[ad_1]
لم تعد الحملة على منابع الفساد ومكافحته مجرد إجراء روتيني، بل غدت رؤية موجهة وشاملة للكثير من أوجه الحياة بالمملكة، ولا سيما شقيها المالي والإداري، ويعد إحالة هؤلاء المستثمرين إلى النيابة تجسياً لاهتمام الدولة بالحد من عمليات استنزاف أموال المستثمرين بغير حق وتعريضهم للخسائر، التي قد يبلغ مجموعها في الكثير من الأحيان مليارات الريالات، وهو ما قد يلحق الضرر بالقطاع المالي السعودي نفسه.
وقد أعادت قضية التعامل بحزم مع هوامير البورصة إلى ذاكرتي انهيار السوق المالي قبل أكثر من عقد مضى، حينما استُنزفت أموال الكثير من كبار المستثمرين وصغارهم على حد سواء، وقد بلغت قيمة الخسائر -وقتذاك- ما يناهز مليارات الريالات، مما تسبب في أزمات اجتماعية متفاوتة، كان أشدها هو خسارة الكثير من المستثمرين لمدخراتهم، ولعل أحد الأسباب وراء حدوث هذه الأزمة هو عدم امتلاك سوق المال -وقتذاك- لرقابة حازمة، إضافة إلى قلة خبرة صغار المستثمرين الذين اندفعوا للاستثمار في سوق الأسهم دون دراية أو معرفة كافية.
غير أنه من المؤكد أن غالبية اللوم يجب أن يلقى على عاتق ما يطلق عليهم «بهوامير البورصة» ممن لم يتوانوا عن التلاعب في المؤشرات على النحو الذي يعظم ثرواتهم ويضاعف أرباحهم، غير عابئين بالتسبب في انهيار القطاع المالي بكامله، وقد غيرت تلك الأزمة العاصفة التي مرت بها الهيئة قبل قرابة 16 عاماً أوضاع الكثيرين، فكما تسببت في ثراء فئة من المستثمرين، تسببت في حدوث العكس وأطاحت دونما رحمة بثروات الكثيرين منهم، متسببة في نشوء الكثير من المشكلات الاجتماعية على أكثر من صعيد كما سبق وأشرنا.
من المؤكد أن التلاعب في سوق المال هو أحد أنواع الفساد «المقنّع» الذي يستخدم سوق المال ذاته كوسيلة للتحايل على قيمة المؤشر وعلى أسعار الأسهم، فبإمكان الهوامير من أصحاب المحافظ الاستثمارية المليارية التلاعب في قيمة الأسهم من خلال زيادتها أو تقليلها كيفما يحلو لهم، وبالتالي يتمكنون من زيادة قيمة أسهم شركة غير مجدية استثمارياً أو يقللون من قيمة أسهم أخرى بما يسمح لهم بتحقيق أرباح خيالية، ومن ثم هز سوق الأسهم وإخراج العديد من صغار ومتوسطي المستثمرين منه غير مبالين بذلك، فغاية تركيزهم هو تعظيم استثماراتهم على حساب الآخرين، بل وعلى حساب جودة وسمعة السوق المالي ذاته.
من المؤكد أن أي خطوة حاسمة يتم اتخاذها للضرب بيد من حديد على أيدي الفاسدين في جميع القطاعات ومن مختلف المستويات يعزز رؤية المملكة -التي أعلن عنها الأمير محمد بن سلمان- بأنه لا مكان للفاسدين في أي قطاع، وذلك من أجل تحقيق التنمية الشاملة في كل قطاع من قطاعات الدولة، وبما يمكِّن المملكة من تحقيق أهدافها الإستراتيجية كوجهة استثمارية عملاقة في منطقة الشرق الأوسط، ولاشك في أن التخلص من الفساد وتتبع الفاسدين هو الخطوة الأولى لتحقيق هذا الهدف، فلا استثمار مع الفساد، ولا يمكن تحقيق أي نوع من أنواع التنمية إلا بعد استئصال شأفة الفساد المقنع والمباشر على حد سواء.
لا شك في أن التوجه لبناء دولة حديثة متطورة في عالم متسارع الخطى شديد التنافسية يتطلب امتلاك رؤية ثاقبة وعقوبات رادعة وخاصة تجاه قضايا الفساد، وهي القضايا التي قد تكون متأصلة في كثير من الدول، ولكن بنسب متفاوتة بطبيعة الحال، ولذلك فإن الخطوة الأخيرة الحاسمة التي اتخذتها هيئة سوق المال تجاه هذا العدد من المستثمرين تعتبر خطوة رائدة في طريق تحسين القطاع الاستثماري، ونقلة نوعية لتنقية المجتمع المالي من ظاهرة الفساد، والتي تفسد التربة الاستثمارية وتنخر فيها دون أن يلاحظ ذلك الكثيرون.
من المؤكد أن لهذه الخطوة الموجهة لهؤلاء المتلاعبين بسوق المال أثرا كبيرا وإيجابيا على معدلات استعادة المستثمرين السعوديين الثقة في اقتصادهم الوطني، وشعورهم بالطمأنينة تجاه أجهزته الوطنية الأمنية المتخصصة، القادرة على حمايتهم والمحافظة على أموالهم، بخلاف أثرها الفعال في اجتذاب المستثمرين الخارجيين من شتى بلاد العالم للاستثمار في القطاع المالي السعودي الآمن ذي العوائد الاستثمارية الجذابة للجميع.
كاتب سعودي
Prof_Mufti@
dr.mufti@acctecon.com
[ad_2]
Source link