[ad_1]
وفي هذا العام ظهر عنوان «الأدب العربي وفضاءات المثاقفة» عنواناً محفزاً للقراءة والاطلاع والبحث والكتابة حوله، وهو الأمر الذي حققته الأوراق العلمية البحثية المهمة التي حفلت بها ندوات الملتقى والأسماء النقدية الكبيرة التي سننصت لها أولاً ثم نقرأ نتاجها الماتع بعد ذلك.
ويظهر السؤال المهم هنا! ماهي المثاقفة؟ ذلك المصطلح المعرفي الذي عنون له ملتقى النص في دورته الحالية، يرد في معجم العلوم الإنسانيّة، دورتيه، ترجمة جورج كتورة «أن المثاقفة هي مجموع الظواهر الناتجة عن احتكاك مستمر ومباشر بين مجموعات أفراد تنتمي إلى ثقافات مختلفة تؤدي إلى تغييرات في الأنماط الثقافية الأولية للجماعة أو الجماعات» تعبر المثاقفة عن أوجه التبادل الثقافي بين الحضارات البشرية المتعددة بين حالة من التصلب أو الاعتدال أو الذوبان في التعاطي مع ثقافة الآخر. في اتجاه يسعى أن يكون وسطاً بين الانفتاح المطلق الذي يؤول إلى الانصهار في ثقافة الآخر وبين الانغلاق المطلق الذي يؤول إلى الانعزال تماماً عن الآخر.
ومن خلال هذه التعريفات يظهر لنا تساؤل مهم حول الهوية! من منطلق الدور الهام الذي لعبته الهوية كتعبير عن التمايز الثقافي للجماعات منذ بدايات التاريخ، فهل من سبيل لحماية الهوية في إطار انخراط الشعوب والأمم في ثقافة العولمة تحت شعار التنوع الثقافي فهل نحن أمام ثقافة قومية أم ثقافة كونية؟
وسأعرض لموقفين مختلفين حول ثنائية الهوية والمثاقفة عند أبرز المفكرين العرب الجابري وعلي حرب، يقول محمد عابد الجابري في مقاله «العولمة والهوية الثقافية» في مجلة فكر ونقد «الهوية الثقافية مستويات ثلاث: فردية، وجمعوية، ووطنية قومية، والعلاقة بين هذه المستويات تتحدد أساساً بنوع (الآخر) الذي تواجهه… ولا تكتمل الهوية الثقافية إلا إذا كانت مرجعيتها جماع الوطن والأمة والدولة» من هذا المنطلق يبدي الجابري تخوفه من انشطار الهوية الثقافية العربية، لأن نظام العولمة والهوية الكونية يعمل على تفتيت وتفريغ هويتنا من كل محتوياتها، وربطنا بمفاهيم جديدة كونية.
وفي رؤية أخرى مغايرة تماماً نجد المفكر العربي علي حرب يرى «أن صفات الجمود والثبات في هويتنا لا تساعد في الحفاظ عليها، بل يجب مسايرة التغيرات التي تحدث حولنا. ومحاولة التساير معها إيجابياً بمعنى فهم كيفية التغير» يقول في كتابه «الماهية والعلاقة» إن اندفاعات العولمة وخصوصاً في مسارها الثقافي تهدد بجرف المترددين في كيفيات التعامل معها، إذ هي تواصلية بلا فراغات وذات صفة مكانية مشغلة بكاملها لا مطرح فيها للحياديين والمتفرجين. وتفرض التجدد والتغير التكيفي الذي تقتضيه التساوقات، لأن الميل الدائم إلى المسبق والثابت والمنجز لا يمكن أن يستمر في تأهله طويلاً لمواصلة القيام بوظيفة الحفاظ على الهوية، وذلك لأن منطق الهوية في المتغيرات العاصفة التي يعيشها عالم اليوم مرتبطة باستحقاقات ما يلزمنا عامل الزمن بالإجابة على الأسئلة التي يطرحها. وأول هذه الاستحقاقات هو «أن نستبدل سؤال من أكون؟ بسؤال كيف يمكن أن أتغير».
ومن خلال هذه القراءة الثقافية السريعة لآراء أهم المفكرين العرب سنتلقى أوراق «ملتقى النص 17» الذي يتحقق وجوده في ظل وعي عقلاني خلاق هو الأمل الذي نحاول تمثله والعمل بمقتضاه حتى نشق طرق المستقبل بكل ثقة.
كاتبة سعودية
monaalmaliki@
[ad_2]
Source link