عُقدة القدوة الشعريّة – أخبار السعودية

عُقدة القدوة الشعريّة – أخبار السعودية

[ad_1]

بين كل حقبات الشعر عبر سيرورته الزمنية، مُنذ ولادة شطرِه الأول، اتصل اتصالاً سيامياً بالعادات والتقاليد، وتواطأ على ذلك أطراف الجيل السابق مع الجيل اللاحق، وربما انتظمت في سياق التسليم بالأطر المجتمعية المؤثرة في ديوان العرب كل الأجيال، ما حكم الشعر بالمحافظة على رتابَة محتواه ونُدرة التمايز بين أهله، من نواة فكرته إلى قشرة عرضه.

نلحظ تناغماً غير عادي بين أغلبية النصوص المتوالدة وكأنها مولودة من رحِم قريحة واحدة وهذا ما يدفع الذائقة للتمسك بماضِي الشعر أكثر من حاضره، ليس فقط لجودة القديم ولكن -من وجهة نظرِي- لغلبة ركاكة الجديد ولو فَرض على كفوف الجمهور المحابي تصفيقاً أبكم.

وأعنِي في ما سَبق أن الأصل يرفع أسهم الشاعر، المطبوع يهزم المصنوع لأنه في كل الأحوال، أفضل. فالشاعر الخلف يمتح من نهر شاعر سلف دون استشعار الوقوع في براثن الروتين وهذه عقدة القدوة الشعريّة.

ولم تعد ظاهرة تمسك الناس بالقديم مقصورة على الشعبيين بل حتى النخبة من المثقفين الذين يحتسون القهوة صباحاً على صوتِ فيروز يتملك ذائقتهم صوت شعري عتيق ومعتّق وينصبونه على كُل مسرح تمثالاً ومعياراً للذائقة الشعريّة حتى أن من يُبدِي رأياً سلبياً تجاهه يعدونه جاهلاً وسطحِياً لا يفقه في الشعر شَيئاً، وهذه عُقدة كل الفنون.

أما في ما يخص الشعر الفصيح تحديداً فتجد مثلاً من ينتقد الشاعر الجاهلِي امرأ القيس خارجاً من الملةِ الشعريّة، ومن ينتقد أحد شعراء العصر الحديث من نزار قبّانِي أو أحمد شوقِي أو حتى محمود درويش يرونه متخلفاً عن إدراك فن القريحة. وفي الشعر النبطِي يتهمون من يمس قصائد لعبدالله الفيصل أو لبدر بن عبدالمِحسن أو مساعد الرشيدي أو ناصر السبيعي أو فهد عافت أو غيرهم من فحول الشعر بأنه لا يمُت للشعر بصلة، وجميع ما ذكرت شعراء في أعين جمهورهم وبعضهم في عينِي ولكن تمجيد الأسماء بهذه الطريقة هضم لحق شاعريّة حديْثِي النشأة من فحول الشعر، بل إن بعضهم دفنوا مجدهم في مقبرة الاقتداء.

مهما قلدت -من باب الحُب والاعجاب- من سبقوك في سائر الفنون، وخصوصاً الشعر، ستكون عامل تدوير لذكرى يئِس النسيان أن يشملها. فكُن أنت.

لذا أعتقد أن نزع عباءة الإعجاب الشعرِي صار ضرورة لخلْق بيئة شعريّة جديدة تنمو بالازدهار الإبداعِي والبصمات التي تمتاز بالجِدةِ والدهشة. ولا ضير لو مرت بحقول الشعر القديمة رياح خريفية تنفض قديم أوراقه وتبعث خضرة الجِيل الجديد خالية من ندى الحقول السابقة، وكم من غابات عامرة وليست حقولاً فحسب رحمَ الله معمريها وعمّر أمجاد من تَلَوهم في التفرد وعدم طباعة نسخ لتلك الصور الماضية.

كاتبة سعودية

Besha224@



[ad_2]

Source link

Leave a Reply