دولة المؤسسات – أخبار السعودية

دولة المؤسسات – أخبار السعودية

[ad_1]

يبدأ الدستور الأمريكي، بجملة: نحن شعب الولايات المتحدة. هذه الافتتاحية المكونة من أربع كلمات تشير إلى أن الدستور الأمريكي هو بمثابة عقد اجتماعي لإقامة سلطة سياسية تحكم دولة الاتحاد. بعد هذه العبارة الجامعة، سَطّرَ الدستور نوع الحكومة التي ينوط الشعب بها مسؤولية حكم الجمهورية، على مستوى الاتحاد (الحكومة الفيدرالية) وعلى مستوى الولايات (الحكومات المحلية).

هذا العقد الاجتماعي من طرف واحد (الشعب)، الحكومة ليست طرفاً فيه. الحكومة، في المقابل: تستمد سلطتها من الشعب نفسه، لا أصالةً عن نفسها، ليظلَ مصيرُ الحكومةِ في بقائِها وخروجها من السلطة، بإرادة الشعب. كما أن الحكومة، بمستوييها (الفيدرالي).. و(المحلي)، ليست دائمة أو سرمدية، إنما مؤقتة، بمدى زمني محددٍ، يُراجع عند نهايته إنجازها ويُقَيم أداءها.. ويتخذُ الشعب عندها قراره، بإبقائها أو تغييرها، بحكومة أخرى.

ولتفادي أي احتمالٍ لاستغلالِ الحكومةِ للسلطة، جاء الدستورُ بنظامِ حكمٍ يأخذُ بصيغةِ فصلِ السلطاتِ، مستهدفاً أن تظل الحكومةُ ضعيفة ومشتتة، تهدرُ طاقتها في حركةِ الصراعِ بين مؤسساتها.. وفي خضمِ إنجازِها لما جاءت من أجلِهِ، حتى لا يبقى لها وقتٌ أو طاقة للإضرارِ بحقوقِ الناسِ وحرياتِهم.

جاءت قائمةُ الحقوق والحريات في التعديلات الدستورية اللاحقة، لتؤكدَ دستورياً وقانونياً وسياسياً، على صيغةِ الحكومةِ الضعيفة.. وكذا مرجعيةَ كافةِ السلطاتِ الفيدرالية والمحلية للشعبِ نفسه، مع احتفاظ الولايات المشاركة في الاتحاد بصلاحياتِ حكمٍ محلي واسعة، بعيداً عن السلطة المركزية في العاصمة. حتى أن كل ولاية لها حاكمها الخاص.. ومجلسها التشريعي الخاص.. وعلمها الخاص.. وحرسها الوطني وقوى إنفاذ القانون الخاصة بها.. وعيدها ونشيدها الوطني الخاص… حتى أن لكل ولاية دستورها ونظامها القضائي الخاص بها بكل درجاته… كما أن لها نظامها الضريبي الخاص بها.

نظامٌ فيدرالي يركزُ على حكمِ المؤسسات، توكيداً لإرادة الشعب. السيادةُ، في النظام السياسي الأمريكي للشعب، بالشعب.. وتنتهي للشعب. الشعبُ يمارس سلطاته من خلال حكومةٍ مركزيةٍ وحكوماتِ ولاياتٍ محليةٍ منتخبةً رموزها في مؤسسات تَعَمّدَ الشعبُ أن تكون ضعيفةً في مواجهةِ حريات المواطنين وحقوقهم. ولتفادي احتمال تَغَوّل الحكومةِ على حرياتِ الناسِ وحقوقهم، جعلَ الشعبُ بأسَ مؤسساتها بينها.. وتَحَكَمَ في مصيرِ بقاءِ رموزها في السلطة.. واستبدالِهم بإرادتِهِ هو (الشعب). حتى الدستورَ نفسه يخضعُ للتعديل والنسخِ والإضافةِ، لإرادةِ الناس أنفسهم.

الشعبُ الأمريكي أقامَ دولةً قويةً غنيةً مستقرة، بإرادتِه الحرة، هو السيد الأول فيها، لا تصرف لغيره في مصيرها. لا مجالَ في هذه الدولة الفيدرالية لسيطرة حزب أو جماعة أو تيار أو ثقافة أو دين… دعك من القول بسلطة شخص مهما بلغت شعبيته.. وتعددت إنجازاته.. وعظمت تاريخيته، وطغت «كاريزميته».

الولايات المتحدة تستعصي على التفككِ والانحلالِ، وحتى احتمالاتِ الحربِ الأهلية، إلا بالطريقة التي تأسست عليها… دعك من قدرةِ أيِ شخصٍ أو جماعةٍ التلاعبَ بآليةِ تداولِ السلطة السلمي.. أو تتصرفَ خارجَ القانون، أو تتجاوز إرادة الناس والمساومة عليها.

الولاياتُ المتحدةُ دولة قانونٍ تحكمها مؤسساتٌ برموزٍ منتخبة، وليست دولةَ جماعاتٍ.. أو أحزابٍ، أو أشخاص.

كاتب سعودي

talalbannan@icloud.com



[ad_2]

Source link

Leave a Reply