛ الأجنبية منها والعربية، رغم كل الظروف والتحديات الكبيرة التي أثرت على العالم بأسره بسبب وباء فيروس «كورونا» المستجد (كوفيد19).
يذكر أن نزال البحر الأحمر يعد ثاني نزال عالمي تستضيفه المملكة، بعد النجاح الكبيـر الذي تحقق في النزال الذي أقيم في حلبة الدرعية ديسمبر (كانون الأول) 2019م، وكسبه البريطاني أنتوني جوشوا، متوجاً بلقب بطولة العالم للوزن الثقيل للملاكمة، بعد فوزه على منافسه المكسيكي آندي رويز.