[ad_1]
ولخطورة التدخلات الأجنبية بالشؤون الداخلية، أولت وثيقة إستراتيجية الأمن القومي المرحلية الأمريكية (INTERIM NATIONAL SECURITY STRATEGIC GUIDANCE)، التي صدرت مارس 2021، اهتماما واضحا بها. حيث أشارت في القسم الخاص بمشهد الأمن العالمي، إلى أن المجتمعات تواجه تحديات من قوى خارجية تنشر معلومات مغلوطة ومضللة وتؤجج الفساد سعيا لاستغلال نقاط الضعف لدى الدول وزرع الاختلافات والانقسامات داخلها. وأوضحت أن على رأس التزامات أولويات الأمن الوطني حماية الشعب الأمريكي، بمواجهة تحديات عنف وجرائم المتطرفين والهجمات الإلكترونية والمعلومات المغلوطة التي لا تحترم الحدود الوطنية. وأكدت أن الديمقراطية النابضة بالحياة ترفض العنف المدفوع سياسيا بكافة أشكاله، ولابد من مواجهته حماية للأمن العام الداخلي.
وإذا كانت أمريكا أكبر القوى العظمى في العالم تعاني هكذا من التدخلات الخارجية بشؤونها الداخلية، فما بالكم بحال محيطنا العربي؟ فاحتلال العراق وتسليمه على طبق من ذهب لإيران، وبرامج إستراتيجية الفوضى الخلاقة، شواهد مؤلمة للتدخلات الأجنبية. وتمادي الفرس في زرع خلايا ودعم بالمال والسلاح والخبراء لمليشيات موالين لهم بالعراق وسوريا ولبنان واليمن وغيرها من الدول، دلالات واضحة تهدد الأمن العربي. وهذه التدخلات الإيرانية لم تغفل عن خطورتها وثيقة إستراتيجية الأمن القومي المرحلية الأمريكية. حيث أكدت أنهم سوف يعملون مع الشركاء الإقليميين لدرء التدخلات الإيرانية المهددة لسيادة ووحدة أراضيهم. ولكنها اشترطت ضرورة تبنيهم سياسات لا تتعارض مع مصالح وقيم الولايات المتحدة الأمريكية!
ومن جانب آخر، نجد البعثات الأجنبية لدى الدول العربية تتدخل دوما بالشؤون الداخلية، بالتغلغل في مجتمعاتها من خلال شبكات واسعة لعلاقات غير رسمية مع الأفراد ومؤسسات المجتمع المدني وحتى الحكومي. وتحتضن في مقراتها حفلات، وترعى فعاليات ثقافية وتدريبية واجتماعية، وتقدم أوسمة وجوائز تكريمية لفئات مختارة بعناية، وتتواصل مع من لديهم ميول لمخالفة المبادئ والسياسات السائدة. والأدهى في الأمر، تباهي وانفتاح مفرط لبعض النخب الحكومية والاجتماعية والإعلامية والاقتصادية والأكاديمية بالعلاقة مع البعثات الأجنبية، ونمو أعداد زوارها من الشباب والشابات. غافلين أو متغافلين عما تقوم به من نشر لقيم وأفكار تتعارض مع الدين والثقافة والتقاليد. وقد رصدت بعض مخالفات البعثات الأجنبية بمقال «خلف الجوائز ذئاب» نشر بجريدة عكاظ بتاريخ 29 سبتمبر 2020.
ومن المهم التنويه هنا أن مبدأ احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية يعد واحدا من أهم مبادئ ميثاق الأمم المتحدة، ولكن على أرض الواقع هذا المبدأ يعد الأكثر انتهاكا، خصوصا من الدول العظمى. وأكد ذلك البحث الذي نشر عام 2016 في دورية الدراسات الدولية بعنوان «عندما يكون للقوى العظمى صوت: أثر تدخل القوى العظمى بالعمليات الانتخابية» للأكاديمي دوف ليفين (Dov H. Levin)، حيث أثبت تدخل أمريكا وروسيا 117 مرة (81 تدخلا أمريكيا، 36 تدخلا روسيا) للتأثير في انتخابات دول أجنبية، خلال الفترة 1946 – 2000.
