[ad_1]
ماذا لو كان الجميع مؤهلين وحملة لشهادات عليا؟ ماهي عواقب هذا التطوير الكارثي الذي يوقعنا في مأزق اجتماعي تعليمي كبير دون أن ننتبه، ونظن أننا نفعل الشيء الصحيح بمتابعة تعليمنا؟
إذا حصل الجميع على شهادات جامعية ستستمر قيمة الشهادة/ المؤهل بالانخفاض، ولن يتم السعي وراء المهارات الشائعة بشكل كبير، مما يقلل من قيمتها بشكل كبير أيضاً. على سبيل المثال لا الحصر، إذا كانت القدرة على القراءة غير عادية، فستكون مهارة مطلوبة بشدة. ولكن إذا كان الجميع يعرف كيف يقرأ، فإن المهارة ليست لها قيمة خاصة. وبالتالي سينتهي الأمر بالعديد من المتعلمين تعليماً عالياً إلى القيام بعمل يقع ضمن الحد الأدنى للأجور، هذا بفرض أنهم أصلا يريدون وظائف على الإطلاق، ومع الأسف لن يتم توظيف تعليمهم ومهاراتهم في العمل.
من يحتاج شهادة جامعية لإدارة فرع مطعم مأكولات سريعة أو شهادة جامعية لصانع قهوة؟
لابد أن نكون منطقيين، التهاون في وضع شروط القبول للجامعات والدراسات العليا والابتعاث خرج عن السيطرة، والنتيجة أن شخصاً عاد من رحلة الابتعاث بشهادة جامعية يعمل بوظيفة يُمكن شغلها بشخص آخر يمكن تعليمه بالتعليم المهني أو التدريب المهني.
تخيل معي -عزيزي القارئ- هذا السيناريو:
سيناريو آخر شبيه بالاكتئاب الذي حصل في أوروبا في الثلاثينيات عندما حاول الجميع الحصول على شهادات صحية وأصبح الأغلبية أطباء فافتقد المجتمع سائس الخيل، والخياط، والمزارع، وإلخ.. وانخفضت جودة وكفاءة الأطباء وخدماتهم وانخفضت أتعابهم، إذن ما فائدة شهادة جامعية عالية إذا لم يكن هناك سوق لها؟
على سبيل المثال، قد تكون الدرجات العلمية في «دراسات المرأة» أو «تاريخ الفن» أو «الشريعة» أو «التاريخ» أو غيرها بلا قيمة إذا كان معدل البطالة مرتفعاً للغاية. فلا دراسات المرأة ستُعلم الشخص كيف يدير مشروعاً أو كيف يكون ميكانيكياً ليصلح عجلات رافعة تستخدم في المشروع ولا ستعلمه كيف يركب أجهزة تبريد لهذا المشروع أو يشبك أسلاك الكهرباء ولا ستعلمه حرفة ينتفع بها وهذه إشكاليتي الأخرى.
تأهيل وتدريب الطلاب لسوق العمل بمهن حرفية ينتفعون بها عوضاً عن الشهادات الجامعية التي لا فائدة منها. المعاهد المهنية مهمة جداً ونفتقدها بشكل كبير للغاية في السعودية، لا توجد معاهد مهنية تعلم حِرفاً يدوية أو تعطي شهادات متخصصة بعد تدريب مهني مكثف، مثال آخر جيد: أمي الغالية تعلمت في معهد مهني للخياطة والتفصيل وبعد نهاية الدبلوم الممتد لثلاث سنوات أعطيت شهادة اجتياز تؤهلها لممارسة مهنة الخياطة وتصميم الأزياء أو للعمل الحر أو إكمال التدريب التخصصي، وبدعم من أبي ومن منطلق رؤيتها لحاجة السوق في ذلك الوقت للتدريب التخصصي، وبالفعل أكملت لحين أصبحت معلمة ومدربة في ذات المعاهد المهنية وتدرب الطالبات ليكن مدربات هن أيضاً.
اليوم، نحن نفتقد لهذا التدريب المهني ونفتقد لهذه المعاهد رغم أن الحاجة إليها شديدة للغاية، فنحن بحاجة لمديري مشاريع ومهندسين ميكانيكيين وكهربائيين ومتخصصي مشتريات وغيرها من التخصصات التي لا غنى عنها وفي ذات الوقت لا يوجد لها تدريب مهني فعال وسهل.
نحن في حاجة شديدة لتبديل طريقة التعليم والتعليم العالي لدينا من طريقتنا التقليدية اللامنهجية وغير المفيدة لسوق العمل اليوم، وإلا فالعواقب وخيمة للغاية وسنعاني منها بشكل أكبر.
الجيل القادم يحتاج لطريقة تعليم جديدة توفر التدريب المهني الذي يشكل أساساً جيداً لبناء مجتمع صحي تعليمياً واجتماعياً ووظيفياً، لكي يستقر وتنخفض كارثة البطالة الحقيقية التي نعاني منها رغم ارتفاع أرقام ونسب التوظيف، ولكن لو أخذنا نظرة أعمق لوجدنا أن هذه الأرقام غير واضح فيها ما إذا كانت فقط سد حاجة وتوظيف شخص بتعليم عالٍ في وظيفة ابتدائية أولية أو توظيفاً حقيقياً لوضع كل كفاءة في مكانها الذي يناسبها.
هنا لن أتطرق لهذا ولا للكفاءات الأجنبية التي سيطرت على أعمال كثيرة في ظل انعدام أو قلة السعوديين المدربين تدريباً مهنياً، فهذا أمر قد أناقشه مستقبلاً.
ولكن أخيراً، وهذا الأهم باختصار، نحن نعيش داخل فقاعة ستنفجر في وجوهنا في أي لحظة، إن لم يكن حصل ذلك أساساً. هناك الكثير الذي نحتاجه لإعادة التفكير في النموذج الحالي للتعليم العالي ومعاهد التدريب.
لابد من إيجاد طريق متوازٍ بين حاجة سوق العمل ومعاهد التدريب وطرحها برامج تدريبية تليق بحاجة سوق العمل عوضاً عن فتح الابتعاث دون هدف مناسب للتغيرات الحاصلة في البيئة الاجتماعية اليوم. النجاح الحقيقي يكون في تدارك هذه الأمور ومحاولة إصلاح ما يمكن إصلاحه، وسرعة التكيف مع متغيرات سوق العمل واحتياجاته.
[ad_2]
Source link