محمد آل زلفة.. طفولة خضراء وحياة فكرية صاخبة! – أخبار السعودية

محمد آل زلفة.. طفولة خضراء وحياة فكرية صاخبة! – أخبار السعودية

[ad_1]

ولد الدكتور محمد بن عبدالله بن سعيد آل زلفة الرفيدي القحطاني في عام 1944، في قرية المراغة التابعة لمحافظة أحد رفيدة في منطقة عسير لعائلة قحطانية الأصل والنسب.

توفي والده وهو طفل صغير، فتولت رعايته ورعاية أشقائه والدته وأخواله. عاش آل زلفة سنوات طفولته الأولى في المراغة، بعد أن أصبح جده الرابع من كبار هذه البلدة، إذ شارك في وضع حدودها الغربية الفاصلة بينها وبين أملاك جيرانهم من قبيلة آل الحجل، بموجب وثيقة تحدد بشكل دقيق معالم حدود القرية من جهتها الجنوبية. استمر حضور عائلة آل زلفة في هذه القرية الكبيرة بتولي والده نيابة القرية، قبل أن تنتقل منه بعد وفاته إلى آخرين لصغر أولاده.

عشق الأرض

كان يوم ولادته يوم عيد، وأخذت جدته جزءاً من حبل السرة بعد ولادته ودفنته في وسط إحدى مزارعهم اعتقاداً منها أنّ هذا سيربطه بمحبة بالأرض، وربما كانت جدته على حق فارتباطه بهذه الأرض كان يفوق الوصف، ولعلّ من الصدف أنّ الجزء الذي دفن فيه جزء من حبله السّري أصبح جزءاً من نصيبه من الأرض بعد توزيعها بينه وبين إخوته.

نشأ آل زلفة في عائلة ميسورة تدر عليهم مزرعتهم غلة جيدة تؤمن لهم عيشة العوائل الميسورة. عاش طفولته مثل بقية أطفال القرية، وشارك مع عائلته في أعمال المزرعة بما يناسب سنّه، لذلك كانت أولى مهمة توكل إليه رعي صغار الغنم، أو ما يسمى بالبهم من الغنم في أطراف المزرعة كأول مهمة توكل إلى أي طفل في سنيّه الأولى، كما التقى في طفولته بأبناء وبنات الجيران الذين في سنّه، وإلى جانب رعي البهم كان يقوم بكثير من الألعاب مثل بناء البيوت من الرمل، والتباهي والتفاخر بما يتمّ بناؤه من البيوت الكبيرة.

دخل آل زلفة المدرسة في سن الثامنة، إذ كان الوحيد من أبناء القرية الذي عليه الذهاب إلى المدرسة التي تبعد عن بيته مسافة تقدر بـ3 كم عبر الشعاب والهضاب والوهاد، وكان يشعر مع هذا الانضباط اليومي بأنه مقيد، وأنّ الحياة روتينية لا يعجبه العيش فيها بهذه الطريقة، في الوقت الذي يذهب أقرانه وبعض إخوانه الأصغر منه سناً إلى اللعب والمرح ورعي البهم والغنم في الشعاب القريبة من بيتهم وليس لديهم همّ الذهاب إلى المدرسة واتباع طقوسها الروتينية.

كانت زراعة الأشجار المثمرة وغير المثمرة تستهويه ويظنّ أنّها تحقق له حلم والدته في بناء بيت ظلّت تحلم به، ومن أجل هذا قاوم آل زلفة معارضة أخيه ثابت زراعة الأشجار في أطراف المزرعة، لأنها كما يقول إذا كبرت أصبحت مأوى للطيور أثناء قرب حصاد الذرة، فكان يقتلعها دون مقاومة، ومع ذلك تمكّن آل زلفة من زراعة شجرتين أمام واجهة الباب الشرقي من قصر النائب فكبرتا، وتحولتا مع الوقت إلى ملكيته الخاصة بعد توزيع تركة أبيه.

حمل آل زلفة هذا الحُبّ المبكّر للزراعة إلى يوم الناس هذا، فأصبح بيته محاطاً بالأشجار من كل جانب، إضافة إلى ارتباط طفولته بمتطلبات غريبة، فقد كان يحبّ أن يُقدم له الطعام في إناء خاص لا يشترك معه فيه أحد، إضافة إلى إجهاده نفسه في طفولته بكتابة الكلمات بإصبعه على رمل المسجد أثناء أداء الصلاة.

