«السائرون بظلّين»… تنقيب عن أوجه مختلفة للحقيقة – أخبار السعودية

«السائرون بظلّين»… تنقيب عن أوجه مختلفة للحقيقة – أخبار السعودية

[ad_1]

تُعدّ الشخصيات الروائية عالماً موازياً للحياة الواقعية التي يحياها الإنسان. ولا يمكن بأي حال أن ينفك هذا العالم عن مسار الواقع، لما فيه من التداخل والإسقاط. ولابد للمرء أن يمر تحت ضوء التجربة للوصول إلى تأويل ورؤية. لكنها ليست الحقيقة التي لا تثبت في مكان ما، فيمسك بها الإنسان للأبد. هذا التجريب المفتوح على الخطأ والتعلم، فاكتساب الخبرات، هو مجمل انفتاح الإنسان على الأشياء من حوله وانغماسه فيها.

هذا اللهاث المستمر خلف الذات من خلال تفكيك المواقف والبعد الزمني بينها، وتدريب الحواس على التلقي المكثف، هو مثار تجربة الكاتبة العراقية هند الديوان، في روايتها «السائرون بظلّين» الصادرة عن دائرة الثقافة بالشارقة، والفائزة بجائزة الشارقة للإبداع العربي 2021.

وعند البحث عن رؤية الكاتبة، فإننا أمام عاصفة من الأفكار التي لا تتوقف عن التقافز، هذا ما يحدث تماماً في روايات التحليل النفسي، حيث الشخصيات المُركّبة، والمستمرة في التشكل والتفلّت حتى نهاية السرد. بل ويستمر مفعولها الانشطاري بعد الفراغ من القراءة.

فمنذ البداية تفتح الروائية أبواب مصحة نفسية، أمام شخصيتين إحداهما «نجمة» وهي الحالة التي يتناولها تقرير السرد النهائي، والأخرى هي «ألفريدا» الطبيبة النفسية، التي بقيت مُحاورة على امتداد المشاهد السردية، ومن ثم قامت بالكتابة أخيراً أسرار المريضة، وتشخيصها، تمهيداً لنقلها لطبيب آخر، هو زوجها، الذي يعمل في المجال نفسه، وهنا تكمن أسرار العمل التي أبعدتها الكاتبة بذكاء، مبقية على خيط الغموض، والتشويق للصفحات الأخيرة.

ديمقراطية

وتكمن متانة سرد هند الديوان في عدة زوايا، إذ تشتغل على غرابة الشخصيات على مدار خطتها السردية، وتراقب نموها وتطورها، حتى لحظة التفكيك الكاشفة لأسرار العمل.

كما وتنثر الكاتبة الغموض حول بناء العمل، متخذة أدوات الإعمال والتحليل حول الأحداث، وكذلك من خلال بنائية السرد المتراكبة. وأعطت لكل شخصية مساحة الحديث عن الذات، وسرد القصة الخاصة بها، ما أنتج ديمقراطية في طرح القناعات حول نفس الحدث.

فنجد عبدالله كشخصية متعددة الأوجه، كأنما صُنِعت ذاتاً واحدة واشتغلت كبؤرة تتفرع منها عدة شخصيات بتمثيلات مختلفة، وهو ما قد سبب بعض التيه بعض الوقت خلال تدحرج كرة السرد، لكن تعود الكاتبة أخيراً لتزيل هذا الغبش، وتوضح ما قصدت إليه.

إذ يتجسد «عبدالله» في شخصية الأب، والعم أيضاً، لعيّنة المرض المحورية في السرد «نجمة» فهو المعلم المثقف الذي ترك أثراً كبيراً في كينونة عائلته، وهو توأم ذاته، الرجل الذي جاء في آخر السرد طبيباً يتلقى تقريراً يوصف حالة ابنة أخيه، بأنها معطوبة الجسد، جراء انفجار في العراق.

ولا يخفي السياق ميل شخصية عبدالله إلى الانتحار في أوقات متفاوتة، فبقي في انتظار لحظة انهزام أمام قسوة الحياة لينفذ خطوته نحو الفناء.