وساهم تطور التقنية وانتشار استخدام وسائل الاتصالات الحديثة في نمو نطاق التدخلات الأجنبية وتيسير ارتدائها أقنعة مختلفة تتخفى وراءها للتأثير على السياسات الداخلية. وبالرغم من ذلك لا يمكن الاستسلام، بل يتوجب بذل أقصى الجهود لمواجهتها وتقليص قدرتها وآثارها. وفي سبيل تحقيق هذه الغاية، يجدر بدولنا العربية:
1. زيادة الوعي المجتمعي لتبعات التدخلات الأجنبية على الأمن والاستقرار والرخاء، وتقديم الإرشادات الإعلامية لكافة الأفراد، ليدركوا المخاطر التي تحيط بهم لضمان تواجد خط دفاع أول يحمي الوطن.
2. العمل على سن وتطوير الأنظمة المعنية بالحد من التدخل الأجنبي في الشؤون الداخلية، وبلورة تقنين شفاف لتعاملات المواطنين والمؤسسات مع الكيانات الأجنبية بما يضمن الحفاظ على السيادة والأمن والهوية الوطنية. فالعديد من الدول (كبريطانيا، كندا، أستراليا، نيوزيلندا، وسويسرا) اعتمدت قوانين واضحة تنظم تقديم الدول والمنظمات الأجنبية أوسمة وجوائز لمواطنيها، سعيا منها للحد من التدخلات الأجنبية بشؤونها الداخلية. ومع الأسف لا يوجد في أي من دولنا العربية قوانين مشابهة. وآمل أن يرى النور قريبا مشروع النظام المقترح للأوسمة والجوائز الأجنبية للسعوديين، الذي قدم منذ أشهر إلى مجلس الشورى.
3. تعزيز إمكانات الأجهزة الاستخبارية والأمنية الوطنية لرصد المعلومات عن التحركات الأجنبية المشبوهة.
4. دعم قدرات أجهزة الأمن الوطني وتوجيهها لمتابعة ودراسة القضايا المتصلة بالتغريب والانحلال الأخلاقي والفكري للشباب واقتراح الحلول المثلى لمواجهتها، فهي لا تقل خطرا عن قضايا التطرف الديني والإرهاب.
5. وأخيرا، لكل دولة دينها وقيمها وعاداتها وموروثها الثقافي والاجتماعي وتشريعاتها. والبعثات الدبلوماسية المعتمدة جميعها ملزمة باحترامها والتقيد بها. وهذا ما أكدت عليه كافة الاتفاقيات الدولية ذات الصلة، كاتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية ١٩٦١، التي نصت بالفقرة (١) من المادة (٤١) على: «دون الإخلال بالمزايا والحصانات المقرة لهم، على الأشخاص الذين يستفيدون من هذه المزايا والحصانات واجب احترام قوانين ولوائح الدولة المعتمد لديها، كما أن عليهم واجب عدم التدخل في الشؤون الداخلية لهذه الدولة». وأكدت عليه أيضا الفقرة (٣) من نفس المادة التي نصت «لا يجوز استعمال الأماكن الخاصة بالبعثة على وجه يتنافى مع مهام البعثة كما بينتها نصوص هذه الاتفاقية أو غيرها من القواعد العامة للقانون الدولي أو الاتفاقيات الخاصة المعمول بها بين الدولة المعتمدة والدولة المعتمد لديها». وبالتالي، على دولنا إلزام وبحزم جميع البعثات الأجنبية بالانضباط وعدم إساءة الأدب، استنادا للعرف والقانون الدولي.
خاتمة: قال الشاعر محمد الدحيمي الشهري (أخو تكفى):
من ذاق حَرّ القايلة يعشق الليل ومن شَب ضَّوَه ليلة البرد يدفا
كاتب سعودي
[ad_2]
Source link