[ad_1]
المكتبات.. ورؤية 2030!!
ظهرت المكتبات في عالمنا العربي في القرن الثالث الهجري، وازدهرت صناعة الكتب بعد انتشار الورق وصناعته في بغداد عاصمة الخلافة العباسية، وكثر النساخون، وازدهرت الحركة العلمية، واتسعت حركة الترجمة إلى اللغة العربية، وكثرت المؤلفات والتصانيف العلمية في كثير من العلوم والمعارف، وأصبحت الكتب خزانات للعلم ومناهل للمعرفة، وكان امتلاك مكتبة خاصة في أي منزل علامة على السعة والغنى، واهتم الأغنياء ووجوه القوم بامتلاك مكتبات خاصة، أما الخلفاء والوزراء وكبار العلماء الموسرون فقد كان لديهم مكتبات ضخمة، احتوت على كثير من نفائس الكتب والمجلدات والمخطوطات.
كما أسس الخلفاء والحكام والوزراء مكتبات عامة في مختلف المدن والحواضر الإسلامية، مثل مكتبة بيت الحكمة في بغداد، ومكتبة دار الحكمة في القاهرة. وكانت هذه المكتبات وما فيها من كتب ومجلدات بمنزلة نواة مبكرة للجامعات الإسلامية، حتى إن المؤرخين اختلفوا في طبيعة هذه المؤسسات، وما إذا كانت تعد مدارس ومعاهد علمية أو مكتبات بالمعنى المعروف كخزانات للكتب ومصادر للعلم والمعرفة.
لقد كانت المكتبات من أبرز السمات الحضارية في العالم الإسلامي، وأصبح هذا النوع من المنشآت، سواء المكتبات التي شيدتها الدولة، أو المكتبات الخاصة التي أسسها الأفراد، منجزًا حضاريًّا في العواصم، وفي كل المدن في شتى أنحاء العالم الإسلامي؛ لأن هذه المكتبات في تلك العصور كانت تقوم بمهمة نشر العلم، وتؤدي دورًا يشبه إلى حد بعيد دور المعاهد العلمية في العصر الحديث، إضافة إلى دورها المماثل لما تؤديه دور الكتب في الوقت الحاضر لمرتاديها من المطالعين والباحثين، وما توفِّره لهم من خدمات القراءة، والاستعارة، والتصوير.
وقد ذكر الأستاذ الدكتور أحمد شلبي صاحب موسوعة ”الحضارة الإسلامية” مظاهر كثيرة تدل على اهتمام المسلمين بالمكتبات كمناهل للمعرفة، وكان المسلم القادر يوقف جزءًا من ثروته على إنشاء مكتبة يجمع فيها الكتب، ويفتح أبوابها للناس لنشر العلم بينهم. وذكر المستشرق الألماني (آدم متز) في كتابه «الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري: عصر النهضة في الإسلام»، الذي ترجمه الدكتور محمد عبدالهادي أبو ريدة، أدلة كثيرة على اهتمام المسلمين بالمكتبات في هذا العصر، وأنها كانت سببًا رئيسًا في ازدهار العلم والمعرفة في العالم الإسلامي في هذا الوقت؛ الأمر الذي أدى إلى تطور الحضارة الإسلامية، وبلوغ ذروتها في هذا العصر.
ويوجد في السعودية عدد لا بأس به من المكتبات العامة والخاصة، واليوم نشعر بالفخر والامتنان ونحن نرى صاحب السمو الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان آل سعود، وزير الثقافة رئيس مجلس إدارة هيئة المكتبات، يهتم اهتمامًا كبيرًا بالمكتبات، ويعلن خطة استراتيجية شاملة لتطوير قطاع المكتبات، وزيادة أعدادها، وتحويلها من مجرد خزائن للكتب وأوعية للمعارف والعلوم إلى منصات ثقافية شاملة، تحتضن الكثير من الأنشطة والفعاليات الجاذبة لأبناء المجتمع، لنشر العلم والمعرفة، ورفع مستوى الوعي والنضج، ولاسيما بين الشباب والأجيال الصاعدة.
ولا يظن أحد أن الاهتمام بالمكتبات يعد نوعًا من الترف الفكري والثقافي؛ فهذا الظن خاطئ، بل يجب أن تقوم المكتبات مجددًا بدورها كمصادر للعلوم، وناهل للمعرفة، وهذا دور مهم، وله أثر اجتماعي واقتصادي كبير، بل سوف يساهم هذا الدور للمكتبات في تحقيق مستهدفات وزارة الثقافة المبنية على أهداف رؤية السعودية 2030؛ إذ من المفترض أن تصبح المكتبات منصات ثقافية، توفر بيئة جاذبة، تعمل على تنمية قدرات الإنسان السعودي، وتساعد في توفير فرص التعليم المستمر لتنمية القوى العاملة، وتطوير الأعمال، وتحفيز بيئة الابتكار.. وهذا إن تحقق فسوف يساهم في تحقيق النمو الفكري والمعرفي الذي سيكون له أبعاده الثقافية والاقتصادية والاجتماعية المهمة.
وقد أعلن عن مبادرات رائعة لتطوير قطاع المكتبات على مستويات متعددة وفق مراحل زمنية محددة، تهدف في مجموعها إلى خلق الحراك والزخم المطلوب في قطاع المكتبات للنهوض به على النحو المأمول. ومن أبرز هذه المبادرات – في رأيي – مبادرة: تصميم وبناء مكتبة رقمية عامة، وإيجاد مكتبة رقمية للأطفال، وأتمتة المكتبات العامة، إضافة إلى مبادرة تصميم وبناء منصة رقمية لتسويق فرص الاستثمار في قطاع المكتبات، ومبادرة تقديم خدمات المكتبات المتنقلة، وتقديم خدمات المكتبات في أماكن التجمعات، وتطوير تقنيات تجارب القراءة التفاعلية، وتنفيذ ألعاب معلوماتية تستهدف الأطفال والنشء، وتنظيم مسابقات وطنية تستهدف صغار السن، وتنفيذ مجموعة من العروض التفاعلية للأطفال والناشئة والأسرة، وتمكين أصدقاء المكتبة.
في الحقيقة، الأفكار كثيرة، والآمال مترعة.. والميدان هو الحكم والفيصل؛ فواقع حالنا مع المكتبات بحاجة إلى جهد كبير وعمل متواصل لتحقيق الأهداف المرجوة.
[ad_2]
Source link