تنقيبأما «نجمة» التي جاءت أيضاً بشخصية متعددة التراكيب، ومصابة بمرض تعدد الشخصيات الانفصالي، وبالتالي بحاجة إلى تحليل جدي، لاستخلاص تجربتها. فهي الضحية التي تمثلت بفعل الواقع السيئ الذي تحياه المنطقة العربية، حيث التعصب الطائفي، والميل لجعل العنف أكثر هيمنة في مرافق الحياة. وتكون نجمة هي صنبور الأفكار الذي سعت إليه مكيانيكية السرد، وهي المحرك الأساسي الذي تتشابك القصص الصغيرة داخل الرواية من خلاله. كما وتسعى الكاتبة إلى إكساب المتلقي مهنة التنقيب عن خبايا العمل، فهي أداة محورية أعطتها لشخصية نجمة، بعملها منقبة آثار، واستمرت في المراوغة اللغوية والبنيوية على مدار 93 صفحة من القطع المتوسط.

ولا تتوقف سلة تلقي الأفكار والتحليلات عن العمل منذ البداية حتى آخر لحظة، فثيمة التصاعد والتجدد في الأحداث غلبت على كل العناصر من حيث البيئة العراقية التي تمر بتحولات كبيرة بعد الحرب الإيرانية العراقية، وحرب الخليج، وغزو أمريكا للعراق، ومن ثم العراك الطائفي. وبالتالي انعكس هذا التيار العنيف على تركيبة الشخصيات وسلوكياتها: «كم مرة سيذبح العراق، حتى يستطيع شعبه أن ينعم بالحياة الإنسانية؟».

الألم والسؤال

الرواية معركة دوارة حول الألم والسؤال المحجوز عن جوهر الحياة. ولا يمكن الفصل بين مكوناتها أو فرز كل تركيبة وحدها، حتى يهيأ للقارئ بأنها حجارة دومينو مصفوفة بشكل عمودي، بمسافات محددة، في حال سقط أول حجر في الصف، انهار الباقي. هذه التركيبة المنسقة الغامضة المشحونة بالعاطفة والتأمل، جعلت من العمل ككل، منطقة ألغام، لا يمكن الغفلة فيها.

منهجية العمل هذه تلمح إلى تخطي القوالب الجاهزة والتنقيب عن تشكيلات مختلفة للحقيقة، فلا يمكن التسليم بالثابت في حياة متغيرة.

فيما تلعب الأفكار خلال دراما السرد وتفصيلاته على الحواس المهملة في الذات، رغبة في استعادة التفكر الغائر في أعماق الإنسان، فنجد الخراب الناجم عن ذهاب الشخصيات، الإرث الماكر الذي يفني الآخر، وكأن الموت لم يأخذ جسداً واحداً اكتفاءً، وإنما يأخذ قطعا غير صغيرة من أجساد وذوات الآخرين، وتعبر عن هذا هند الديوان في استهلال عملها بتعويذة سومرية: «أما زلتم حائطا خفيا لهم، رغم وضوحه أمامهم؟

أما زلتم تسندون رؤوس الآخرين إليه؟

وأنتم المائلون من ثقلهم

تبترون أطرافكم.. ارتكازا؛ لئلا يقعوا

أما زال ليلكم يشع سوادا بوجودهم؟

والألم.. يعتصركم الألم اعتصارا، فتسيلون

لجروحهم المزيفة، ضمادة لا تُرى

عبر الأسوار العالية السميكة، يمرون كالطوفان

يمرقون من بيت لبيت

لا يمنعهم باب، ولا يصدهم مزلاج

فهم ينسلون عبر الباب كانسلال الأفاعي

فهم ينسلون

ويمرقون من فتحته كالريح

ينتزعون الزوجة من حضن زوجها

ويختطفون الطفل من حِجر أبيه

ويأخذون الرجل من بين أسرته».

ومن أجواء السرد:

«الندب هي الأبد، على الرغم من أنها وليدة اللحظة، لذلك عند الفقدان تفتح أوردتنا مسارها، لتحل الكفُّ محل القلب خلف أضلاعنا، فيعلمنا القدر كيف للكف قدرة على التحكم بمصائرنا، أفضل من ذاك المكان المخصص للتحكم، ذلك دليل على أن ليس كل الأماكن المخصصة للأشياء هي ما تبلي حسنا معها، كل مقابلات الحقيقة بالنسبة لها مظلمة، مجوفة، مجحفة، الشيء يستحق التصديق حتى هذا الوجود الذي تملؤه رغما عنها، حتى الأحداث التي مرت بها، فرضت على ذاتها أن تزول حال انتهائها».



[ad_2]

Source link

Leave a Reply