الكتابة للمغتربين

بعد تجاوز الصف الرابع الابتدائي أصبح محمد آل زلفة جيداً إلى حدّ ما في الكتابة، كان سعيداً حينما تستعين به بعض نساء القرية في كتابة رسائلهنّ إلى أزواجهنّ المغتربين في كل من الرياض والمنطقة الشرقية، ولكن الأغلبية في الرياض حيث شهدت تلك المرحلة هجرة كثير من الرجال إليها للبحث عن عمل، بعد تبنّي الملك سعود (رحمه الله) مشاريع تنموية كبيرة في الرياض وغيرها من المدن، واستقطاب كثير من المواطنين في القطاع العسكري والأمني. كان آل زلفة يعيش هموم أولئك النسوة وهنّ يبثثن مشاعر لوعة فراق أبنائهنّ وذويهن.

في أحد مساجد مدينة الطائف تعرّف آل زلفة على الميكرفون الذي لم يكن يعرفه ولم يسمع عنه من قبل، ولم يتصور أنّ صوت الإمام ينقل من المحراب إلى الصندوق الصغير المعلق بالقرب منه عن طريق هذه السماعة، وفي إحدى العشش الملاصقة لحلقة الخضار في الطائف أكل الفول والتميس الذي يراه ويذوق طعمه لأوّل مرة في حياته، وفي المقهى المجاور لحلقة الخضار طلب «براد شاي» بعد أن سمع العامل في القهوة المكتظة بالزبائن يقول بصوت مرتفع: «أربعة أسود حلا برّا» مع أنه لم يعرف ماذا طلب!

قصاصة تقوده إلى عالم الكتب

علقت بذاكرة محمد آل زلفة قصاصة من مجلة وجدها ذات يوم على قارعة الطريق فيها صور لأشخاص وأخبار ومواضيع عن قضايا تدور أحداثها بين مصر وبلاد الشام، لم يكن يعرف وقتها قراءة الصحف أو المجلات أو الكتب والروايات التي تتحدث عن عالم آخر غير عالمه، لذلك لم يكن يفكر في الوسائل التي توصله إلى هذا العالم أو ذاك، لكنّ هذه القصاصة علقت في ذاكرته بصورها وحكاياتها، ومع الوقت وجد آل زلفة متعته الأولى في الأماكن التي توجد بها مكتبات لبيع الكتب وخاصة الكتب النادرة، فكان من أشد هواة اقتناء الكتب النادرة والبحث عنها في كل مدينة يذهب إليها، كمدينة كمبريدج في بريطانيا حيث درس في جامعتها سنوات، ولندن وأكسفورد، وإستانبول التي يوجد فيها أكبر وأقدم سوق لبيع الكتب، وأصبحت هذه الكتب نواة مكتبة مركز آل زلفة الثقافي والحضاري في قرية المراغة بمحافظة أحد رفيدة.

أحداث شكّلت حياته

كثيرة هي الأحداث والمواضيع والقضايا التي شكّلت حياة آل زلفة، إلّا أنّ سفره من خميس مشيط إلى الرياض في رحلة استغرقت سبعة أيام على ظهر سيارة «لوري» طلباً للعلم كانت ذات أثر كبير في حياته، أما الرحالة الإنجليزي ويليام بالجريف الذي وضع وصفاً رائعاً وخريطة مفصلة لقصر الحكم القديم في الديرة بعد أن زاره في عام 1279هـ إضافة إلى تقديمه وصفاً شاملاً لمدينة الرياض، بأحيائها ومساجدها وقصورها وساحاتها وحتى مقابرها وبواباتها المتعددة على السور الذي كان يحيط بالرياض من كل جهاتها، فقد ارتبط برحلة آل زلفة مع الكتابة والترجمة، إذ ترجم ما أورده بالجريف عن القصر وحياة الأمير والأوضاع السياسية في عاصمة الدولة أثناء وجوده في جامعة كمبريدج، بعد أن اشترى هناك الطبعة الثانية من كتاب بالجريف المطبوعة عام 1862، إذ نشرت هذه المقالة لأول مرة في مجلة التوباد في شوال من عام 1408هـ بعد عودته من البعثة وما كان لهذه المقالة أن تُنشر لولا تدخل الملك سلمان بن عبدالعزيز (أمير الرياض حينذاك)، بعد رفض وزارة الإعلام في وقتها نشر هذه الترجمة بحجة أنّ بها ذكر اسم لإحدى بنات الإمام فيصل بن تركي التي كانت تقوم بعمل المستشارة السياسية لوالدها وكاتبة رسائله المهمة.

الوظائف ودراسة التاريخ

عمل آل زلفة في عدة وظائف قبل أن يتفرّغ لدراسة البكالوريوس في جامعة الملك سعود ومن ثمّ واصل الماجستير والدكتوراه في التخصص نفسه عن قناعة، فقد كان التاريخ يشغل تفكيره منذ أيام طفولته، لذلك بقي مرتبطاً بتاريخ الأمكنة، وقراءة ما يكتب عنها، ولعلّ في رسالته التي كتبها للدكتور عبدالله المدني بعد قراءته كتاب المدني عن الخبر ما يربط بين الإنسان والمكان الذي يولد أو يعمل فيه، إذ كان هذا الكتاب كما قال في رسالته يروي جانباً مهماً من تاريخ حياته في تلك المدينة الساحرة التي عاش فيها أجمل سنوات شبابه المبكر. وأضاف آل زلفة: في مكتباتها اقتنيت أول كتب قرأتها، في استوديوهاتها التقطت أولى صوري، في مطارها كانت أولى إطلالاتي على العالم، في مطاعمها أكلت أول طبق خليجي، في مدرستها المتوسطة أكملت المرحلة الإعدادية، في معهدها الثقافي تعلمتُ أول درس في اللغة الإنجليزية، على أرضها خفق قلبي بأول نبضة حب.

شيطنة آل زلفة

في حياة الدكتور محمد آل زلفة الكثير من الخصومات الفكرية التي وقف فيها مدافعاً عن أفكاره وقناعاته، ولعلّ أهمّ تلك القضايا قيادة المرأة السعودية للسيارة، إذ تعرض إبّان كان عضواً في مجلس الشورى لهجوم ونقد لاذعين بعد دعوته إلى مناقشة هذه القضية تحت قبة المجلس، إذ كان من أوائل المنادين بقيادة المرأة السيارة في وقتها، ورفضت اجتماعياً، وقوبلت آراؤه فيها بهجوم وممانعة ورفض، بل وصلت إلى المصادرة والتهديد!

كان آل زلفة قد رأى في منع المرأة من قيادة السيارة تحجيماً لدورها، وانتقاصاً من حقوقها، بعد أن بدأت كفكرة معه في 2005، وصادف أن عرضت في مجلس الشورى فكرة تجديد نظام المرور، إضافة إلى قضية السائق الأجنبي والتكاليف التي تنفق عليه، ويبدو أنّ آل زلفة الذي كان وقتها عضواً في المجلس رأى أنّ الوقت مناسب لعمل دراسة تقود إلى تمكين المرأة من قيادة سيارتها، حيث طرحت القضية ووعد بطرح توصية حول الموضوع، وبعدها بدأت الضجة الكبرى في المجلس وخارج أسواره، إذ «كيف يجرؤ على التحدث في أمر محرّم ومحاط بمحاذير عدة»، وكيف يطرح بمجلس الشورى، وكانت مبررات المعترضين على ذلك عدم وجود نصّ شرعي!

هذه القضية وما دار حولها من جدل في الصحف والمواقع جمعه آل زلفة في ما بعد في مجلدين من 1300 صفحة، ويبدو أنّ هذه الآراء الجريئة التي صرح بها آل زلفة كانت -كما يؤكد السفير والكاتب تركي الدخيل- سبباً في شيطنة آل زلفة، لأنه كان يرى أنّ من حقه التعبير عن هذه الأفكار. ويصف الدخيل آل زلفة بأنه شجاع في رأيه الذي حارب التشدد والتطرف منذ سنوات، وأنّ اسمه شكّل «بعبعاً» للكثيرين مع أنه لم يخالف الثوابت ولم يهدم الإسلام من الداخل. اليوم وبعد 78 عاماً من العطاء، يرقد الدكتور محمد آل زلفة على السرير الأبيض بعد أن تجاوز كلّ هذه الظروف والمعارك الفكرية ومعه الكثير من الانتصارات والكتب والإنجازات التي تحققت لفاعل كبير في حقل المعرفة، وكان لحضوره الوطني المشرّف أثره الكبير والمؤثر.



[ad_2]

Source link

Leave a Reply